Author

الآثار السلبية لدمج «العمل» و«الخدمة المدنية»

|
من المنتظر أن يصوت مجلس الشورى على عدد من الموضوعات من أبرزها الرفع ببدل سكن لموظفي الدولة يعادل ثلاثة رواتب سنويا وكذلك التصويت على دمج وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل في وزارة واحدة تحت اسم وزارة العمل. وكنت أريد أن أبين وجهة نظري حيال هذين الموضوعين المهمين إلا أنني سأقتصر على مناقشة الموضوع الثاني بحكم التخصص، وسأعود لبدل سكن الموظفين في وقت لاحق. أقول وبالله التوفيق إن المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الصناعية منها والخدمية تسعى جاهدة إلى تقليص وتهذيب إدارتها وفروعها بين الوقت والآخر حتى تكون أصغر ما يمكن فهناك مميزات كبيرة وإيجابيات متعددة لصغر حجم المنظمة منها تقارب خطوط الاتصال بين المستويات الإدارية والتعرف على الانحرافات وإحكام السيطرة عليها مبكرا، وكذلك إمكانية المنظمات الصغيرة من السير بسرعة عالية، وهذه الخصائص جميعا لا تستطيع أن تقوم بها المنظمات كبيرة الحجم. وقد بينت في مقال سابق أنه ينبغي على المنظمات الحكومية وغير الحكومية أن تشذب نفسها بين الفينة والأخرى (عادة ما تكون كل خمس سنوات) حتى تبعد نفسها عن آفة المنظمات وداء المنشآت وهو الترهل الذي إذا أصاب شركة أو وزارة تمكنت منها الأمراض الإدارية وسرت في جسدها الأوبئة التنظيمية. وما فتئ ''جاك ولش'' الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة ''جنرال إلكتريك'' - صاحب نظرية مبادئ القيادة - ما فتئ ينادي بتقليص حجم المنظمات وتشذيبها حتى تبقى شابة ورشيقة. وقد سعى فعلياً إلى تهذيب وتشذيب ''جنرال إلكتريك'' حتى أنه خلال عام واحدة باع أكثر من 100 مصنع وسرح أكثر من 150 ألف موظف وعندما سئل عن فعلته هذه أفاد بأنه يريد لـ ''جنرال إلكتريك'' أن تسير بسرعة 150 ميلا في الساعة وهذا لن يتحقق إلا بمحاربة الترهل وتعهد الوضع التنظيمي للشركة حتى أصبحت عادة ''ولش'' هذه سُنة لـ ''جنرال إلكتريك'' تسير عليها حتى يومنا هذا فتم تحويلها من شركة عجوز إلى منظمة رشيقة تسابق الريح، وحذت حذوها شركات أخرى كـ ''ميكروسوفت'' و''كوداك''. أتمنى من مجلس الشورى أن يأخذ في اعتباره مثل هذه الخلفيات العلمية ويطلع على التجارب المحلية قبل التصويت على دمج وزارة الخدمة المدنية مع وزارة العمل. فهناك نماذج للدمج حدثت بين بعض مؤسسات الدولة خلال السنوات القليلة الماضية ومنها على سبيل المثال إلحاق كليات المعلمين وكليات المجتمع بالجامعات ومشروع دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة التربية والتعليم. نريد من مجلس الشورى قبل أن يصوت على قراره هذا أن يقيم تجارب الدمج هذه ويسأل هل استفادت هذه الوزارات وتلك الهيئات من عملية الدمج؟ وهل كان أداؤها بعد الدمج أفضل؟ وحتى يكون هذا في متناول المجلس سأقيم التجربة الثانية بحكم قربي من البيئة التنظيمية للتعليم العالي وأترك تقييم تجربة التربية والتعليم لمنسوبيها. إن إلحاق كليات المعلمين التي كانت تابعة للتربية والتعليم بالجامعات أصاب الجامعات بالترهل المبكر حتى الناشئة منها وبذلك سرت في جسدها أمراض إدارية وأوبئة تنظيمية لم نعهدها. وقد لاحظت ذلك بعض القيادات الأكاديمية في بعض الجامعات وأدركت عبء الكليات الدخيلة عليها فقامت بحجزها وحجزها بسور تنظيمي وإدارة منفصلة حتى لا تعوق حركة التقدم الأكاديمي التي تشهدها الجامعات ومنها سعى الكثير من الجامعات في تطبيق أنظمة الجودة والاعتماد الأكاديمي إلا أنه رغم كل هذه الاحتياطات وكل هذا الفصل الواضح لم يعف الجامعات من إصابتها بالترهل فلم تستطع الانطلاق كما يجب فتوقف بعضها عن السير وتأخر البعض الآخر عن الركب، ولن تنطلق كما يجب إلا بعودة كليات المعلمين وكليات المجتمع إلى سابق عهدها أو سلخها مرة أخرى تحت مظلة وزارة مستقلة كما هو الحال مع كليات التقنية. وإنني أتساءل: ما الأسس العلمية والمبررات التنظيمية التي تقف وراء موجة دمج الوزارات والهيئات التي تظهر إلينا بين الوقت والآخر؟ يجب أن يطلع الرأي العام على الأسباب التي تدعوه إلى اتخاذ قرارات بهذا الحجم. كما يجب على جميع مؤسسات الدولة أن تخضع جميع قراراتها الإدارية والتنظيمية خصوصا الاستراتيجية منها لمبادئ الإدارة العلمية وللدراسات والتجارب الدولية، وأن تقيم التجارب المحلية قبل الولوج في تجارب أخرى مماثلة، وألا تسعى إلى تطبيق فكرة تراها براقة دون تدقيق وتمحيص. إن مثل هذه القرارات تحتاج إلى ترو، وعلى مجلس الشورى إذا أراد أن يرفع توصية بدمج وزارة العمل والخدمة المدنية في وزارة واحدة فعليه أن يقيم الوضع وفقا للمنهج العلمي، فهل يتوقع المجلس أن أداء هاتين الوزارتين سيكون أفضل لو تم دمجهما؟ أرى أن عملية الدمج لن تزيد من جودة الأداء لأن ضعف أداء هاتين المؤسستين ليس له علاقة ألبتة بالتنظيم وإعادة الهيكلة من دمج ونحوه، بل هناك معوقات أخرى نعرف بعضها ونجهل الكثير منها، ولكي نصل إلى قرار رشيد نحتاج الغور قليلا في النواحي التشغيلية لكلتا الوزارتين وعلى أثرها يتخذ القرار. هذا باختصار ما أردت أن أشارك به مجلس الشورى بخصوص هذا الموضوع المهم، والله من وراء القصد.
إنشرها