FINANCIAL TIMES

أعجوبة دول بريكس: تضارب الأهداف الاقتصادية مع السياسية

أعجوبة دول بريكس: تضارب الأهداف الاقتصادية مع السياسية

أولا، دول بريكس ليست كلها متشابهة. إن ما يوحدها هو معدلات النمو الاقتصادي المذهلة، لكنها تنقسم من حيث السياسة: هناك نظامان استبداديان إلى جانب نظامين ديمقراطيين. مع ذلك، تبدو بكين وموسكو حليفتين غير مرتاحتين. ومن الأسهل تحديد نقاط التوتر (انظر إلى تفريغ روسيا للشرق الغني بالموارد) من فرص المصالح الاستراتيجية. هذه المجموعة الموحدة من قبل مجموعة من المؤشرات الاقتصادية تستبعد لاعبين مهمين آخرين. ماذا عن إندونيسيا والمكسيك، أو مثلا الأرجنتين وفيتنام؟ صحيح أن دول بريكس تعقد أحيانا اجتماعات، إلا أن غياب القارة الإفريقية بأكملها من التركيبة الأصلية أجبرها على منح جنوب إفريقيا مقعداً على الطاولة. العلاقة بين الأهمية الاقتصادية والثقل السياسي ليست دائما متناظرة. فأي شخص يتابع أمور الشرق الأوسط مثلا سيلاحظ صعود تركيا كقوة إقليمية محورية. ويعكس هذا جزئيا اقتصادها الحيوي، إلا أن مجال تركيا الحقيقي هو كونها أنموذجاً سياسياً يُحتذى به في العالم العربي. كان إدراج روسيا في المجموعة أمرا شاذا دائما، فالنفط والغاز ينتجان معدلات نمو أساسية جيدة. وفي جميع المقاييس الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، تعتبر روسيا قوة تمر في حالة تراجع بعد نحو 100 سنة من كونها من الدول الكبرى. لقد كان الوضع مواتيا لدول بريكس. جلبت هذه الفكرة الثروة والشهرة لمؤلفها جيم أونيل في بنك غولدمان ساكس (يستحقها بالفعل). ولكنها تتحدى تعقيدات تحولات السلطة والمصالح في النظام الدولي. تجميع الصين والهند، والبرازيل وروسيا، هو تعزيز للرواية القائلة إن أفضل تعريف للنظام العالمي الجديد هو تصويره على شكل سباق بين الغرب وبقية العالم. لقد تم تذكيري بهذا في مؤتمر عقد في الفترة الأخيرة في ستوكهولم تحت رعاية صندوق مارشال الألماني. جمع هذا المؤتمر شريحة من النخبة الهندية مع نظرائها من الولايات المتحدة وأوروبا. لكن العلاقة التي أراد الهنود التحدث عنها – والتي تقلقهم - هي العلاقة مع الصين. الهند تعتبر الصين خطرا ماثلا على الدوام. ويواجه مئات الآلاف من الجنود بعضهم بعضاً كل يوم عبر الحدود الشاسعة المتنازع عليها. وقد سمعت أحد صناع السياسة الهنود يقول إن أي استفزاز غير متوقع أو سوء تقدير قد يؤدي بسهولة إلى الحرب. أشار آخرون إلى أن بكين تغذي علاقة وثيقة مع باكستان من أجل احتواء الهند. ولا ينبغي أن تؤدي وتيرة التكامل الاقتصادي السريعة بين الهند والصين إلى تضليل الغربيين، فقد تبين أن المصالح الاقتصادية المشتركة هي مجرد وسيلة وقائية موثوقة ضد النزاع - خذ مثلاً حالة ألمانيا وبريطانيا في 1914. ولا شك أن بكين ستقدم وجهة نظر مختلفة، إلا أن الأفعال الجيدة والسيئة هي خارج الموضوع. والرسالة المهمة هي أن حركيات النظام العالمي الجديد مدفوعة بالتنافس بين القوى الصاعدة، بقدر ما هي مدفوعة بمدى توافقها مع الغرب. كان القرار الاستراتيجي المهم للهند في السنوات الأخيرة هو التقارب مع واشنطن. وتدعم الولايات المتحدة محاولتها للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتعارض الصين ذلك. البرازيل محظوظة لأن ليس لديها أعداء خطرون. وتندرج طموحاتها الدولية فيما يصفه صناع السياسة بفئة القوة الناعمة، فالبرازيل، الفخورة بنظامها الديمقراطي، تريد إقامة الصداقات والتأثير على الناس. ويفتخر أنطونيو باتريوتا، وزير الخارجية الشاب الذكي، بأن لدى البرازيل الآن سفارات في إفريقيا أكثر من سفارات بريطانيا في إفريقيا. يكتشف المجتمع الأطلسي المتصدع قريبا أن لديه منافساً نشطاً في الجنوب. وفي أماكن أخرى، تعاونت برازيليا مع أنقرة في محاولة للتوسط في الأزمة بشأن طموحات إيران النووية. كل هذا يجعل البرازيل تشعر بالغثيان من التصور بأنها تتودد إلى الصين وروسيا. ولا شك أن هناك أعمالاً جدية ينبغي فعلها مع بكين - فالصين هي محرك النمو الاقتصادي للبرازيل، إلا أن البرازيل أكثر سعادة في صحبة الهند وجنوب إفريقيا. لقد صاغت هذه الديمقراطيات الثلاث الصاعدة مختصرا خاصا بها- هو إبسا IBSA. زيارة الرئيس باراك أوباما في الفترة الأخيرة إلى منطقة جنوب المحيط الهادي (التي تشتمل على أستراليا ونيوزيلندا) تشير إلى نفس القصة من التعقيد الجغرافي السياسي. قد تكون الدول الصاعدة في المنطقة متحدة في تحدي الهيمنة الاقتصادية للغرب، إلا أن فيتنام وإندونيسيا وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية تتطلع إلى الولايات المتحدة لكبح جماح الصين. وهناك الكثير من ''الشد'' الآسيوي وكذلك ''الجذب'' الأمريكي في رغبة أوباما بالتأكيد على قوة أمريكا في المحيط الهادئ. هناك خيط واحد يجمع دول بريكس، فهي جميعها عدائية لفكرة التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. وكذلك أيضا معظم القوى الصاعدة الأخرى. ومع اضطراب النظام العالمي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، ليس هناك حماس كبير خارج بلدان الغرب لنظام جديد للحكم العالمي. ولكن حتى هنا، المواقف مختلفة قليلا. تركيا أقرب للغرب منها إلى الصين أو روسيا في السعي لفرض عقوبات دولية على سورية. والصورة التي تظهر هي صورة تحالفات وخصومات تتجاوز حدود الشمال والجنوب، والشرق والغرب، إذ تريد الدول الصاعدة فعل بعض الأشياء معا وبعض الأشياء مع الغرب. وهكذا فإن الشكل الهندسي يتحدد بالقيم بقدر ما يتم تحديده بالأداء الاقتصادي. من جانبها، تخصص الولايات المتحدة بالفعل طاقة أكبر لرعاية قوى جديدة أكثر مما تخصصه للاهتمام بتحالفاتها القديمة مع أوروبا. هناك الكثير من الاضطرابات في الأفق قبل أن يستقر المشهد الجغرافي السياسي في العالم. ولكني لا أرى متسعا فيه لدول بريكس (باعتبارها كتلة لغياب التجانس، إن لم نقل تضارب الأهداف الاقتصادية مع الأفاق السياسية).
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES