FINANCIAL TIMES

سنوات التكامل الطويلة لم تلغ عدم الثقة بين الأوروبيين

سنوات التكامل الطويلة لم تلغ عدم الثقة بين الأوروبيين

أثارت الأزمة المالية مقارنات تاريخية متعددة، ليس أقلها مقارنتها بالكساد العظيم. وأود أن أطرح مقارنة أخرى بالنسبة إلى أزمة منطقة اليورو، هي حرب الأعوام الـ 30 التي دمرت أوروبا الوسطى في الفترة 1618 – 1648. إن أزمة منطقة اليورو وتلك الحرب المرعبة حدثتا وسط تحولات مفاجئة في القوة، والاثنتان أطلقتهما ما تبدو أسباباً تافهة، وأصبحتا معقدتين على نحو كبير. وطبعتا كذلك بتحول إقليمي مفاجئ للسلطة. قبل عام 1618 كانت الإمبراطورية الرومانية المقدسة مقسمة بصورة متساوية تقريباً بين منطقتين، كاثوليكية وبروتستانتية. وانتهت الهدنة عندما تحول مركز القوة مع ارتقاء فرديناند الكاثوليكي سدة العرش عام 1617 ملكاً لبوهيميا، وكان أحد الأمراء السبعة الذين يختارون الإمبراطور. وبدأت الحرب الفعلية بعد عام من ذلك، عندما ألقى متمردون ببعض مستشاري الملك من النافذة. ذلك الحادث المشهور في براغ فجر المعارك الأولى من حرب بين البروتستانت والكاثوليك، خرجت فيما بعد عن حدود السيطرة بصورة كاملة. وتضمنت الحرب أربع مراحل واجتذبت أمماً خارجية – هي الدنمارك، والسويد، وأخيراً فرنسا. تعرضت منطقة اليورو كذلك إلى تحول داخلي في القوة خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل نهوض نسبي للقوة الاقتصادية الألمانية. ولأزمة منطقة اليورو كذلك عامل إطلاق تافه نسبياً، تمثل في انهيار مالي في بلد صغير على أطرافها الخارجية. وفجر هذا الأمر كذلك صراعاً اقتصادياً أوسع بين شمال بروتستانتي في معظمه، وجنوب كاثوليكي/أورثوذوكسي. وحين اجتمع الزعماء الحديثون لمنطقة اليورو في بروكسل الشهر الماضي، للتوقيع على معادل حديث لمعاهدة سلام، قوطعوا بتيار خاص بنزاع أقدم بكثير – نزاع المملكة المتحدة مع الآخرين. ولذلك، بدلاً من التوصل إلى معاهدة سلام واحدة، انتهوا بنزاعين متداخلين ومتفاعلين. وتصبح أوروبا مرة أخرى معقدة على نحو سخيف. لا أريد أن أتوسع كثيراً في جوانب الشبه. ففي الفترة من 1618 – 1648 فقدت الأقاليم الألمانية 20 – 40 في المائة من سكانها فيما يعد نتيجة مباشرة، أو غير مباشرة للحرب. ولا أتوقع أن تستمر الأزمة 30 عاماً. لكنها قد تنتهي، على أية حال، بدمار اقتصادي ذي حجم مماثل، ولا سيما إذا طبقت سياسات التقشف التي تفرضها ألمانيا في كل مكان، وبصورة كاملة. هناك فروق واضحة أخرى، إذ لم يعد أحد يقاتل من أجل الأرض. وكان أحد الإنجازات التي لا شك فيها لعملية التكامل الأوروبي هي تحويل النزاعات إلى نقاشات مثيرة للاختلاف في قمم تعقد في آخر الليل تدخل بعمق في قلب الحياة السياسية في بروكسل. وطبيعي أننا قد حققنا تقدماً. غير أن ما ظل دون تغيير عن تلك الأزمان هو النزاعات الثقافية الرئيسية بين البروتستانت والكاثوليك، وبين الشمال والجنوب، وبين بريطانيا وقارة أوروبا. لم تستطع عقود كثيرة من التكامل الأوروبي إنهاء عدم الثقة الأساسي. وهذا كذلك أحد أسباب إنشاء الأوروبيين لمثل هذا الاتحاد النقدي غير المتوازن على نحو غير عقلاني. فلم تكن قواعده نتيجة نقاش اقتصادي عقلاني، لكنها صممت لتخفيف شكوك ألمانية ضاربة في القدم. إنني أرى أكثر أوجه الشبه إرباكاً بين الطريقة التي انتهت بها حرب الأعوام الـ 30، والطريقة التي ينطلق بها زعماء أوروبا السياسيون من أجل حل أزمة منطقة اليورو. أنهى الإسبان والهولنديون حربهم الثنائية التي استمرت 80 عاماً في 1648. وأصبحت هولندا مستقلة. واستعاد البروتستانت الألمان نفوذهم في معاهدات السلام الناجمة عن ذلك. وفي المقابل أصبحت بافاريا وبراندنبيرغ دولتين مستقلتين، وأعطت الأخيرة أسباب نهوض مملكة بروسيا بعد نصف قرن من الزمن. واستمرت الإمبراطورية الرومانية المقدسة كوعاء فارغ حتى تم تفكيكها رسمياً بعد نحو 150 عاماً. وتسببت الحرب في تفتيت أوروبا القارية، وتبع ذلك 300 سنة من المذابح الكاملة. إدارة الأزمة في منطقة اليورو يمكن أن تنتهي كذلك إلى حالة من التفتت. وأرى أن السيناريوهات الثلاثة الآتية هي النتائج الأكثر احتمالاً: اتحاد سياسي بأداة مشتركة للديون، واستمرار الوضع الذي يفرضه تقشف دائم، أو تفكك. وأياً كان ما يتم اختياره، فإنه سيؤدي كذلك إلى توازن غير مستقر. ومن المؤكد أن الاتحاد السياسي يحل الأزمة الضيقة، لكنه قد يضعف الشرعية الديمقراطية، وبذلك يصبح غير مستقر. والتقشف الذي يفرضه الألمان هو الحل الأكثر احتمالاً لأن يطلق تطرفا سياسيا وعنفا. وهو كذلك غير مستقر لعوامل متأصلة فيه، لأنه يفرض مبدأ سيطرة بلد على آخر. ومن شأن تفكيك منطقة اليورو، في أسوأ الأحوال، تدمير الاتحاد الأوروبي نفسه، أو في أفضل الأحوال إعادتنا إلى الوضع الذي كان قائماً في أوائل السبعينيات. لقد أنهت معاهدة وستفاليا حرب الأعوام الـ 30 عام 1648. وكانت المعادل المبكر الحديث لما يمكن أن يصفه رئيس المجلس الأوروبي، هيرمان فان رومبوي، في أيامنا هذه بالحل الشامل. ولا يعالج أي منهما النزاعات الرئيسية. وتظهر حرب الأعوام الـ 30 أننا نحن الأوروبيين كنا نؤخر اتخاذ القرارات الصعبة الضرورية منذ فترة طويلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES