Author

حيُّ الرويس في جدة.. ما هي الحقيقة؟

|
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 415 . *** * حافز الجمعة: هل أسميه حافزا، أم ناخزا؟! "ستالين" الروسي أول اعتلائه الرئاسة كرئيس للحزب الشيوعي السوفياتي قال: "أعدكم، كل قطرة دم من روسي تعني لي الدنيا، موتُ رجل واحد مأساة". بعد 30 عاما، التقى بالبريطاني "تشرشل" بمؤتمر "بوستدام"، وسُئل ستالين عن 40 مليونا قتلوا وسجنوا ورحلوا واختفوا، وكيف أنه قال موت رجل واحد مأساة.. فرد ببرود: "نعم، موت رجل واحد مأساة، موت الملايين مجرد.. إحصاء!". *** * انحدار الذوق المعرفي عند الأطفال والمراهقين بما تقدمه برامج التلفزيون ومجلات الأطفال من مادة لا نفع علمي ولا تربوي بها، فالجيل الذي نشأ على "افتح يا سمسم العربية" كان جيلا أنضج حتى بلغته. كنا صغارا وأخذنا أبي برحلة صيفية لتونس، وصادفنا صغارا بأعمارنا ولم نعرف تبادل الحديث معهم، ثم خاطبونا بالعربية الفصحى التي تعلموها من افتح يا سمسم، وطبعا هي لغة مألوفة لنا، وكان الحديث كما أذكر سهلاً ورهواً وعاديا، وضحكنا وتشاقينا كما يفعل كل الصغار.. بالفصحى! *** * وتطالع اليوم مجلات وتصاوير الأفلام في العالم وستعرف بالحال أن الأجيال الطالعة في الدنيا لن تكون بخير، أو هذا ما سيحصل إلا إن تم تدارك الأمر. لم أستطع التفكير أن تدارك الأمر هذه المرة سيكون من معقل يعتبر مُفسدا ومروِّجا للتسطيح المُتَعَي وأقصد استوديوهات هوليوود. رسام عظيم عاش شهيرا بثلاثينيات وأربعينيات القرن الفائت، البلجيكي "هيرجيه"، كان رساما معرفيا موسوعيا، اخترع شخصية سماها "تن تن"، شاب صحافي يحب التحرّي وكشْف القضايا الغامضة، ويجول العالمَ من أجل ذلك. واللافت ليست شخصية "تن تن"، بل في طفولتي حفظت معمار الهند والصين وعرفت المعمار في الأزتيك والمايا بأمريكا الجنوبية وعرفت أكواخ الرعاة باسكوتلندا وأزياءهم ومعتقداتهم من رسومات "هيرجيه" الذي كان مولعا برسم التفصيلات الحضرية والمعمارية والعقائدية لكل بلد يزوره "تن تن"، الذي لم تعرفه الأجيال الجديدة فخسرت منهلا علميا، أعاد إشراقه المخرجُ العالمي "ستيفين سبلبرج" بفيلم عنوانه "مغامرات تن تن". "إنها تحيةُ عرفانٍ لمعلمي الكبير هيرجيه".. كان أول تصريح من "سبلبرج" للعالم! *** * وتأتيني هذه الرسالة من سكان حي الرويس في جدة تمثلهم "أشواق.ع. ن" تقول: "هناك مشروع سموه: "مشروع تطوير الرويس" هو مشروع يهدف لجعل حي الرويس حيا لمساهمات لشركاتٍ ومؤسسات، لأنهم رأوا تميّز هذا الحي وموقعه الرائع، و(بصراحة!) استخسروا أن نكون نحن الناس العاديين نسكن فيه فرأوا أن الأفضل إخراجنا من حيّنا الذي عشنا به كل حياتنا، وأن يستولوا على الحي من أجلهم - أي هوامير العقار، فعمدوا إلى تخيير أهالي الحي من السكان إما أن يكونوا ضمن المساهمين في هذه الشركات، أو يتم تقدير البيت بثمن معين ويأخذ صاحب السكن التعويض من غير اعتراض على الوضع ولا اعتراض على المبلغ. والذي لا يريد لا هذا ولا ذاك، فعليه أن يخرج بالقوة أراد أم لم يرد. نشتكي لمن؟ لا يمكن أن نصدق أن يكون خصمنا هو الحكم. أترك الرسالة بين يديك لتتولى مسؤوليتك". *** * الرسالة السابقة وضعتُها كما وصلتني، وصححت باللغة بدون التأثير على المعنى. ولو كانت الرسالة تصف حقيقة دقيقة وواقعية، فهذا تعدٍّ فاضح لا ترضاه قوانين ولا شريعةٌ ولا ضمائر ولا منطقٌ عدلي. ولعل بالمسألة خفايا لا نعلمها، ويبقى تعجبي ساريا لأن هذا اعتقاد السكان، وهنا مربط الفرس.. ما دام السكان بالحي يرون أن ما يقع عليهم ظلما بل سلبا صريحا حتى ولو بالمال دون سبب ضروري لا بديل غيره.. فهنا يعني، وفي أفضل ما أحب أن أتصوره، أن هناك خللا في الشرح أو التواصل. ولو فرضنا أن هناك سببا صريحا ومقبولا منطقا وقانونا وتخطيطا فيجب عدم التعامل قسريا مع الأهالي وإنما الاجتماع بهم وتقديرهم وشرح الوضع أمامهم وتبادل الرأيَ معهم، وعرض البدائل أمامهم، وطرح الأسباب صريحة على طاولة الاجتماع أمامهم. إني أتوقع توضيحا من المسؤولين عن المشروع لأنه إن لم يأتِ التوضيح فستبقى شكوى أهل الحي ممثلة برسالة أشواق.. هي العالقة بعقولنا وبقلوبنا، وسنكون معهم حتى يتضح العدلُ والحقُ والمنطق. *** * والمهم: بينما تنقص وتنقرض الوحوشُ المفترسة في الغابات البائدة، تتكاثر وتسمن الوحوش المفترسة في الحكومات المستبدة!
إنشرها