Author

شريان جديد

|
ليس من المبالغة أن نضفي على قرار ربط غرب المملكة بشرقها عبر الخطوط الحديدية صفة ''نقلة'' في بنيتها الاقتصادية. ذلك المشروع الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 12/11/1432هـ سيمتد من ميناء جدة الإسلامي على ساحل البحر الأحمر إلى كل من ميناء الملك عبد العزيز بالدمام وميناء الجبيل على ساحل الخليج العربي، مرورا بالعاصمة الرياض، بمسافة تزيد على (1400) كم. وقد تضمن قرار المجلس أن يتولى صندوق الاستثمارات العامة تمويل البنية التحتية للمشروع، وأن يطرح تشغيله للمنافسة مع احتفاظ الدولة بملكية البنية التحتية لجميع المشروعات القائمة والمستقبلية للخطوط الحديدية. تلك المواءمة بين دور الحكومة ودور القطاع الخاص في بناء وتشغيل المشروعات الخدمية الكبرى تعد من أفضل نماذج التخصيص، إذ تُبقي للدولة سيطرتها على المرافق العامة مع إتاحة تشغيلها بأسلوب تجاري يعتمد على المنافسة. وقد سبق للمملكة أن خاضت تلك التجربة بنجاح عندما أسندت للقطاع الخاص عبر المنافسة العامة، منذ عام 1417هـ، إدارة وتشغيل وصيانة خدمات الموانئ السعودية، مع احتفاظها بملكية الأصول والمنشآت. أما بالنسبة لما ورد في القرار بتكليف صندوق الاستثمارات العامة بتمويل البنية التحتية للمشروع فإنه سيحقق مصلحة لكل من الصندوق والمشروع. إذ إن مشاركة الصندوق ستوفر الكثير من الوقت والجهد الذي يبذل عادة في البحث عن مصادر تمويل لا سيما لمشروعات بذلك الحجم. كما أن استثمار الصندوق في مشروعات البنية التحتية كمجالات آمنة ذات عوائد مستقرة على المدى الطويل ينسجم مع دوره كصندوق للأجيال القادمة. هناك عوامل كثيرة تصب في صالح مشروع الربط الحديدي بين شرق المملكة وغربها. من بين تلك العوامل تزايد أعداد الحاويات الناقلة للبضائع التي تستقبلها موانئ المملكة سنويا وبالذات في ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبد العزيز في الدمام. إذ تبلغ في مجموعها أكثر من خمسة ملايين حاوية. ذلك الحجم من الحركة يتجه جزء كبير منه إلى وسط المملكة باستخدام الآلاف من الشاحنات يوميا وهي وسيلة مكلفة للنقل لمسافات طويلة مقارنة بالسكك الحديدية. أي أن إنشاء الخط الحديدي سيؤدي إلى خفض تكلفة نقل البضائع في المملكة وذلك بدوره سينعكس على أسعار السلع في السوق المحلية. هناك مزايا أخرى لذلك المشروع من بينها تقليص عدد الشاحنات على الطرق السريعة ما يعني أعمارا أطول لتلك الطرق، حوادث أقل، الاستغناء عن أعداد كبيرة من السائقين الأجانب، تخفيف الضغط على خدمات النقل الجوي، وفر كبير في استخدام الوقود وتحديدا الديزل ووقود الطائرات، وتخفيض معدلات التلوث بأنواعه، هذا علاوة على فرص العمل التي سيتيحها المشروع أمام المواطنين. ومن بين المزايا الاقتصادية الأخرى للمشروع أنه سيشجع الخطوط الملاحية القادمة إلى ميناء جدة الإسلامي على إنزال حمولاتها المتجهة إلى دول أخرى في الشرق لنقلها عبر الجسر البري إلى الدمام ومن ثم بحراً إلى وجهتها الأخيرة. ونفس القول ينسحب على الاتجاه المعاكس بالنسبة للسفن القادمة إلى ميناء الملك عبد العزيز بالدمام. تلك الحركة الإضافية في كمية البضائع من شأنها خفض أسعار الشحن البحري لموانئ المملكة وتعزيز مكانتها التنافسية وبالذات الدمام الذي يواجه منافسة حادة من بعض الموانئ المجاورة. من الصعب أن يعرض المرء كل المزايا التي سيحققها مشروع الخط الحديدي بين شرق المملكة وغربها، لكن هناك جانبا استراتيجيا مهما يستحق أن يُذكر ألا وهو المرونة والانسيابية التي ستتوفر لتجارة المملكة الخارجية. ذلك أن وجود الخط الحديدي سيسهم في جعل تجارة المملكة الخارجية بمنأى عن التأثيرات السلبية التي قد تبرز بين الحين والآخر في المنطقة المحيطة بنا من قلاقل ومواجهات قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إرباك حركة الملاحة البحرية وما يتبعها من رفع في أجور الشحن والتأمين. إن الخط الحديدي، بعد اكتماله، سيوفر للمملكة خيارات واسعة لمسارات تجارتها مع دول العالم الأخرى، كما أنه سيزيد حصتها من حجم التجارة الإقليمية ويعزز مكانتها كاقتصاد له ثقل عالمي. ومن المتوقع أن تزداد أهمية ذلك الخط ليس فقط للمملكة فحسب، بل لمعظم دول مجلس التعاون بعد ربطه بالخط المزمع إنشاؤه بينها ما يضيف لها منفذا على البحر الأحمر بتكلفة منافسة.
إنشرها