Author

التنمية المتوازنة في ظل جامعاتنا السعودية

|
يتمتع قطاع التعليم العالي في مملكتنا الحبيبة برعاية واهتمام بالغين من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ فقد أدى الإنفاق الحكومي المباشر إلى تحقيق قفزات تنموية متسارعة، شملت جميع جوانب العملية التعليمية كمًّا وكيفًا، حيث بلغ إجمالي ما خصص لهذا القطاع خلال السنوات الأربع (1430/1431 ـــ 1433/1434هـ) ما يقارب 123.9 مليار ريال بمتوسط إنفاق يصل إلى 30.9 مليار ريال سنويًّا، كذلك تم إنشاء 16 جامعة حكومية ليرتفع عدد الجامعات الحكومية إلى نحو 24 جامعة موزعة على جميع مناطق المملكة الثلاث عشرة بعد أن كانت ثماني جامعات مركزة على ثلاث مناطق (الرياض، الشرقية، ومنطقة مكة المكرمة) فقط. وبصدور ميزانية العام الحالي (1433/1434هـ) بلغ ما تم تخصيصه لقطاع التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة نحو 168.6 مليار ريال، استحوذ قطاع التعليم العالي على نحو (42 في المائة) منها. فقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين ـــ رعاه الله ـــ يعي جيدًا الدور الذي تلعبه الجامعات في مسيرة التنمية المتوازنة بجميع جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فحرص كل الحرص على إيصال التعليم العالي إلى كل منطقة من مناطق المملكة، وتحويل مؤسساته إلى مراكز نمو شاملة تعمل على تنمية وتطوير قدرات ومهارات أبنائها لمواكبة التطورات العلمية والتقنية من جهة، وتلبية متطلبات التنمية بشقيها الإنتاجي والخدمي على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية من جهة أخرى. لا شك أن قضية تلبية متطلبات التنمية (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية) لكل منطقة من مناطق المملكة واحتياجات سوق العمل السعودي على المستوى المحلي والإقليمي والوطني من أبرز قضايا التنمية المتوازنة في المملكة، وأن مخرجات نظام التعليم العالي هي لب هذه القضية، فتمويل وإيجاد تخصصات وبرامج ترتبط مباشرة بمتطلبات خطط التنمية واحتياجات سوق العمل المحلية والإقليمية (لكل منطقة من مناطق المملكة) يجب أن يكون الهاجس الأكبر لكل جامعة من جامعاتنا السعودية، فأسوأ ما يمكن أن يصيب جامعة ما، هو أن تكون برامجها التعليمية في واد ومتطلبات التنمية وحاجات سوق العمل في واد آخر، عند ذلك ستكون الجامعة عبئًا على ميزانية الدولة، ولن تتمكن هذه الجامعة من دعم خطط ومتطلبات التنمية، ولن يتمكن خريجوها من العثور على فرص عمل مناسبة في السوق المحلية أو الإقليمية، بل على العكس من ذلك ستعمل على زيادة معدلات البطالة ومعدلات الهجرة، وهدر الطاقات الشبابية في الاقتصاد الوطني، إضافة إلى هدر الإمكانات المالية للدولة. فتخريج أعداد هائلة من حملة البكالوريوس في شتى المجالات والتخصصات العلمية يقابله شُحٌّ في الفرص الوظيفية المناسبة في مجتمع ما، هي معادلة من العيار الثقيل في ظل عصر العولمة والاقتصاد المعرفي، بل تُعَدُّ معادلة خطيرة جدًّا من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية على المدى المتوسط والبعيد. ما ينبغي التأكيد عليه هنا، هو أن التعليم العالي مطلب وحق مشروع لكل مواطن، وأن العبرة ليست بإنشاء جامعات في كل منطقة، وليست بأعداد الخريجين ـــ بل العبرة بنوعية الجامعة المنشأة ومدى مواءمة مخرجاتها لمتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل الفعلية بتلك المنطقة أو الإقليم، فالجامعة ليست عملية خدمية بقدر ما هي عملية إنتاجية لها مردود اقتصادي واضح على مستويات الحياة العامة والخاصة كافة. للوصول إلى تنمية متوازنة تعمل على تقليل الفوارق والتباينات في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بين مدن وقرى المنطقة الواحدة من جهة، وبين مناطق المملكة الثلاث عشرة من جهة أخرى، ينبغي لكل جامعة من الجامعات السعودية (وأخص بالذكر الجامعات الجديدة في المناطق الحدودية أو المناطق ذات المشاريع التنمية الاقتصادية المحدودة) العمل مع الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بالتنمية الإقليمية لدراسة وتحديد إمكانات التنمية المكانية واحتياجات سوق العمل، ومن ثَمَّ رسم سياسات تعليمية ووضع برامج وتخصصات تتواءم مع طبيعة وإمكانات التنمية المكانية لتلك المناطق، مما يضمن في نهاية المطاف وجود جامعات سعودية ذات إمكانات بشرية تلبي متطلبات واحتياجات التنمية المحلية والإقليمية، تعمل على تطوير وتنمية القدرة التنافسية لاقتصاديات مناطقها، ومن ثَمَّ تطوير المجتمع السعودي وتعزيز الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمساهمة الفاعلة في التنمية الوطنية المتوازنة.
إنشرها