Author

3 تساؤلات لوزارة الاقتصاد والتخطيط

|
قام باحث في البنك الدولي بإجراء دراسة عن المشاريع التنموية التي سعت الاقتصادات الناشئة إلى تحقيقها خلال النصف الأول من القرن الماضي. نشرت الدراسة في إحدى دوريات البنك الدولي، بعنوان "التخطيط في الدول النامية .. دروس من التجارب"، قبل قرابة 20 عاما. وعلى الرغم من مضي فترة زمنية تعد طويلة بعض الشيء على تاريخ نشر الدراسة، إلا أن ما حملته من نتائج جديرة بالاستشهاد. أجريت الدراسة على الاقتصادات الناشئة بعد مرحلة الاستقلال، ضمت عينة الدراسة 300 خطة تنموية أقرتها الاقتصادات الناشئة خلال النصف الأول من القرن الماضي. قسمت الدراسة الخطط التنموية هذه إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى الخطط التنموية في اقتصادات آسيا وأوروبا الشرقية وشمال إفريقيا. تميزت الخطط التنموية لهذه الاقتصادات بتأثرها بالنموذج السوفياتي في التخطيط الاستراتيجي وفكره الاشتراكي، وبناء على ذلك كانت خططا موضوعية ومفصلة إلى أدق التفاصيل. من الأمثلة على اقتصادات هذه الفئة الهند، تركيا، بنجلادش، وإثيوبيا. والفئة الثانية الخطط التنموية في اقتصادات وسط إفريقيا وصحراء إفريقيا ومنطقة الكاريبي، تميزت الخطط التنموية لهذه الاقتصادات بتأثرها بالنموذج الشخصي لأعضاء حكوماتها في التخطيط الاستراتيجي وأهوائهم الشخصية، وبناء على ذلك كانت خططا شكلية تتغير حسب مصالح دولها المستعمرة. من الأمثلة على هذه الاقتصادات نيجيريا، السنغال، الأرجنتين، غانا، جامايكا، وشيلي. والفئة الثالثة الخطط التنموية في اقتصادات أمريكا اللاتينية، تميزت الخطط التنموية لهذه الاقتصادات بتأثرها بالنموذج الصناعي وفكره الرأسمالي، وبناء على ذلك كانت خططا شمولية مرنة. من الأمثلة على هذه الاقتصادات كوريا الجنوبية، ماليزيا، وكينيا. توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الأداء الأفضل لم يكن من نصيب الفئة الأولى، التي وضعت خططاً موضوعية ومفصلة إلى أدق التفاصيل، كما لم يكن الأداء الأفضل من نصيب الفئة الثانية التي وضعت خططاً شكلية تتغير حسب مصالح الدول المستعمرة ـ بل كان الأداء الأفضل من نصيب الفئة الثالثة التي وضعت خططا شمولية مرنة. تقودنا هذه النتائج إلى النظر في مجموعة من الأوراق والتساؤلات موجهة لوزارة الاقتصاد والتخطيط حول مسيرة العملية التنموية السعودية منذ بداية التخطيط الاقتصادي مطلع السبعينيات الميلادية من القرن الماضي حتى منتصف العقد المقبل. والدافع خلف النظرة إلى منتصف العقد المقبل هو التوقيت الزمني لرؤية الاقتصادي السعودي الطموحة التي أطلقت مطلع العقد الماضي. أطلق الاقتصاد السعودي مطلع العقد الماضي رؤية طموحة تنص على الآتي: "'سيكون الاقتصاد السعودي - إن شاء الله - بحلول عام 1444/1445هـ (2024)، اقتصاداً متطوراً منتعشا ومزدهراً، قائماً على قواعد مستدامة، موفراً فرص عمل مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل، متسماً بنظام تعليم وتدريب عالي الجودة والكفاءة، وعناية صحية متميزة متاحة للجميع، إضافة إلى جميع الخدمات الأخرى اللازمة لتوفير الرفاهية لجميع المواطنين، وحماية القيم الاجتماعية والدينية والحفاظ على التراث''. السؤال الأول الموجه لوزارة الاقتصاد والتخطيط: هل ما زالت هذه الرؤية الطموحة هي التي يسعى الاقتصاد السعودي إلى بلوغها وفق الجدول الزمني المحدد؟ تمثل رحلة تحقيق رؤية الاقتصاد السعودي بحلول 2025 فلسفة حديثة في مسيرة التخطيط التنموي السعودي. والسبب في حداثة هذه الفلسفة أنه ابتداء من الخطة الخمسية التنموية الثامنة (2005 -2009) أصبحت مخرجات كل خطة تنموية تغذي مدخلات الخطة التنموية التي تليها، وذلك ضمن إطار استراتيجي بعيد المدى ومحدد الأهداف والآفاق. من أهم أهداف العملية التنموية السعودية بحلول 2025 رفع مستوى المعيشة، وتحسين نوعية الحياة، وتقليص ظاهرة الفقر، وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والمتوازنة، والمحافظة على الموارد الطبيعية، وترشيد استخدامها، وحماية البيئة، وتقليص الفجوات التنموية بين مناطق المملكة، وتنويع القاعدة الاقتصادية. من أهم أهداف العملية التنموية السعودية بحلول 2025، كذلك توسيع مجالات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار، والتوجه نحو بناء مجتمع اقتصاد المعرفة، وتعزيز البحث العلمي، وتنمية الموارد البشرية، وتوفير فرص العمل، ودعم مشاركة المرأة في الأنشطة التنموية، والاستمرار في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتطوير المؤسسي، وتعميق التعاون الخليجي والعربي. السؤال الثاني الموجه لوزارة الاقتصاد والتخطيط: هل ما زالت هذه الأهداف الطموحة هي التي يسعى الاقتصاد السعودي لتحقيقها وفق الجدول الزمني المحدد؟ المركز الوطني لقياس وتقويم العملية التنموية مقترح تم طرحه مطلع العام الحالي. يهدف المركز إلى قياس ما تم إنجازه في مسيرة تنفيذ الخطط التنموية وتقويم آليات التنفيذ واقتراح ما يمكن اقتراحه من تطوير في مستهدفات هذه الخطة أو تلك هو اقتراح يستأنس الطرح بما يعود بالنفع على العملية التنموية السعودية. يسعى المركز إلى تطوير معايير قياس أداء ذات شقين. الشق الأول ''متوسطة المدى'' تهتم بمراقبة أداء تنفيذ الخطة التنموية التاسعة (2010-2014). والشق الآخر ''بعيدة المدى'' تهتم بمراقبة مدى سير تنفيذ الخطط التنموية التاسعة (2010 - 2014)، والعاشرة (2015-2019) والحادية عشرة (2020 - 2024). مجموعة من الجهود يقوم بها معهد الإدارة العامة في هذا الشأن نحو ظهور مركز مشابه إلا أنها ما زالت في طور التأسيس. السؤال الثالث الموجه لوزارة الاقتصاد والتخطيط: هل نتطلّع إلى أن نرى مركزا وطنيا لقياس وتقويم العملية التنموية في الأيام القليلة المقبلة؟ رؤية الاقتصاد السعودي في 2025 ومستهدفات العملية التنموية السعودية بحلول 2025، والمركز الوطني لقياس وتقويم العملية التنموية. ثلاثة تساؤلات موجهة لوزارة الاقتصاد والتخطيط تم طرحها خلال العام الماضي أجدها مناسبة لإعادة نثرها مع أوراقها ونحن نستقبل ميزانية تاريخية تحمل البشائر والتفاؤل، ووزير اقتصاد وتخطيط جديدا يحمل الحماس، وعاما جديدا يحمل التفاؤل، وتحديات جساما في الاقتصاد السياسي تحمل اليقظة.
إنشرها