العالم

للطغاة نهاية واحدة

للطغاة نهاية واحدة

للطغاة نهاية واحدة

هرب من طرابلس بعدما حاصره الثوار، الذين قدموا إليه من بنغازي أولى المدن التي خرجت عن طاعته وسلطته. رفض التنازل عن الحكم وترك ليبيا وشأنها، وفضل القتال حتى آخر مقاتل زنقة زنقة وشارع شارع وبيت بيت، هوت حصونه واحدة بعد الأخرى، وانفض من حوله رجاله والمقربون إليه واحدا بعد الآخر، وهربت أسرته إلى الجزائر عبر الصحراء، واختار المواجهة، طمعا في السلطة، وغرورا ما بعده غرور، مؤكدا لليبيين وللعالم أنه قائد وزعيم تدافع عنه الملايين. سقطت طرابلس وهوى هبل وأصبحت الساحة الخضراء ساحة ورمزا للشهداء من الثوار الليبيين، ودخل الثوار قصوره بعدما أخرجوه عنوة من باب العزيزة، ليطل علينا من خلف حجاب كبقية الزعماء المهووسين بالسلطة، داعيا إلى تحرير ليبيا شبرا شبرا وزنقة زنقة، ممنيا نفسه بثورة شعبية ضد النيتو، وضد الثوار، الذين لم يمهلوه كثيرا، فغادر بليل إلى سرت مسقط رأسه، فكل الطغاة لا يأمنون أي مكان غير مساقط رؤوسهم، التي سيطاح بهم فيها. في بني وليد فاوض الثوار الأهالي وأرادوا استسلامها دون إراقة دماء. وبعد أيام فتحت بني وليد وهزم معقل آخر للقذافي، فتجمع مقاتلوه ومؤازروه وأركان حكمه في مدينة سرت، التي حوصرت من مختلف الجهات وقصفت من قبل النيتو والثوار وأصبحت بعد وقت مدينة بائسة. وبعد أن فتحت أبوابها بابا بعد الآخر، حزم العقيد حقائبه مغادرا غرب سرت، ومن بين السواقي والأزقة والطرق الثانوية، لكن كان الثوار أمامه ينتظرونه عند مخارجها، وكان النيتو يتوعد موكبه من السيارات. #2# قصف للمرة الأولى وفي المرة الثانية حاول القذافي أن يغادر وأن يفلت من العقاب ومن الحصار، غير أن إرادة الله كانت القاضية، حاول مرافقوه الهرب والاختباء، فأمطرهم الثوار بالرصاص، فقتل من قتل وقبض على البعض الآخر، وقد انهار رجال القذافي في لحظة مصيرية وحاسمة، وبعد دقائق عثر على القذافي في مخبأ سري في بئر بسيطة لأحد الدور السكنية المحاذية لطريق ثانوي. كانت تملأه الدماء، وكان مصابا في ساقيه وكتفيه، وكان لديه بقايا سلاح وبقايا أمل، فاجأه الثوار، صدم وذهل وصرخ فيهم (حيلكم حيلكم، أرجوكم ألا تقتلوني) كان مرافقوه يحاولون إسعاف الزعيم، وإنقاذه وإعادته إلى الحياة قبيل أن يعيدوه إلى السلطة، غير أن الثوار استلوه من بئره وحملوه إلى عربة إسعاف لتكون نهايته محزنه وقريبة من سرداب وحفرة صدام حسين. هذه النهاية نهاية كل طاغية يقدم على قتل شعبه بالسلاح ويعيث فسادا في بلده ويجعلها لقمة سائغة للآخرين، ويعطل مسيرتها التنموية، ويؤخرها كي يبقى زعيما خالدا، فحالة الزهو الكبيرة كانت بمنزلة الضربة القاضية التي جعلته يسخر من القادة العرب ومن قادة العالم، ليكون مصيره في سرداب ضيق بعدما كانت لديه قصور فارهة وخيم كثيرة وألوان مزركشة. نهاية الطغاة واحدة بالتأكيد، وحلم الشعوب بالعدالة والمساواة والاحترام واحد، ولهذا لم يجمع الليبيون من قبل على هدف واحد غير هدف الخلاص من العقيد والزعيم وملك ملوك إفريقيا وعميد الزعماء العرب، لم يستجمع الليبيون بقايا كرامتهم إلا لينتصروا على القذافي الذي أذلهم وشردهم وعاث في بلادهم فسادا، وعادى كل الدول العربية وتنكر لزعمائها، وتآمر عليهم وحاول أن يشتري بأموال النفط الليبي زعماء الحركات المتمردة والزعامات الثورية، والأقلام المأجوره التي كانت تكتب عن القذافي وتروي مداد حبرها من دماء الشعب الليبي. اليوم يجمع الليبيون عن بكرة أبيهم على أن مرحلة القذافي طويت للأبد، وأنهم سيبنون دولتهم المدنية لكل الليبيين، ليس جماهيرية للخوف وجماهرية لتبديد الثروة وجماهيرية للسجون، بل سيطوون الصفحة لليبيا الحرة والجديدة لكل أبنائها ولكل الشرفاء العرب الذين ناصروا ثورة الشعب الليبي وتصدوا بحزم لزعيم يقتل شعبه. الدرس الليبي ليس لليبيا وحدها بالتأكيد، بعدما سبقها الدرس العراقي، فالدولة الأمنية ودولة الإعدامات والسجون، ودولة الشبيحة والتطاول على كرامة البشر، ودول بلا دساتير وبلا أعراف قانونية دول تعيش شعوبها على هامش الإنسانية، لكنها شعوب تصابر وتزداد ثباتا وتهز عروش الطغاة وتتواصل رغم شلال الدماء مع المستقبل ليكون لها مكانة حقيقية تحت الشمس.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم