Author

هل ينتصر «العقل الباطن»؟

|
يقول أحد الفلاسفة إن "حياتنا هي من صُنع أفكارنا"، ويعني بذلك العقل الباطن أو اللاواعي الذي يعد أثمن خزانة فاخرة نمتلكها من المعلومات والمشاعر والرغبات والمحفزات التي تبعث إما على الإبداع والتجديد والتميز لأي إنسان يريد تحقيق النجاح، وإما على الفشل لمن يستسلم له، وأعتقد أن الحكام وقضاة ملاعبنا من أبرز الشرائح والفئات المستهدفة التي يهمها بالتأكيد تطويع "العقل الباطن" في مسيرتها التحكيمية إيجاباً لا سلباً، ونجاحاً لا إخفاقاً. أسوق هذه المقدمة بعد أن لفت نظري تصريح الأمير عبد الرحمن بن مساعد رئيس نادي الهلال عندما تخوف بشكل مبالغ فيه من تبعات إسناد مباراة الديربي غدا الخميس بين النصر والهلال للحكم الدولي خليل جلال.. هذا الانزعاج غير المبرر اتجه نحو تشخيص مشكلة الحكم السعودي في مباريات الديربي الكبيرة التي تكمن وفق رؤية رئيس الهلال في "العقل الباطن المبالغ في الحرص على عدم الوقوع في الخطأ، فهذا ينتج عنه قرارات قد تكون حاسمة يجب أن يتخذها ولا يتخذها، والعكس صحيح، ويكون أحياناً في العقل الباطن للحكم مبدأ التعويض موجودا...". الجديد في استخدام رئيس الهلال لهذا التكتيك النفسي هو استعانته بمحور آخر مؤثر من أبرز محاور علم النفس والمتمثل في العقل الباطن الذي أصبح بناءً على الرؤية الهلالية يتحكم في الحكم السعودي، ويسيّر قراراته نحو التخبط في إدارة المباريات، وبالتالي وقوع الضرر، وفي رأيي، أن في هذا التصريح مبالغة واضحة لا تستند إلى منطق، ولا سيما أن هناك أموراً عدة تدعم الاتجاه المعاكس لهذا التهويل، فالهلاليون هم أبرز المنتقدين لمَن يجعل التحكيم شماعة مؤثرة في انتصار فريق على آخر، والمباراة ليست بالمصيرية التي تحدد مسيرة الناديين، والنظام يسير في مصلحة النصر الذي له كامل الحرية في الاستعانة بالحكم الأجنبي من عدمها. وأتذكر في هذا الصدد مقولة "لا نريد أنطونيو وعبد العال" للأمير الراحل عبد الرحمن بن سعود، رحمه الله، عندما سُئل عن آلية اختيار الحكم الأجنبي، فهو يطالب بالمميّز صاحب السيرة الحافلة، ولا يريد حكماً أجنبياً دون تاريخ يشفع له، كما يفعل اتحاد الكرة في الآونة الأخيرة، وهذه الرؤية تتطابق تماماً كذلك مع ما رآه الأمير فيصل بن تركي رئيس النصر الذي تبنى هذا الفكر، كما أن مؤشرات التحكيم منذ بداية الموسم تبشر بالخير، ولا أظن أن هناك أخطاء كارثية تسوغ الدخول في تفاصيل عقول حكامنا الباطنة! لكن المهم في هذا السياق، ماذا عن الانعكاسات السلبية التي قد يكرّسها مثل هذا التصريح وما تلاه من ردود نصراوية وإثارة صحافية: هل سيؤثر ذلك في قرارات الحكم خليل جلال في هذا الديربي فيصبح عقله الباطن في حيرة من أمره؟ وبالتالي تعود لجنة الحكام للمربع الأول حيث الهجوم العلني والتجريح من قبل رؤساء الأندية وإدارييها؟ أليس من واجب رؤساء الأندية دعم حكامنا المحليين في مرحلة بناء الثقة المتدرجة التي وضعت لجنة الحكام أساسها هذا الموسم، تمهيداً للوصول إلى قمتها؟ وعلى عاتق مَن تقع مهمة تحصين الحكام من هذه التكتيكات النفسية؟ ولماذا لا تدرج لجنة الانضباط مادة في لوائحها تحظر فيها أي محاولة من شأنها أن تؤثر في أداء الحكم؟ أجزم أن عقل خليل جلال الباطن قاده لنهائيات كأس العالم 2010 التي أقيمت في جنوب إفريقيا، وهو أغلى طموح يصل إليه قضاة الملاعب، ولا أشك لحظة واحدة في أن حكمنا الدولي سيكون عاجزاً عن إدارة مباراة محلية كهذه، بل ستكون مفتاحاً لتألقه وانتصاره، وتحدياً مهماً لرد اعتبار وهيبة التحكيم السعودي في معركة العقل الباطن!
إنشرها