Author

هل الاقتصاد الإسلامي هو الحل؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
هذا سؤال يثار اليوم في شتى مناحي الحياة. هل له من جواب؟ أقول وبأمانة نعم ولكن. سبب عدم الجواب بالمطلق لواحد من أهم الأسئلة المطروحة الآن على الساحة العربية والإسلامية ينطلق من قراءتي للإسلام كدين وحضارة وفكر ومنهج. يخطئ من يقول إن الإسلام له فكر ونهج وحتى تاريخ واحد. نعم له كتاب واحد، ولكن لم ولن تُقرأ وتفسر نصوصه المقدسة بطريقة واحدة. النص المقدس شيء والتفسير شيء آخر. وهذه النظرة ليست وليدة اليوم، حيث نرى أفكارا ومناهج ومذاهب وطرائق وفرقا إسلامية مختلفة. حدث هذا بعد وفاة الرسول ببضع سنين، حيث لم يتفق كل صحابته على تفسير واحد محدد للنص المقدس. وإن أخذنا جانب الاقتصاد نرى أن العالم اليوم، ولا سيما الرأسمالي منه، يمر بأزمة كبيرة، ولا سيما الاتحاد الأوروبي وبالتحديد دوله التي اتخذت اليورو عملة موحدة. في الماضي كان يُعتقد أن سعر الفائدة (الربا بالمفهوم الإسلامي) هو الدواء تقريبا لكل داء اقتصادي. تخفيض نسبة سعر الفائدة يؤدي إلى انتعاش اقتصادي ورفعه يقلل المخاوف من انفلات زمام السيطرة على النمو الاقتصادي. بالطبع لهذه الثنائية (رفع سعر الفائدة وخفضه) حسنات ومكاره ليس هذا مجال لخوض غمارها. والعالم الرأسمالي ما زال يملك زمام هذه الثنائية التي كانت وإلى وقت قريب بمثابة العصا السحرية. ما الذي حدث إذا كي يقع العالم الغربي في حيرة من أمره وهو يواجه أزمة اقتصادية لا يعرف مخرجا لها. هل انقلب السحر على الساحر؟ نعم. هذا ما يحدث بالضبط. سعر الفائدة (الربا) صار عبئا كبيرا على الاقتصاد الرأسمالي بعد أن كان عصاته السحرية. الدورة الاقتصادية صارت في كثير من الأحيان لا تستجيب لخفض أو رفع سعر الفائدة لا بل أحيانا تستجيب بشكل معاكس تماما. سعر الفائدة في أوروبا (منطقة اليورو) منخفض جدا (1 في المائة)، ومع ذلك "اشتدي أزمة تنفجري" وليس "اشتدي أزمة تنفرجي" ورحم الله ابن النحوي الأندلسي وأستميحه عذرا على التلاعب بقصيدته المميزة والملقبة بـ "المنفرجة". ومنطقة اليورو واحد من أكثر الأقاليم في العالم اعتمادا على الذات ـــ أي أن أكثر من ثلثي تجارة الدول الأعضاء فيها تتم فيما بينها. وهذا ينطبق أيضا على دول أعضاء في الاتحاد ولكن لم تتخذ اليورو عملة مثل السويد والدنمارك. وهذا الأمر بعد أن كان ينظر إليه سدا منيعا في وجه الأزمات صار ينظر إليه بريبة، فتصور كم سيتأثر عملاق اقتصادي مثل ألمانيا في حال انهيار اقتصاديات بعض دول الاتحاد. وانظر كيف أن هذا العملاق يهرع لإنقاذ دول مثل اليونان وإيطاليا وغيرهما من الإفلاس. ليس حبا فيهما بل حبا في مكانته وتجارته. والسويد مثال آخر. اقتصاد هذا البلد يمر بازدهار لم يشهده منذ عقود، حيث وصلت نسبة النمو في الربع الثالث من هذا العام إلى 4.6 في المائة، وهذه نسبة هائلة لبلد فائق التطور مثل السويد. ومع ذلك الكل في هذا البلد يده على قلبه لما يمكن أن يحدث إن لم يتمكن زعماء الاتحاد الأوروبي من احتواء أزمتهم الاقتصادية لأن أكثر من ثلثي الصادرات السويدية تذهب لهذه الدول. البنك المركزي السويدي خفض سعر الفائدة يوم الثلاثاء الماضي عكس التوقعات، ولكن المصارف قالت إنها لن تخفض سعر الفائدة الذي تتقاضاه من زبائنها خشية انهيارها، بمعنى آخر أن البنك المركزي لم يعد مركزيا في الاقتصاد. العالم في حاجة ماسة إلى نموذج اقتصادي جديد، فهل سيكون الاقتصاد الإسلامي هو الجواب؟ وإلى اللقاء في الأسبوع المقبل.
إنشرها