ثقافة وفنون

ظاهرة «مخاوي الليل» تؤنسن الفن بين وسيلة أفلاطون وغاية أرسطو

ظاهرة «مخاوي الليل» تؤنسن الفن بين وسيلة أفلاطون وغاية أرسطو

ظاهرة «مخاوي الليل» تؤنسن الفن بين وسيلة أفلاطون وغاية أرسطو

من ناحية نظرية، كان باستطاعة خالد عبدالرحمن منذ زمن طويل أن يكون موضوعاً لمحاضرة نقدية تتناوله من ناحية أدبية، لكن صاحب ديوان ''العطاء'' انتظر لبعض الوقت قبل أن يصبح بعد قرابة عقدين من الزمن موضوعا لمحاضرة نقدية ولكن ليس بوصفه شاعرا هذه المرة وإنما باعتباره ظاهرة يستكشف من خلالها الناقد محمد العباس الأنساق الثقافية. وقد حدث هذا تحديدا في ليلة شهدت كذلك آخر ظهور لمحمد الدعيع على المشهد الرياضي، وبين مركز الملك فهد الثقافي واستاد الملك فهد الدولي.. يصبح مرمى النخبة خالياً من حراسة القناعات النمطية وتنجح جمعية الثقافة والفنون في إحراز هدف موضوعي باختيارها ''مخاوي الليل'' عنوانا لتنظيم أول محاضرة ثقافية تتناول فناناً.. لم تكن بحاجة إلى مراوغة أحد كما فعل دل بييرو مثلا في أول أهداف مهرجان الاعتزال، وكما كان يجدر بها أن تفعل قبل عشر سنوات مثلا حين تفكر بالفكرة ذاتها، أو بمعنى آخر.. قبل أن تنتهي قراءة النصوص في حقبة النقد الأدبي لصالح قراءة الظواهر في مرحلة النقد الثقافي. وبعد عرض مقطع مرئي يتضمن بعض أغنيات خالد وصوره، بدأ الناقد محمد العباس في تقديم محاضرة تقاطع فيها نقديا مع الفنان الجماهيري، معتبرا أن أصبح مستوى وطبيعة وصوله الى القاعدة المجتمعية يعدان ظاهرة تستدعي الدراسة النقدية، ويضيف ''أغنيات خالد لها رنين خاص يعكس مزاجه وولعه بالفن، وأعماله توازي تماما شكل حياته وحياة الناس العادية.. لقد قدم أغنيات عاطفية رقيقة طافحة بالعذرية والإفلاطونية.. مستخدما في ذلك أسلوباً يميل إلى التشكي الفردي ويتجسد في جمل لحنية ناعمة، وقد نجح في تكريس قيم فنية مستحدثة جديرة بالتقليد كما تميز برتمه المنخفض، حيث استطاع الخفوت يتحول الى نقطة إيجابية وطاقة رومانسية، في حين طبقت أغانيه ذات الطابع المنكسر مفهوم أرسطو الذي يرى الأغاني الحزينة سببا للتداوي''. #2# العباس وصف خالد بالمغني الفردي غير الأوركسترالي مدللا على ذلك أنه يتجلى عندما يمسك بالعود، ومشيرا في هذا الصدد إلى انحيازه إلى النغمة القديمة وعلى تأليف الجمل التي تبدو فطرية أكثر منها بنائية، وقال إن بعض ألحانه خلاقة وسهلة وتتجاوب مع النفس إلى مستوى عميق فتبدو كما لو كانت ثيمات ذهنية لمستمعيه وجمهوره، ويضيف'' هو لا يفضل البناء الموسيقي المعقد ويحب إيصال شعوره بأقل جملة ممكنة، كما يلحظ عليه الانغراس في الجذور تجاه الفن الشعبي والتراثي فيما توحي الخطوط المرسلة في ألحانه توحي بامتداد الصحراء'' في جانب آخر، قرأ الناقد العباس لقب مخاوي الليل كمؤشر لإيصال أزمة الفرد المسكون بهشاشة عاطفية والذي يعيش كما لو كان طريدا ومقصيا عن المنظومة، وهي الوظيفة الانطباعية التي يظهر فيها خالد كشخص متنازل عن كرنفال الحياة الصاخب يمسك دائما بالعود كما لو كان طوق نجاة'' غير أن هذه الصفة تحمل في وجهها الآخر ظاهرة فنية واجتماعية وشخصية تتجاوز مفهوم الفنان إلى الإنسان.. فهو على المسرح يبدو كشخص عادي يمارس الغناء وليس كفنان محترف، كما أن كلماته تعبر تحتوي كثيرا من أفكار ومشاعر الناس بشكلها الطبيعي''.. ويرجع الناقد جماهيرية خالد التي تجاوزت كثيرا من فناني جيله الكبار إلى هذه العلاقة التي تبدو شخصية ومباشرة بينه وجمهوره، حيث تتحول حياته العادية إلى مادة جاذبة مطروحة للتداول ودليلا إضافيا إلى ارتباطه الوثيق بصورة الكائن الاجتماعي القريب من الجميع، بل أنه موجود دائما في قلب الحدث الإعلامي ويحظى بمتابعة دقيقة وتنسج الشائعات حوله باستمرار. وقال العباس في القراءة النقدية إن المنظومة البصرية والصوتية التي يمثلها خالد توصل إحساسا بالهوية ورسالة من الفنان للمجتمع مفادها بأنه وثيق الانتماء إليه، ويعتقد أن خالد يتميز عن غيره من الفنانين بمجموعة من الصور ذات التمثيل البصري المعني بتمكين فكرة معينة عن الرجل البدوي والمخملي الأنيق، كما أنه لا يخضع نفسه لقوالب صاخبة على مستوى هيئته، ويضيف ''خالد شخصية مثالية للشاب الذي يبحث عن مثال ملهم، فهو يملك كاريزما وقبولا يجعل جمهوره يرفض بشكل قاطع أن يمسه أحد نموذجه بأي شكل من الأشكال.. هو رجل يرتبط بالبر والصيد بشكل يضفي عليه سمة الأصالة، كما إنه يوصل رسائله باسترخاء لجمهوره ويميل لصورة الفارس وليس المغني''. وختم العباس رؤيته بأن خالد عبد الرحمن وسع شريحة الأغنية الشعبية، ولا يزال يفرض صوته وحضوره ويعامل بشكل مختلف من المؤسسات الإنتاجية، هو نموذج مغاير عن النماذج المصنوعة إعلاميا، وظاهرة أنتجت ثقافتها القابلة للاستهلاك واختراق الشعور الجمعي من خلال مركب إنساني وليس فنيا فقط''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون