Author

«المركزيان السوري والإيراني».. الاستثمار في قطاع الهلاك

|
كاتب اقتصادي [email protected]
''الطغاة لا يؤسسون طغيانهم لحماية الثورة، إنهم يقومون بالثورة لتأسيس الطغيان''. جورج أورويل كاتب وأديب بريطاني بين المصرفين المركزيين الإيراني والسوري.. يا قلبي احزن، ليس على مصيرهما المتداعي بالطبع، لكن على دورهما المركزي في تمويل الخراب والإرهاب والقتل، وتوظيف قُطّاع الطرق، وتخصيص الميزانيات للاغتيالات والتفجيرات، ورصد ''المكرمات'' للعصابات المأجورة الخارجة عن القوانين البشرية، حيث يتصدر حزب الله اللبناني الطائفي الإيراني قائمة هذه العصابات، ولا بأس من تمويل ''دولة'' حماس ''المستقلة''، التي وجدت أن المرأة الفلسطينية التي تدخن الشيشة، ليست سوى آلية من الآليات المعطلة لتحرير فلسطين! وعلى الرغم من أن هذه الأموال الداخلة في ''قطاع الهلاك''، هي ببساطة مسروقة من الشعبين الإيراني والسوري، إلا أن السرقات الجانبية الكبرى لا تتوقف، خصوصاً من خزائن ''المركزي السوري''. في مقابلة أجرتها معي أخيرا قناة ''العربية''، سألتني المذيعة عن العقوبات الأوروبية المزمعة على المصرف المركزي السوري، وأجبت: أن هذا المصرف ليس سورياً بالمعيار الوطني، وليس مركزياً بالمعيار الاقتصادي، هو مصرف تملكه عائلة واحدة، ملكت في طريقها سلطة غير شرعية، لكن لا تضير هذه الأسرة مشاركتها في ''الغنائم'' الوطنية، بعض الأشخاص المحدودين جداً من خارجها. وفي مقال سابق لي في ''الاقتصادية'' حول العقوبات الأمريكية المزمعة على المصرف المركزي الإيراني، أشرت إلى أن هذا المصرف ليس إيرانياً بالمعيار الوطني، وعلى عكس ''زميله'' السوري لا تملكه أسرة، بل يملكه نظام يؤمن بأن ''الثورة'' الإيرانية لا تزال بضاعة قابلة للتصدير، رغم انتهاء صلاحيتها زمناً وأخلاقاً، مع ضرورة الإشارة إلى أدوات التصدير السافرة. لن تكون العقوبات الأوروبية على ''المركزي السوري''، بمثابة رد من الأوروبيين على كل من روسيا والصين، لاستخدامهما حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار إدانة السلطة في سورية على جرائمها ضد شعبها، كما تحب هذه السلطة أن تروج. إنها عقوبات تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التدريجية التي قرر الأوروبيون اتخاذها. أما لماذا تدريجية؟ فلكي تكون أكثر استهدافاً للسلطة ورموزها وأعوانها، وأكثر ابتعاداً عن الشعب السوري. ولأن هذا المصرف ليس عاماً، فاستهدافه مشروع، لأنه يوفر منجماً مالياً غير شرعي، لسلطة غير شرعية. فبعد أن جفف الاتحاد الأوروبي ما أمكن له من مصادر تمويل السلطة في سورية، في سبع موجات من العقوبات، بات من الضروري فرض عقوبات على هذا المصرف، الذي تنقص ودائعه على مدار الساعة، ليس بسبب الإنفاق العام، بل لسد النقص في الأموال التي تصب في خزائن السلطة، خصوصاً مع تعاظم المخاوف لدى بشار الأسد، بأن الإمدادات المالية الإيرانية لا يمكن أن تستمر إلى ما نهاية، لأن إيران بنظامها المُصدِر للخراب في كل الأرجاء، تعيش ظروفاً اقتصادية أكثر من صعبة. وجاء على مصرفها المركزي ''الدور يا دكتور''. وعلى هذا الأساس تشكل العقوبات على المصرف المركزي السوري، ضربة أخرى لسلطة الأسد، التي بدأت تعاني من شح السيولة لتمويل حرب الإبادة ضد شعبها. والحقيقة أن حاكم المصرف نفسه (ميالة)، حذر حتى قبل أن تقدم أوروبا على خطوتها هذه، بأن الاحتياطي النقدي في المصرف يتناقص. ورغم أنه تحدث عن وجود ما يقرب من 17 مليار دولار أمريكي في خزائن هذا المصرف، إلا أن المعطيات الاقتصادية على الأرض، تفيد بأن الاحتياطي وصل إلى ما بين 12 و13 مليار دولار، الأمر الذي شغَل آلات الطباعة السورية الخاصة بالسلطة، لطباعة أوراق نقدية بلا رصيد أو سند أو غطاء، ترفض المؤسسات الخارجية قبولها. ومع هروب أكثر من 23 مليار دولار أمريكي في الأشهر الأربعة الأولى من الثورة السلمية الشعبية العارمة، ستكون العقوبات المزمعة على المصرف المركزي، بمثابة مسمار آخر في نعش الكيانات التي توفر الإمدادات المالية للأسد وأعوانه. وربما هذا ما يفسر تخبط السلطة في إصدار قرارات اقتصادية، لا سيما المرتبطة بالعمليات التجارية المستهلكة للقطع الأجنبي. فقد تراجعت خلال أسبوع واحد فقط، عن قرار يحظر استيراد ما يقرب من 25 في المائة من الواردات، وذلك خوفاً من نقمة التجار الذين لا يزالون يعتقدون بإمكانية نجاة الأسد وسلطته. والطريف، أن الأسد أوقف عام 2005 عبر المصرف المركزي الصفقات التي كانت تتم بالدولار الأمريكي والتحول إلى اليورو، كـ ''عقاب'' منه للولايات المتحدة الأمريكية، على عقوباتها التي فرضتها عليه وعلى أعوانه في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وبالتأكيد لم تتأثر الولايات المتحدة بهذا ''العقاب'' (ولم ينهر اقتصادها من جرائه)، الذي أحدث اضطرباً كبيراً في الأوساط التجارية السورية. ويمكنني أن أتوقع، أن الأسد ''يهرش'' رأسه الآن بحثاً عن عملة أخرى غير اليورو، كـ ''عقاب'' لأوروبا على عقوباتها، لا سيما بعدما فشل وزير خارجيته وليد المعلم، في إزالة القارة الأوروبية عن الخارطة. لا شك بأن العقوبات الأوروبية على ''المركزي السوري''، ستكون قاصمة للسلطة على صعيد التمويل المالي، خصوصاً وأنها (أي السلطة) لم تنجح حتى الآن في إيجاد من يشتري النفط السوري المرفوض أوروبياً، الذي يوفر لها (وليس للشعب السوري) أكثر من 450 مليون دولار أمريكي شهرياً. إيران.. الممول المالي والإجرامي الوحيد حالياً لبشار الأسد، جاءها الدور في مصرفها المركزي. وسوف تسبب لها العقوبات الأمريكية ومعها الأوروبية، مزيداً من العزلة المالية على الساحة الدولية، لأن بعض الشرق الذي لجأت إليه في تعاملاتها المالية والتجارية والاستثمارية، فشل في سد الفراغ الذي أحدثه كل الغرب. وكما قال الأديب والشاعر الأمريكي رالف إيمرسون ''المال يكلف كثيراً، فالتكاليف الإيرانية ستكون باهظة. صحيح أنه لا يزال أمام نظام الملالي في إيران متنفس اقتصادي شرقي، لكن الصحيح أيضاً، أن نسبة الكربون تتعاظم في تركيبة الهواء الآتي من الشرق. وتكفي الإشارة هنا، إلى أنه بمجرد الحديث عن فرض عقوبات أمريكية على ''المركزي الإيراني''، انخفضت قيمة الريال الإيراني أكثر من 13 في المائة. لا شيء أفضل من زيادة العزلة المالية على سلطة بشار الأسد، ونظام خامنئي. سوف يستخدم الأسد هذه العقوبات لمواصلة حملته الفارغة، بأنها تستهدف الشعب السوري. والحقيقة أنها حملة أطلقها الأسد الأب، ولم يطورها الابن، ولذلك بقية مثيرة للسخرية. فالذي كان (ولا يزال) يستهدف الشعب السوري، هو تحويل الممتلكات العامة، على مدى أربعة عقود، إلى غنائم خاصة جداً. ولا أعرف إن كان نظام الملالي سيرد على العقوبات الجديدة، بمزيد من الانتظار لوصول ''المهدي المنتظر''، الذي قرر أحمدي نجاد، أنه سيحل مشاكل الأرض والكواكب وما بعدها!
إنشرها