Author

أوهام الاقتصاد الإسلامي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ظهر تعبير ''الاقتصاد الإسلامي'' منذ عقود قليلة ماضية. لكنها كلمة مطاطة المعنى، وظهرت تحتها مؤلفات لا تخلو من أوهام وتضليل للقارئ. زيادة في التوضيح، نقرأ ونسمع مؤلفات وندوات ومحاضرات ومقالات تحمل مسميات أو تحت عناوين اقتصاد إسلامي، لكن دراستها تنتهي بنا أن نعتبرها أحد ما يلي: أولا، توصيف لبناء اقتصادي مخصوص، أي أنه ليس علما محددا، بل وصف لنشاط اقتصادي تطبق فيه أحكام الشريعة. أو ثانيا، عبارة عن علم الاقتصاد، الذي يدرس الآن في عامة جامعات العالم، مع إدخال استدراكات قليلة أو الاهتمام بجوانب، لاعتبارات يرى (بضم الياء أي بالبناء للمجهول) أنها لازمة لجعل العلم مناسبا للمجتمع الملتزم بتطبيق الشريعة. يطلق المؤلفون على هذا اللون من الكتابات مسمى علم الاقتصاد الإسلامي أو أجزاء منه. ورغبة في تصويره على أنه علم مستقل، يسمون علم الاقتصاد علم الاقتصاد الوضعي. وهي تسمية فيها من التضليل ما فيها. يلاحظ على ما قيل أو كتب تحت اسم علم الاقتصاد الإسلامي، وبوضوح: 1- الاعتماد الكلي على علم الاقتصاد وفروعه في أدوات ومنهجية التحليل اللتين هما جوهر أي علم. 2- ضحالة المستوى الاقتصادي الفني، مقارنة بما كتب تحت علم الاقتصاد. 3- كثرة إيراد المسائل الفقهية. وبسبب هذه العوامل، يمكن اعتبار جل ما كتب من قبيل الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي. أو ثالثا فرع من فروع الفقه، أو فقه مخصوص، وهو فقه المعاملات المالية والاقتصادية. أرى أن من أسباب تسمية كثير من المؤلفات والكتابات المندرجة تحت المعنى الأخير بمسمى الاقتصاد الإسلامي ضعف اهتمام الكتب الفقهية العامة المؤلفة في القرون السابقة (كالمغني) بهذا اللون من الفقه. وفي هذا أذكر إبان دراستي في كلية الشريعة في الرياض قبل سنين طويلة، أذكر أن فقه البيع (وما يلحق به من معاملات مالية واقتصادية) كان يدرس في السنة الثانية، وكان المنهج ينص على أنه ينبغي على أستاذ المادة أن يتعرض لأحكام القضايا المستجدة في عالم التجارة والمال، ولكن هذا لم يحدث، فقد قصر الأستاذ تدريسه على الموضوعات الواردة في كتاب الروض المربع. كما أنه لم يتعرض لأحكام موضوعات اقتصادية و/أو مالية لم تدرج في كتب الفقه العامة القديمة، لكنها مبحوثة في كتب قديمة أخرى متخصصة. كتب قديما في كتب مستقلة حول موضوعات تعد في التعبير المعاصر اقتصادية، وكان التركيز على الأحكام. من أمثال أحكام وآداب الكسب والإنفاق وأحكام الخراج. هذه كلها في حقيقتها كتب فقه. كان المفترض أن تتضمن كتب الفقه العامة الشاملة تلك الموضوعات ونحوها. لا يخفى على الذين ناقشوا قضايا فقهية باسم الاقتصاد الإسلامي أن الفقه شامل لكل التصرفات العملية. ومن ثم فأحكام المعاملات المالية والتجارية والتصرفات المالية للأفراد وأحكام البيع والإجارة والضرائب والسوق والتأمين وتمويل البنوك داخلة قطعا في اختصاص الفقه، ويفتي بها الفقهاء ومجامع الفقه والهيئات الفقهية. ومن ثم لنا أن نتعجب من إعطاء هذا الفقه مصطلح الاقتصاد الإسلامي، وهو مصطلح شقه الأول يحمل معاني مصدرها الترجمة من الغرب. وخلاف الاعتراض الجوهري السابق، هناك اعتراض آخر. إضافة أو زيادة كلمة إسلامي في سياق الحديث عن تخصص أو علم، لا تقلب التخصص أو العلم إلى علم آخر موجود من قبل، وله اسمه المعروف به، بل تعني أن ذلك التخصص أو العلم المعهود في الذهن موصوف بأنه إسلامي، فمثلا، قولنا طب إسلامي يعني أن الطب بالمفهوم الذي نعرفه أو تعهده أذهاننا (وهو باختصار علاج الجسم والنفس، انظر مثلا لسان العرب)، لكن بمنهج أو طريقة علاج مصدرها الوحي وليس الكون، ولا يصلح بتاتا أن نبدأ بتعريف الطب الإسلامي بوضع تعريف وفهم آخر لما تدل عليه كلمة طب. ومن ثم لا يستسيغ أن يؤلف فقيه كتابا باسم الطب الإسلامي، ويكون تركيز الكتاب على الأحكام الشرعية، مثلا لحالات المرض أو التبرع بالأعضاء ونحو ذلك. وبالمثل، إذا جاءت عبارة اقتصاد إسلامي في سياق الحديث عن علم أو تخصص، فالمفروض أن يكون المعنى علما معهودا بالذهن موصوفا بأنه إسلامي. ومن ثم ينبغي أن يكون هذا العلم تحت هذا الاسم مفسرا لسلوك الناس الاقتصادي تفسيرا مصدره الوحي، وليس عن أحكام السلوك الاقتصادي. الخلاصة، أن عبارة اقتصاد إسلامي مطاطة في معناها. فهناك فقهاء وهناك من لديهم ثقافة إسلامية ممن لا يعدون متخصصين في علوم الاقتصاد، لكنهم يكتبون تحت العبارة. ومن ثم يقع كثير من القراء تحت أوهام وتضليل المسميات. وبالله التوفيق.
إنشرها