Author

بدل السكن.. هل يحل المشكلة؟

|
بداية لا بد من الإقرار بحقيقة لا تقبل الجدل، وهي أن أكبر أزمة يواجهها المواطن هي أزمة السكن، وهي أزمة تنعكس على حياته ومدى شعوره وأسرته بالاستقرار والأمان، بل وتنغص على الإنسان عيشه، وتجعله وأسرته في حالة استنفار دائم، انتظاراً لمطالبته بالرحيل، هذا إضافة إلى ما تشكله من عبء مالي كبير، قابل للزيادة في أية لحظة. كل هذه الأمور يدركها المرء، ويرى أن معالجتها تكون بحل جذري، لا بحلول مؤقتة، قد تكون لها تبعات تفقدها قيمتها، وتفاقم المشكلة. التوصية التي كانت ستُطرح للتصويت والمناقشة في مجلس الشورى بصرف بدل سكن لموظفي الدولة بمعدل ثلاثة رواتب وتأجلت مناقشتها، حظيت بمتابعة كبيرة من المواطنين، ونوقشت من قبل كتاب الرأي، كما نُشرت أخبارٌ جاء فيها أن صرف هذا البدل سيُحمّل ميزانية الدولة مبلغ 75 مليار ريال سنويا، وقليل من ناقش تأثير هذا البدل إذا ما أقر في الإيجارات، خاصة أن مدن المملكة الكبرى تشهد نقصاً حاداً في عدد الوحدات السكنية المعروضة للإيجار، والملاك ينتظرون أية فرصة، أو مبرر لرفع الإيجارات، كما لم يُناقش تأثيرُ هذا القرار في فئات أخرى من المواطنين، من غير موظفي الدولة، ومنهم من يبحث عن عمل، قبل أن يفكر ببدل السكن. قضية السكن أولتها الدولة اهتماماً كبيراً، تمثل في إنشاء وزارة الإسكان، ورصد مبالغ طائلة لمشروعات الإسكان، ودعم صندوق التنمية العقارية، ومن ضمن هذا الدعم أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـ حفظه الله ـ باعتماد مبلغ 250 مليار لبناء 500 ألف وحدة سكنية. إذاً مبلغ 75 مليار ريال، وهو مبلغ بالمناسبة يُعادل نصف ما صُرف على صندوق التنمية العقارية منذ تأسيسه، يستطيع أن يبني 150 ألف وحدة سكنية سنوياً، يُمكن أن تضاف إلى ما سبق اعتماده، ويتبقى أن تتخذ إجراءات سريعة لتخطي العقبات التي تعيق تنفيذ مشروعات الإسكان بشكل عاجل، وهذه العقبات تتمثل كما أعلن في قلة الأراضي، وهذه يمكن أن يساعد في حلها بناء ضواح جديدة، وإعادة تخطيط الأحياء القديمة في المدن وهي أحياء هجرت رغم وقوعها في مناطق حيوية وتوافر معظم الخدمات فيها، فهذه لو أعيد تخطيطها كأحياء سكنية نموذجية، لحلت جزءاً كبيراً من المشكلة، أما العقبة الرئيسة التي يجب عدم إغفالها فهي عدم وجود شركات مقاولات كبيرة تستطيع تنفيذ هذه المشروعات في زمن قياسي، وبالمواصفات التي تحددها وزارة الإسكان، فشركات المقاولات المحلية مشغولة بمشروعات أخرى أكبر من حجمها، والمواطن بحاجة إلى أن تُعهد المشروعات السكنية لشركات ذات قدرة وسرعة عاليتين، وبمواصفات تضمن له السكن المريح الذي لا يحتاج إلى صيانة على المدى القريب، فالمواطن ليست لديه إمكانات تتيح له تخصيص ميزانية للصيانة، كما هو الحال في المشروعات الحكومية. وهنا نجد أنه من المهم الاسترشاد بالطريقة التي اتخذت سابقاً في بناء مجمعات سكنية للمواطنين، وهي تجربة نشاهدها في مشروعات الإسكان التي نفذت منذ ثلث قرن، ولا تزال بحالة جيدة، مما يجعل من المهم البحث عن شركات عالمية قادرة على التنفيذ بالجودة المطلوبة، وبذلك نضمن عدم تأخر تنفيذ هذه المشروعات وكذلك عدم تأثر السوق المحلية، سواء من ناحية العمالة، أو أسعار مواد البناء. لقد سبق أن أعلن الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أن هدف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ألا يبقى مواطن دون سكن، وهذا الهدف يجب أن يسعى الجميع لتحقيقه بأسرع وقت، وعبر آليات بعيدة عن البيروقراطية.
إنشرها