Author

حتى لا تكون «صدارة» جزيرة معزولة

|
مستشار اقتصادي
في 8 أكتوبر وقعت شركة أرامكو وشركة داو (أكبر شركة بتروكيماويات أمريكية) عقد شراكة بتأسيس شركة "صدارة" التي تستخدم النافثا وغيرها من السوائل وغاز الإيثين كأكبر مشروع بتروكيماويات في العالم في موقع واحد في الجبيل، بتكلفة تقدر بنحو 20 بليون دولار، وتقدر المبيعات بنحو 10 بلايين دولار في عام 2016، هذا ثاني مشروع جبار بعد "بترو رابغ" وسوف يعقبه قريباً مشروع مع شركة النفط الفرنسية "توتال". تاريخياً اعتمدت الصناعات البتروكيماوية السعودية بقيادة "سابك" على الغاز، إذ لم يكن هناك تكامل مع مشتقات "أرامكو" في المصافي للصناعات، ولذلك أتت "أرامكو" لإكمال هذه المنظومة، إلا أن "أرامكو" حاولت جذب هذه الشركات العالمية بكميات سخية من الإيثين، فـ "سموتومو" تسلمت نحو 100 مليون مكعب و"داو" نحو 75 مليون مكعب، هذا يثير شهية وحفيظة الشركات البتروكيماوية السعودية حيث الربحية السهلة. سوف تقوم "صدارة" بنقلة نوعية ولكن ما زالت الصناعة البتروكيماوية وكأنها قطاع مرتفع التكاليف قليل التوظيف نسبيا؛ حتى في حالة من عدم الوضوح في علاقته مع الصناعة الأهم: استخراج وتصدير النفط ومشتقاته. ولكن رغم كل التحديات حققت صناعة البتروكيماويات السعودية نقلة نوعية حجماً وعمقاً تدريجياً ولو ببطء في الخروج من الطابع السلعي إلى الأكثر تنوعاً والأقرب إلى المستهلك الأخير. بعد تجربة طويلة بدا واضحاً أن التعمق الرأسي بطيء لأسباب موضوعية صعبة منها أن هامش الربح الطيب فاز به مَن استطاع الحصول على الغاز المدعوم (فمثلاً يربح مصنعو الباليثلين نحو 80 في المائة من تحويل الإيثين إلى الباليثلين) مما لا يترك ربحية سهلة للصناعات التحويلية، ومنها حجم السوق الصغير للكثير من المواد الأكثر تعقيداً صناعياً، وعدم توافر التقنية، وضعف درجة التكامل الصناعي إجمالاً. الأهم أنه على الرغم من هذه الاستثمارات الضخمة إلا أن هذه الصناعة لم تجعل من المملكة بلاداً صناعية حتى الآن، ولذلك فإن أغلب هذه المشاريع بدأت كجزر معزولة، بل كأنها امتداد لشركة أرامكو، فشركة أرامكو لا تزال جوهرة الاقتصاد السعودي ولكنها لا تمثل الاقتصاد السعودي. الإشكالية إذا تدور حول قدرتنا على إيجاد جزر متواصلة بمد الجسور بين هذه الجزر لخلق بحر جديد. ما الحل؟ هناك عدة مفاهيم خاطئة تسمّم الجسم الاقتصادي في المملكة ساهمت في عدم الوصول إلى نظرة أكثر شمولية، أحد هذه المفاهيم هو فقدان البُعد التخطيطي عن أهم توجه في البلاد؛ على المستوى الشكلي حتى وزير الاقتصاد لم يكن حاضراً في مراسم التوقيع ولم أسمع في الخطة الخمسية مركزية الصناعات البتروكيماوية، وأنها مدخل الاقتصاد التصنيعي في المملكة؛ ثانياً ليس واضحاً العلاقة بين هذه المشاريع الضخمة وأصحاب المبادرات الصغيرة لا تنظيمياً ولا تمويلياً حتى الآن على الأقل؛ ثالثاً لم نستطع حتى الآن إيجاد آلية لإعادة تسعير الوقود داخلياً، وبالتالي ترتيب الأوليات بين الصناعة والتصدير والاستهلاك. خلط هذه المفاهيم يحد من تعظيم الاستفادة من هذه الاستثمارات الكبيرة والجهود العقلية والإدارية أمثال خالد الفالح ومحمد الماضي وعبد اللطيف العثمان ومطلق المريشد وأمين الناصر وأبو العنين وغيرهم من الكوادر الوطنية المخلصة والقادرة. في نظري الحل الشمولي في خلخلة هذه المفاهيم وإنهاء النظرة إلى قطاع الهيدروكربونات على أنه قطاع واستخدامه ليكون عامل إنتاج بواسطة عقولنا النيرة وقدراتنا التنظيمية. أثبتت التجارب التاريخية أن هذه المكونات أهم من المال. إعادة الأوليات بهذه الشمولية تتعدى "أرامكو" و"سابك" إلى الأوليات المجتمعية من القمة إلى القاعدة.
إنشرها