Author

المضامين الاقتصادية لتحديد سقف للعمالة الأجنبية

|
كشفت وزارة العمل السعودية أخيرا عن خطة طويلة المدى، تهدف إلى تحديد سقف أعلى لعدد العمالة الأجنبية طويلة الأجل في البلاد، حيث لا يتجاوز عددها 20 في المائة من العدد العام للسكان في السعودية؛ وذلك في مسعى من الحكومة السعودية للمحافظة على التركيبة السكانية في المملكة. تأتي هذه الخطة متناغمة ومنسجمة تماما مع الخطوات الطموحة، التي اتخذتها الحكومة أخيرا للقضاء على البطالة في المملكة وتوطين الوظائف، والتي من بينها على سبيل المثال، تحديد حد أدنى للأجور، وبرنامج نطاقات، وإقرار بدل إعانة للعاطلين عن العمل. تحديد سقف أعلى للعمالة الأجنبية في البلاد، أصبح أمرا حتميا تفرضه ظروف الاختلالات الهيكلية، التي ظلت تعانيها سوق العمل السعودية لفترة طويلة من الزمن، وبالذات في ظل تزايد أعداد العمالة الوافدة القادمة للبلاد خلال السنوات الأخيرة وتأثيرها السلبي على تركيبة قوة العمل، وعلى قدرة المواطنين للدخول إلى السوق؛ إذ تشير الإحصائيات السكانية الأخيرة، إلى أن أعداد الأجانب في آخر تعداد سكاني رسمي للمملكة قد بلغ 8.42 مليون نسمة مقابل 18.7 مليون من المواطنين، أو ما يعادل نحو 31 في المائة من إجمالي عدد السكان في المملكة، كما تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الزيادة في أعداد الأجانب في المملكة تفوق نسبة الزيادة في أعداد المواطنين السعوديين، حيث تشير الإحصائيات السكانية الأخيرة للمملكة، إلى أن نسبة الزيادة في أعداد السكان الأجانب خلال فترة التعداد السكاني الأخير الذي أجرته المملكة في عام 2010، بلغت 37 في المائة، مقارنة بالتعداد السكاني الذي أجري في عام 2004، في حين أن نسبة الزيادة في أعداد السكان السعوديين خلال الفترة نفسها بلغت نحو 13 في المائة. إن تحديد سقف أعلى للعمالة الأجنبية في البلاد، سيساعد أيضا على التخلص التدريجي من العمالة الزائدة عن الحاجة المتواجدة في البلاد، والإبقاء على العمالة الفعلية، التي يحتاج إليها الاقتصاد والسوق، وبما يتناسب مع حاجة المشروعات أو الأنشطة الاقتصادية المختلفة في البلاد، الأمر الذي بدوره سيقضي آجلا أم عاجلا على ظاهرة العمالة السائبة وظاهرة التستر التجاري والمتاجرة في التأشيرات، ولا سيما أننا قد توسعنا في الماضي في استقدام العاملة الوافدة بمبرر ودون مبرر اقتصادي لها، حتى أن تكدست العمالة الوافدة في البلاد، وتسببت في حدوث اختلالات هيكلية في سوق العمل، وأصبحت تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني، وتسبب وجودها في حدوث العديد من المشاكل الأمنية، ارتبطت معظمها بمخالفة أنظمة الإقامة، التي من بينها على سبيل المثال، التكسب والعمل غير المشروع، إضافة إلى ممارسة أعمال مخالفة للنظام والأخلاق، وارتكاب عدد من الجرائم من سرقة وتزوير ودعارة وقتل، وإلى غير ذلك من الجرائم. إن تحديد سقف أعلى للعمالة الأجنبية، سيعمل على تنقية سوق العمل من العمالة غير المؤهلة مهنيا وفنيا، وبالذات لو تم ربط استقدام العمالة الأجنبية بمشروع الفحص المهني الصادر بقرار من مجلس الوزراء بتاريخ 4/3/1426هـ، والذي يتوقع له أن يحدث نقلة نوعية في سوق العمل، بسد الطريق أمام تدفق العمالة الوافدة غير المؤهلة، كما أنه سيفتح المجال أمام العمالة الفنية المدربة السعودية لإحلالها محل العمالة الوافدة، ولا سيما أن المشروع ينظم ممارسة العمل المهني بموجب معايير معتمدة في مجال الاختبارات المهنية للعمالة الوافدة وتنظيم سوق العمل من خلال تقييم واعتماد كفاءات العاملين فيها، بما في ذلك تطبيق اختبارات الفحص المهني ومنح من يجتاز الرخصة المهنية وتصنيفه تبعا لمهنته، ضمن الإطار الوطني للمؤهلات المهنية. كما أن تطبيق مثل هذا المشروع الطموح، سيمكن سوق العمل في السعودية، من التخلص من العمالة الوافدة الأمية والعمالة متدنية التأهيل الفني والمهني، ولا سيما أن المعلومات تشير إلى أن نسبة كبيرة من العمالة الوافدة في سوق العمل السعودية، إما أمية أو لا تحمل الشهادة الابتدائية، والتي تقدر بنحو 80 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة في السوق. خلاصة القول، إن خطة وزارة العمل السعودية لتحديد سقف أعلى للعمالة الوافدة في سوق العمل طويلة المدى، حيث لا تتجاوز عددها 20 في المائة من العدد العام للسكان في السعودية، سيتحقق عنها منافع اقتصادية واجتماعية عديدة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تخلص الاقتصاد والسوق السعودية من العمالة الوافدة الزائدة عن الحاجة، علاوة على تنقية سوق العمل من العمالة غير المدربة وغير المؤهلة تأهيلا يتحقق عنه قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى أن هذه الخطة، ستعمل على القضاء على عدد من الممارسات الخاطئة في السوق، مثل ظاهرة التستر التجاري، والمتاجرة في التأشيرات، وانتشار العمالة السائبة، التي يتسبب وجودها وانتشارها في تفشي الجرائم الاقتصادية والجرائم الأخلاقية. إن تطبيق مثل هذه الخطة الطموحة، سيعمل في نهاية المطاف في الصالح العام، بما في ذلك مصلحة الاقتصاد الوطني وسوق العمل والمواطنين السعوديين الداخلين الجدد إلى سوق العمل، والله من وراء القصد.
إنشرها