FINANCIAL TIMES

استشراف مستقبل دول بريكس بعد 10 أعوام

استشراف مستقبل دول بريكس بعد 10 أعوام

من الصعب أن نفصل نهضة اقتصادات بلدان بريكس عن اسم جيم أونيل. يعود إلى كبير الاقتصاديين سابقاً في بنك جولدمان ساكس الفضل لابتكاره الاسم المختصر الذي يضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين (وتضم إليها جنوب إفريقيا أحياناً) قبل عشر سنوات مضت، ولتوقعه نموها المذهل، ولزيادة أهميتها في أذهان المستثمرين، والعالم بشكل عام. دون وجود التسمية، كانت بلدان بريكس ستنهض في كافة الأحوال، على الرغم من أن الأمر ربما كان سيستغرق فترة أطول بالنسبة إليها لترسيخ مؤهلاتها بين مديري الصناديق. ينكر أونيل أن اختراعه كان بمثابة حبكة تسويق. ولكنه كان يمثل دون أدنى شك نجاحاً تسويقياً، وأنتج ابتكار صناديق الاستثمار في بلدان بريكس فقط. نجح الأمر تماماً إلى درجة أن أونيل الذي يرأس الآن ذراع إدارة الأصول في بنك جولدمان، يصارع من أجل تطوير طرق جديدة لتسمية ما يطلق معظم الناس عليه لغاية الآن الأسواق الناشئة. ولا يحب هو شخصياً هذه العبارة، حيث إنها تقلل من شأن الدور الاقتصادي لهذه البلدان. فكيف يمكن أن تكون الصين لغاية الآن سوقاً ناشئة، يسأل أونيل، في الوقت الذي تظهر فيه فعلياً بشكل مهيمن بين صانعي السياسة، والتنفيذيين، ومسؤولي الاستثمارات. أحدث تسمية ابتكرها أونيل هي ''أسواق النمو''، وتغطي، ليس رباعية بلدان بريكس فحسب، وإنما كذلك الأسواق الناشئة الأخرى (التي تسمى أحياناً بلدان التخوم Frontier)، التي تشمل إندونيسيا، المكسيك، وتركيا. ولكن ليس لهذه التسمية الرنين ذاته الذي تتمتع به تسمية بريكس، وتفتقر إلى الدقة كذلك. يتأمل أونيل في كل هذا في كتابه: ''خريطة النمو: الفرصة الاقتصادية في بلدان بريك وخارجها''. ويبدو إلى حد ما وكأنه تجميع غير منتهٍ لأفكار مخترع كلمة بريكس، والذي تم وصفه على الغلاف الأمامي بأنه ''نجم الروك في جولدمان ساكس''. يحدد الاسم لهجة الكتاب – يبدو وكأنه مقطوعة موسيقية شغوفة حول الموضوع، وليس سيمفونية مؤلفة بشكل مثالي. ومن الواضح أنه كتب على عجل – مع توفير الكثير من الإشارات المرجعية إلى أحداث حصلت في منتصف 2011 – وبالتالي، فإنه بارع فيما يتعلق بالتواريخ، ولكنه يعاني من بعض التحرير المتعجل. يبدو حماس أونيل إزاء قصة بريكس متميزاً. ونقرأ كيف أن اقتصادات بريكس أبلت بشكل أحسن مما توقع في 2001، الأمر الذي شجعه على توقعات مندفعة بالمثل بالنسبة إلى الأعوام العشرة إلى الأربعين المقبلة. ويقول إن البرازيل كانت مراهنته الأكبر قبل عشر سنوات، بالنظر إلى الشكوك التي كانت منتشرة في ذلك الحين إزاء استقرار البلد. ويعتبر اقتصادها الآن أكبر من اقتصاد إيطاليا. العنصر المذهل في توقعات يومنا هذا هو تفاؤله إزاء روسيا، حيث يتوقع أنها على الرغم من سكانها المتقدمين في السن، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يمكن أن يتفوق على نظيره الفرنسي والبريطاني، وفي نهاية المطاف، الألماني بحلول 2030. ويعتقد أن روسيا يمكنها أن تحقق هذا الأمر بالتنويع بعيداً عن الاعتماد على الموارد الطبيعية، والانتقال إلى الاعتماد على التصنيع، بما في ذلك من أجل التصدير. ويمثل هذا، بطبيعة الحال، حلم الليبراليين الاقتصاديين في روسيا. وتكمن المشكلة في القوة الاجتياحية للمجموعات الضاغطة المحافظة في مجال الطاقة. لا يخصص أونيل الكثير من الوقت للانتقادات الغربية للسلطة الاستبدادية الروسية، أو حكم الحزب الواحد في الصين. ويستشهد بكلام رجل أعمال أمريكي يردد جملة أوردها شخص صيني، حيث قال: ''ما هو الأمر المهم للغاية بشأن التصويت؟ في الولايات المتحدة، بإمكان الجميع ممارسة هذا الحق، ولكن نصفهم فقط يمارس التصويت فعلياً. ولو كان التصويت أمراً في غاية الأهمية، فإن الجميع سوف ينفذه''. هذه النقطة في غاية الأهمية، ولا ينبغي تغطيتها ببضع حكايات فقط. وعلى الأرجح ألا يكون كتاب حول بلدان بريك المكان المناسب للوم الصين أو روسيا، بشأن انتهاكها الواضح لحقوق الإنسان. ولكن كان بإمكان أونيل أن يعالج العلاقات بين المستويات المعيشية المرتفعة، والديمقراطية. وتظهر دراسات أجرتها مجموعة الأبحاث الأمريكية، بوليتي، أنه في الوقت الذي يرتفع فيه الناتج المحلي الإجمالي للفرد، تتحرك الدول باتجاه الديمقراطية. وهناك عدد قليل من البلدان التي يبلغ دخل الفرد فيها أكثر من 10 آلاف دولار سنوياً، يستمر في البقاء كبلد استبدادي، عدا استثناءات لظروف تاريخية ما. تعتبر روسيا التي يبلغ دخل الفرد فيها أكثر من 15 ألف دولار على أساس تعادل القوة الشرائية، من هذه البلدان. وتقترب الصين، حيث يبلغ دخل الفرد من نحو 7,500 دولار، وينمو سريعا من مستوى الدخل الذي يبدأ عنده التغيير الديمقراطي في الغالب. وهنالك حجج قوية تدعم احتمال بقاء هذين البلدين استثناء دائماً عن الحكم الديمقراطي. ويستحق الأمر معرفة بماذا يفكر أونيل بشأن هذا الجدل. يبدو أن أونيل يعتمد على أساس أقوى فيما يتعلق بالاقتصاد والاستثمارات. وعلى الرغم من أنه كان بالإمكان تنظيم حكايات الإنفاق الاستهلاكي المتزايد على نحو أفضل، إلا أنها ترسم قصة مقنعة حول توفر الفرص الهائلة. ويبدو أونيل محقاً في أن ينسب الفضل إلى الشركات الغربية البارزة متعددة الجنسيات، شركات صناعة السيارات على وجه الخصوص، لاكتشافها الفرصة في وقت مبكر. إن مناقشة سياسة صرف العملة الأجنبية مقنعة تحديداً. ولدى دراسة خيارات بكين في إدارة سعر الصرف، فإنه يقول إن المسؤولين يتمنون على الأرجح إبقاء السيطرة على الرينمينبي، حتى في الوقت الذي يزداد فيه دورها الدولي. وهو ليس ''مقتنعاً تماماً بأن صانعي السياسة الصينيين سوف يسمحون للعملة بأن تكون بسيولة وتداول الدولار''. هذا كتاب يثير الشهية، ولكنه لا يلبي رغبة القراء. ولذلك فإنه لا يسبب الضرر. اسم الكتاب: ''خريطة النمو.. الفرصة الاقتصادية في بلدان بريكس وخارجها''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES