Author

فلكلور اقتصادي سوري

|
كاتب اقتصادي [email protected]
''كما يمكن من خلال الصوت معرفة إذا ما كانت السفينة متشققة أم لا. يمكن من الخطابات معرفة إذا ما كان قائلوها حكماء أم حمقى''. ديموستيني ـــ رجل دولة إغريقي لفتني تعليقان متناقضان لقارئين علقا على تصريحات لي لموقع ''العربية نت'' حول نية السلطة في سورية تحويل المعاملات التجارية من اليورو إلى الروبل الروسي، كـ ''عقاب'' أحمق من الأسد للاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات التي يفرضها عليه. الأول قال ''إن فكرة وليد المعلم وزير خارجية الأسد، بمحي أوروبا من الخارطة، يمكن أن تتحقق من خلال انفراط السبحة الأوروبية، الذي قد يؤدي إلى انهيار اليورو''، والثاني قال مستغرباً ''حتى الروس أنفسهم يستخدمون الدولار واليورو في تجارتهم، سنأتي نحن ونقبض روبل!''. الأول، اعتبر أن الخطوة السورية ستساعد في تحقيق ''فكرة'' المعلم! والثاني (رغم بساطة طرحه) استند إلى حقيقة اقتصادية لا تحتاج إلى إقتصاديين للكشف عنها أو إبرازها، وهي، كيف يمكن استبدال عملات قوية وثابتة ومضمونة، بعملة ضعيفة ومهزوزة؟! وإذا أردت أن أضيف شيئاً إلى ما قاله القارئ الثاني، أقول: إن الحماقة الاقتصادية هي مولودة طبيعية للحماقة السياسية عند السلطة السورية، يضاف إليها عامل رئيس آخر هو الفساد الاقتصادي بكل أنواعه (النهب المنظم والفوضوي في مقدمته) على مدى أكثر من أربعة عقود. وللإنصاف لم يتخذ الأسد الأب الذي ألغى الاقتصاد السوري بمفهومه العام، قرارات مماثلة بتغيير عملات المعاملات التجارية، على مدى ثلاثة عقود حكم فيها البلاد، على الرغم من أن سلطته كانت تخضع أيضاً لعقوبات دولية مختلفة، باعتبارها سلطة لا تملك شرعية، وحاضنة رئيسة للإرهاب. لكن الأمر ليس كذلك عند الأسد الابن، الذي يعبر عن غضبه بآليات تحاصره ومعه أعوانه، وتزيد هموم وخراب اقتصاد بات خاصاً أكثر من كونه وطنياً. لقد تحول استبدال العملات في المعاملات التجارية في عهد بشار الأسد إلى ''فلكلور اقتصادي'' يثير سخرية بلا حدود، مع اضطراب مهيمن في صنع القرار الاقتصادي. فقد سبق أن قرر وقف التعامل بالدولار الأمريكي كرد على العقوبات الأمريكية عليه، واستبدله باليورو، والآن يريد استبدال اليورو! ولا أدري إن صوتت روسيا (مثلاً) ضد الأسد في مجلس الأمن الدولي، هل سيقوم باستبدال الروبل الروسي بالريالات الثلاثة الفنزويلي واليمني والإيراني (أو أحدها) مثلاً؟! والحقيقة، أن هذه القرارات التي تتخذها السلطة في سورية، لا تخرج عن كونها ''فقاعات إعلامية''، تماماً مثل الفقاعات التي تُحدِثها قرارات الإصلاح السياسي في البلاد. والفقاعات الثقيلة تنفجر عادة فوق رأس مطلقها، وهذا ما حدث فعلاً، عندما قرر الأسد وقف التعامل بالدولار الأمريكي، وكذلك الأمر بالنسبة لليورو. وكنت قد قلت في تصريح سابق ''إذا كان الأسد يعتقد أنه بتحوله إلى الروبل سيؤذي أوروبا، فهذا يثبت مجدداً أنه يتصرف سياسياً واقتصادياً خارج الواقع تماماً''، فحجم التجارة السورية ليس كبيراً بما يكفي ليؤثر على عملة مثل اليورو. والناتج الحاصل من ''الفلكلور'' والفقاعة، ليس أقل من خسارة السوريين في عمليات تبديل العملات، وهو أمر يحاول أي تاجر تفاديه. وعندما أوقف الأسد التعامل بالدولار، وجد التجار السوريون طرقا التفافية على هذا القرار. وللتذكير فقط، فقد اعترف حاكم المصرف المركزي السوري أديب ميالة علانية، بأنه أخفق في تطبيق هذا القرار. والمتابع العادي يستطيع أن يصل إلى استنتاج واضح، بأن التحول إلى عملات غير مستقرة (والروبل في مقدمتها)، ليس سوى حركة اقتصادية صبيانية. والمثير للسخرية، أن هناك في سورية من طالب بالتحول إلى الروبية الهندية! وهذا يدفعني إلى أن أقترح على الأسد، أن يعتمد سلة عملات الدول التي تقف عثرة في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لحماية المدنيين السوريين من حرب الإبادة التي يشنها عليهم. ولأنني أعرف أنه مشغول بقيادة هذه الحرب، أسهل عليه الأمر، بأن يضع في هذه السلة عملات البرازيل والهند وروسيا والصين ولبنان وجنوب إفريقيا. ولمزيد من التنويع، أقترح أيضاً إضافة عملات إيران وفنزويلا واليمن والجزائر، مع مقاطعة عنيفة للدينار الليبي. ولأنه مشغول في حربه، ألفت انتباهه إلى أن حجم تداول الروبل الروسي اليومي في الأسواق العالمية، يقل عن 1 في المائة، ولأنه يهدد أيضاً باستخدام اليوان الصيني، أقول له: إن هذه العملة ليست قابلة للتحويل كلياً. إن السلطة في سورية أخذت شعبها واحتياجاته المعيشية كرهينة، وهي تحكم القبضة عليه من خلال قرارات اقتصادية مريعة، إلى جانب مدرعاتها وطائراتها وسفنها الحربية ودباباتها ومدفعيتها وشبيحتها. سأعتبر أن الأسد لا يعرف (وهو أمر مستحيل ليس من فرط الذكاء، ولكن من فرط نفي الحقيقة)، وأتبرع له بمعلومات ''سرية''. فسورية تحتاج سنوياً لاستيراد أكثر من مليوني طن من الذرة، و300 ألف طن من الأرز، و800 ألف طن من الشعير، وآلاف الأطنان من السكر، وعمليات الاستيراد هذه لا تتم إلا بعملات لها قيمتها ووزنها وحصانتها وفي مقدمتها الدولار الأمريكي واليورو. وللأسد أيضاً أقول: قبل هذا وذاك، تحتاج سورية إلى الحرية، تلك التي يسعى إلى جلبها شعب عن طريق ثورة استثنائية في التاريخ، ثورة سلمية شعبية عارمة.
إنشرها