FINANCIAL TIMES

الشعلات اللامعة في «جنرال إلكتريك» تمسك بزمام الأمور

الشعلات اللامعة في «جنرال إلكتريك» تمسك بزمام الأمور

يقول المحاضر: قيل لي شيئان عن هذه المجموعة'': الشيء الأول، هذه جنرال إلكتريك– لا تكن مملاً؛ والثاني – يرجى عدم اللمس''. سرت ضحكات خافتة تشير إلى إدراك الحاضرين، وهم 60 مديراً من ''جنرال إلكتريك''، أن هذا كلام صحيح وينطبق عليهم. والواقع أنه يحق لهم أن يكونوا في مزاج جيد. فقد انتهوا لتوهم من تناول وجبة غداء لذيذة في الخارج. وكانت الشمس مشرقة. وكان نهر هَدْسون يلمع في بطن الوادي. وكان المتحدث لافتاً للنظر وخفيف الظل. أخيراً، يعتبر وجودهم في مركز كروتونفيل، الذي يقع على بعد 45 دقيقة بالقطار إلى الشمال من مانهاتن في نيويورك، لحضور دورة في مقر تابع للشركة، يعتبر علامة على أنهم في سبيلهم إلى الترقي في سلم واحدة من أكبر وأشهر الشركات في العالم. والواقع أن مركز كروتونفيل (الاسم الرسمي للموقع هو مركز جون ويلتش لتطوير القيادة، الذي سمي تكريماً للرئيس السابق لشركة جنرال إلكتريك، الذي كان شخصية بارزة ومعروفة، لكن ليس هناك شخص يستخدم هذا الاسم في الحديث عن المركز) يقع في قلب ما يمكن أن يكون أهم خط إنتاج للشركة، وأعني به خط إنتاج الزعماء. بطبيعة الحال لا يمكن إلا لشخص واحد أن يتولى منصب الرئيس التنفيذي، لكن رغم أن نسبة الاستنزاف بين أعلى 650 مديراً في الشركة هي نسبة متدنية، وتقع دون 3 في المائة سنوياً، إلا أن ''الخريجين'' من ''جنرال إلكتريك'' تجدهم يظهرون أمامك في الأجنحة التنفيذية في مختلف أنحاء عالم الشركات. على سبيل المثال، منهم الأشخاص الذين يشغلون منصب الرئيس التنفيذي حالياً في كل من شركة إيه بي بي وشركة هانِويل وشركة بوينج. وهناك احتمال كبير بأن هؤلاء الأشخاص حضروا دورة في كروتونفيل. لاحظ أن جيف إيميلت، الذي أكمل لتوه الذكرى العاشرة في منصب الرئيس التنفيذي، تلقى التدريب في مكان يطلَق عليه اسم ''الحفرة''، وهم الاسم الذي يتندر به الموظفون حول قاعة المحاضرات الرئيسة في موقع الشركة في نيويورك، وكان تدريبه على يد سلفه ويلتش، الذي حضر بنفسه في الستينيات دورة مدتها أسبوع حول التسويق، حين كان مديراً شاباً. قبل 50 سنة كان التدريب قائماً على ''الكتب الزرقاء''، التي أعدها رئيس مجلس الإدارة في ذلك الحين رالف كورْدِنَر – والتي كانت عبارة عن مجموعة من التعليمات المضنية حول كيفية الإدارة. يقول بيتر كافانا، مدير العمليات في المركز: ''كان الأمر يدور حول أوامر ينبغي تطبيقها. أما الآن فإن الأمر يتعلق بالتأمل''. لكن مركز كروتونفيل ليس خلوة أو ملاذاً للكهنة والنساك، الذين يتعلقون بصورة شاذة بقيم أشخاص من قبيل كورْدِنَر أو ويلتش. سوزان بيترز، كبيرة المسؤولين عن التعليم المشتعلة حماساً، تتحدى المشاركين على النحو التالي: ''هل يستخدم الواحد منكم الهاتف الخليوي نفسه الذي كان معه منذ خمس سنوات؟ الجواب هو لا، لأن الإمكانيات تتغير وتوقعاتكم تتغير – وينطبق الأمر نفسه على الزعامة''. قضت ''جنرال إلكتريك'' مدة عامين وهي تعيد التفكير في البنية التحتية المادية للموقع، وفي المواد التي تُدَرَّس لزعماء المستقبل والكيفية التي يتم تدريسها بها. وعلى الأرجح سيأتي هؤلاء الزعماء، أكثر من أية فترة سابقة على الإطلاق، من أسواق خارج الولايات المتحدة، بما ينسجم مع انتقال مجالات التركيز في عمليات الشركة. في هذه الأثناء يتعين على ''جنرال إلكتريك'' أن تتوصل إلى طريقة للاستفادة من طاقة قوتها العاملة الدولية وتشحذ خبرتها، وفي الوقت نفسه تعمل على غرس الثقافة والأهداف المشتركة. الشمول الذي تنطوي عليه عملية إعادة تفكير الشركة في تطوير زعامتها من شأنه أن يسبب الإحراج والعار لدى كثير من كليات إدارة الأعمال. في ربيع عام 2009، دعت الشركة مفكرين في مجال الإدارة – من العقيد توماس كولديتز، الأستاذ في الأكاديمية العسكرية الأكاديمية في وِست بوينت، إلى هيرمينيا إبارا، الأستاذة في كلية إنسياد لإدارة الأعمال، لتناول العشاء مع مسؤولي ''جنرال إلكتريك''، بهدف مناقشة مستقبل الزعامة. في ذلك الشهر (أيلول – سبتمبر) انتشر 35 مسؤولاً من كبار المسؤولين في ''جنرال إلكتريك'' حول العالم بهدف تجميع وجهات النظر حول الكيفية التي تقوم بها الجهات الأخرى في سبيل تطوير وإعداد زعمائها. وقد زاروا نحو 100 منظمة، بما في ذلك الكلية المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وشركة تويوتا، وشركة إمبراير (البرازيلية لصناعة الطائرات)، وفريق بوسطن سيلْتِكْس لكرة السلة. وعلى ما أساس ما تعلَّمَتْه، أعادت ''جنرال إلكتريك'' صياغة ''قيم النمو'' لديها – أي التركيز الخارجي، والتفكير الواضح، والخيال، والشجاعة، والشمول، والخبرة. وأعاد إيميلت إطلاقها في اجتماع ضم أعلى 650 تنفيذياً في ولاية فلوريدا في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، وبالتالي تحديث المنهج وفقاً لذلك. على سبيل المثال، الزعماء ''الذي يركزون على الخارج'' يتم تدريبهم الآن ليس فقط للبحث عن علاقات الزبائن وإنما لتحليل الاتجاهات العامة العالمية والعثور على الفرص. تقدم ''جنرال إلكتريك'' نوعين عامين من التدريب: ''البرامج''، التي تمزج بين تدوير الوظائف والفصول؛ والنوع التقليدي المعتاد الذي يقوم على دورات للزعامة تقدم في مركز تابع للشركة وتدوم من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع. ويهدف التدريب إلى ضمان أن تستطيع هيئة الموظفين تطبيق ما تعلموه في قاعة المحاضرات حين يعودون إلى المكتب أو المعمل. بيتر لورانج، الرئيس السابق لكلية آي إم دي لإدارة الأعمال في سويسرا، والذي يرأس الآن مؤسسته الخاصة باسم معهد لورانج للأعمال، معجب بمنهج ''جنرال إلكتريك''، رغم أنه يقول إن بعض الشركات – خصوصاً ''نستله'' – تمضي حتى أبعد من ذلك. ويقول: ''من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى تقوية الرابطة بين التعلم أثناء العمل والتعلم في الكلية''. وبما ينسجم مع هذا الاتجاه العام بعيداً عن إنشاء ''جامعة تابعة للشركة'' بصورة فعلية، طورت ''جنرال إلكتريك'' المزيد من التدريب ليؤخَذ إلى مراكز الأبحاث التابعة لها حول العالم. ومن بين الموظفين البالغ عددهم 25 ألف موظف من الذين تلقوا الدراسة في فصول ''كروتونفيل'' في السنة الماضية، هناك 15 ألف موظف منهم لم يزوروا قط المقر الفعلي للبرنامج. والتحدي هو ضمان أن يتم تعليم المنهج بصورة متناسقة – وأن يظل على علاقة وثيقة بأعمال كبار المديرين. ومن المرجح أن يكون حوالي نصف كبار الموظفين (البالغ عددهم خمسة آلاف مدير) من غير الأمريكيين بحلول عام 2021، في مقابل 35 في المائة في الوقت الحاضر، و17 في المائة قبل عشر سنوات. تتمتع جميع المقررات ''بلمسة كروتونفيل''، سواء أعطيت في بانجالور (الهند) أو شنغهاي (الصين)، أو في ريو دي جانيرو (البرازيل) عندما يحين الوقت المناسب، حيث يتم في الوقت الحاضر إنشاء مركز جديد للأبحاث تابع لشركة جنرال إلكتريك. كذلك تسعى الشركة إلى تعويض الاختلافات الوطنية التي يمكن أن تعيق التدريب. على سبيل المثال، بعد أن لاحظت الشركة أن المديرين الأمريكيين كانوا ماهرين في الحديث، وإن لم يكونوا بالمهارة نفسها في الإنصات للآخرين، تقول بيترز إن شركة جنرال إلكتريك ''تعطي الآن دروساً في الإنصات'': هذا أمر يجب علينا فعلاً أن نعمل عليه، في سبيل تسوية مجال اللعب بين زعمائنا الأمريكيين وزعمائنا غير الأمريكيين''. هناك معارضة في الشركة للفكرة القائلة إنها تستخدم ''قَطَّاعة حلويات'' لإنتاج زعماء أمريكيين أو متأمركين على نحو يوحي باتباع آخر ثلاثة رؤساء تنفيذيين، وهو ريج جونز (المولود في الواقع في بريطانيا)، وويلتش وإيميلت. المديرون المغتربون في ''جنرال إلكتريك'' في أسواق من قبيل الهند والصين يفترض فيهم أن يبحثوا عن خلفائهم في السوق المحلية. والمنهج هو دلالة على هذه الفكرة: إذ يعمل المدربون المحليون على تكييف الدورات بحسب الحساسيات المحلية، وفي الوقت نفسه يتم تشجيع المديرين في الفصول على التقدم بمنظورهم الإقليمي. تقيم بيترز موازاة بهذا الخصوص مع جهاز المسح بالأمواج فوق الصوتية، وهو جهاز يدوي من إنتاج ''جنرال إلكتريك''. فقد تم تطوير هذا الجهاز في الصين لاستخدامه هناك. لكن يتم تسويقه الآن في الولايات المتحدة. الرسالة تبدو واضحة: ربما لا يستطيع رالف كورْدِنَر أن يتعرف على مركز كروتونفيل الحديث. لكن تماماً مثلما أن الابتكارات الجديدة تظهر الآن مما كان يعتبر في السابق الجانب الطرفي لإمبراطورية ''جنرال إلكتريك''، كذلك تعمل ''جنرال إلكتريك'' الآن على استجلاب كفاءات خارجية في برامجها التدريبية حول الزعامة – وبصورة متزايدة الزعماء أنفسهم – من مناطق بعيدة إلى حد كبير عن وادي هَدْسون.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES