Author

مقال جاهز وآخر تفصيل

|
كتابة مقال تعني بالنسبة لي طرح رأي أو فكرة أو تقديم تعليق في موضوع ما، فالمقال وسيلة من وسائل التواصل مع الآخرين من خلال وسائل الإعلام، وعادة ما يرتبط المقال بحدث أو مناسبة أو موقف أو تقديم رأي عام في قضية معينة، وقد تحتاج أثناء إعدادك للمقال إلى معلومات إضافية من خلال مصادر موثوقة فتعمد إلى كتب وأبحاث ودراسات لتضيفها إلى المقال، وكثيراً ما أعيد قراءة المقال بعد كتابته عدة مرات وأحياناً أعرضه على بعض الزملاء قبل النشر لأخذ مرئياتهم، وفي بعض الأحيان أقوم بإلغاء المقال لأنني أشعر بأن مضمونه لم يرتق إلى مستوى يمكن من خلاله أن أكون مقتنعا بكل كلمة وردت فيه ، ثم هناك الأطراف الذين يمكن أن يؤثر فيهم المقال سلباً أو إيجاباً وكيف يمكن تجاوز هذه العقبة، يأتي قبل ذلك وبعده عنوان المقال والذي هو قصة أخرى كثيراً ما تتنوع فيها الآراء خصوصاً مع إدارة التحرير. هذه بعض مراحل كتابة المقال التي قد يمر بها بعض الكتاب، وهذه المراحل قد تنحصر في الكاتب وحده، وفي حالات قليلة قد تتجاوز ذلك إلى إدارة التحرير إذا ما كان هناك بعض الملاحظات التي يختلف عليها حول المقال، فتأتي مرحلة الإقناع وتعديل بعض الكلمات والعبارات وتخفيف مستوى الحدة وإلغاء بعض الفقرات، وهنا يكون الكاتب بين خيارات فإما أن يتمسك برأيه ويرفض التعديل، وإما أن يقبل بالتعديل، فكلا الطرفين على قناعة بما لديه من مبررات وجيهة، وإما أن يلغي المقال مرة واحدة وحتى في هذا الإلغاء فهو إما أن يكون إلغاءً لاستبداله بمقال آخر أو أن يكون إلغاء للتوقف عن الكتابة ليؤكد سلامة موقفه. في إحدى المرات اتصل بي أحد المسؤولين في إحدى الصحف يطلب مقالاً عن موضوع ما وكان على عجلة من أمره، فقلت له من الصعب أن تكتب مقالاً دون أن تتأكد من فكرته وأهدافه ومضمونه، فقال لي (ألا يوجد لديك مقال جاهز)، فالصفحات تحت الطباعة ونحتاج إلى مادة سريعة، فاعتذرت لذلك الزميل وأخذت أتأمل في وضع صحافتنا كما تأملت في بعض المقالات التي تكتب ووجدتها بالفعل تنقسم إلى عدة أقسام فإما أن تكون جاهزة أو مفصلة كما يفصل الثوب، أو مقالات حرة نزيهة يحرص الإنسان على أن يقرأها أكثر من مرة لما فيها من أفكار مميزة. أصبحت بعض المقالات اليوم إما أن تكون جاهزة فهناك مقالات للميزانية ومقالات للإنجاز ومقالات للتعيينات ومقالات للمناسبات الوطنية وغيرها من المقالات التي لا يكون هناك فرق بينها غير التقديم والتأخير وتغيير التاريخ، وكذلك بعض الأسماء لمن يمكن أن يكونوا قد تركوا مناصبهم مع مرور الزمن، كما أن هناك بعض المقالات أصبحت تفصل تفصيلاً. إذ تجد فجأة عددا من الكتاب يكتبون في اليوم نفسه عن الموضوع نفسه وبالطريقة نفسها وبالأفكار والطرح نفسها حتى تكاد تشعر وكأن تلك المقالات كتبت بيد واحدة واستخدمت لها كلمات وتعابير وجمل مختلفة، وهناك مقالات حرة نزيهة تفوح منها رائحة الصدق وتجد في منهجها العدل والإنصاف كما تجدها موثقة بمصادر معلومات واضحة يمكن الرجوع لها وهذه المقالات أصبحت نادرة وللأسف في هذه الأيام وهي في المقابل تمثل امتحانا صعبا لبعض إدارات التحرير. إن كتابة المقال مسؤولية تحتاج إلى بذل الجهد والبحث من قبل الكاتب من أجل أن يقدم للقارئ مادة تفيده وتقدم له معلومة مهمة أو مضمونا يستفيد منه، وفي المقابل يقبل بأن يضع عليها اسمه ككاتب.
إنشرها