FINANCIAL TIMES

أغنى رجل في العالم يبقى هادئًا ومتواضعًا

أغنى رجل في العالم يبقى هادئًا ومتواضعًا

يتعرض كارلوس سليم إلى الهجوم. ومنذ عدة عقود، بنى أغنى رجل في العالم إمبراطورية تجارية في بلده الأصلي المكسيك، بوجود مقاومة قليلة من جانب المنافسة. أما اليوم، فإن الحكومة، والشركات المنافسة، مصممون على تخفيف قبضته شبه الاحتكارية على قطاع الاتصالات في البلاد الذي ساعد سليم على مراكمة ثروة شخصية تقدر بأكثر من 80 مليار دولار. خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تم تغريم شركة تيلسل، مشغل الهواتف الجوالة المكسيكي الذي يملكه، بنحو مليار دولار بسبب ''ممارسات احتكارية''، وأحبطت الحكومة محاولاته لدخول سوق تلفزيون المشاهدة بواسطة الدفع، ويقلص المنافسون جوهر أعماله. مع ذلك، وعلى الرغم من الضغوط من جانب المنظمين والمنافسين، يبدو الرجل البالغ من العمر 71 عامًا هادئًا بشكل ملفت للنظر حينما التقينا به في المكتب الرئيس لبنكه المكسيكي، ''إنبورصا''. وفي الغرفة، هناك لوحات مرسومة من القماش تظهر مناظر ريفية خضراء معلقة على الجدران، ونافذة تطل على مشهد عادي للمدينة، بينما هناك رف للكتب يغطي أحد الجدران، ويزدحم بالكتب الكلاسيكية الإسبانية، والسير الذاتية لرأسماليين عظماء مثل بيرنارد باروتش، وصف من مجلدات مبعثرة لإحصائيات تتعلق بالبيسبول، أحد مجالات شغفه. على الرغم من أن الآخرين يحاولون تقليص ثروته الكبيرة، يفكر سليم في كيفية الاستفادة منها بالشكل الأمثل حينما يغادر العالم. ويقول، أثناء سحبه نسخة تبدو آثار الاستعمال المتكرر عليها من كتاب جبران خليل جبران، النبي، تفيض بروحانيات التلميذ: ''اقرأ هذا''. ويشير إلى سطر على الصفحة 487: ''أنت تعطي القليل حينما تعطي من ممتلكاتك''. كان سليم، ويبدو شعره ممشطًا بعناية، ويلبس قميصًا قطنيًا مفتوح الياقة بأزرار، وبلون الكريما، مشغولًا للغاية بجمع الأموال، وليس لديه الوقت ليقلق بشأن كيفية وهبها. يمتد نشاط أعماله في الاتصالات، ''أمريكا موفيل''، ليشمل 19 بلدًا، ويملك أكثر من 276 مليون زبون. وإلى جانب أعماله في التعدين، والعقارات، والتبغ، والخطوط الجوية، وقطاع المصرفية، وشركات أخرى يسيطر عليها، تشكل شركات سليم حوالي 40 في المائة من سوق البورصة المكسيكية. يسأل سليم بشكل متكلف: ''حينما أغادر العالم، سوف أكون عاريًا، وبناءً عليه، ماذا أفعل؟ هل أعطي الشركات إلى أولادي؟ إنها مسؤولية كبيرة. أم أترك لهم نسبة 90 أو 98 في المائة من ثروتي؟ هذا أمر سخيف. وإذا قمت بالبيع، من سوف يشتري – شركة أجنبية؟ وهكذا، هل أمنحها جميعها إلى المكسيك بدلًا من ذلك؟''. حيث إنه مشهور بقراءة الميزانية العمومية كما لا يقرؤها أي شخص آخر، يمارس سليم حسابًا ذهنيًا سريعًا، ويقول: ''بعد حسم الضريبة، فسوف يكون هناك 300 دولار لكل مكسيكي، وهذا إحسان ضئيل للغاية''. يتردد صدى مثل تلك التأملات من جانب أصحاب المليارات في كل مكان آخر. ولكنها دقيقة تحديدًا في بلد يعيش قرابة نصف سكانه البالغ عددهم 112 مليون نسمة في حالة من الفقر. ويرى كثيرون أن سليم مسؤول جزئيًا عن هذه الفجوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء. يقول النقاد إن مركزه المهيمن في قطاع الاتصالات يبقي الأسعار عالية، ويخنق المنافسة. وإلى جانب أقلية أخرى حاكمة من المكسيكيين، حسبما تقول الحجة، فإن سليم أعاق عملية التنمية، الأمر الذي جعل المكسيك تفقد الأساس لصالح اقتصادات ناشئة أخرى مثل البرازيل. على الرغم من تلك التهم، وموقف الحكومة العدائي، إلا أن سليم لا يشعر بالكره. وحيث أنه أكبر صاحب عمل في البلاد، وجد استطلاع حديث أن المكسيكيين ينظرون إليه وكأنه ''القائد العظيم الذي تحتاجه المكسيك''. وفي كتاب حديث، وصف جورج كاستانيدا، المفكر المكسيكي، ووزير الخارجية السابق، سليم بقوله إنه: ''رجل استثنائي بين أقطاب المال المكسيكيين... وهو رجل يسخى بوقته، وليس بأمواله دائمًا، ولكنه رجل مال سهل المعشر، ومتحفظ، وذو طبيعة جيدة''. بدلًا من الإحسان، يعتقد سليم أن الحل لمشكلات المكسيك، ولمعضلته الشخصية، هي المزيد من الاستثمارات، ولا سيما بين الشركات الصغيرة حيث أنها تولد أكثر الوظائف. ومن الواضح أن ذلك ادعاء متناقض بالنظر إلى الانتقادات بأن هيمنته على السوق تسحق اللاعبين الأصغر حجمًا. ويهز كتفيه قائلًا: ''إن الكائنات البشرية متناقضة في طبيعتها''. على الرغم من شكوكه إزاء الأعمال الخيرية، قام بإنشاء مؤسستين خيريتين: مؤسسة تيلمكس، ومؤسسة كارلوس سليم. وبتركيز عام على تنمية الطفولة والتعليم المبكر، فإنهما توفران الاستثمار التكميلي في رأس المال البشري الذي يراه سليم أساسيًا في عالم تهيمن عليه صناعات الخدمات المتطورة بشكل متزايد. يعلق سليم قائلًا: ''يجني الكثير من الأشخاص الأموال من الفقر – الدراسات، والمؤتمرات، والمنظمات غير الحكومية – إنه قطاع عمل ضخم. ويكمن الحل في الوظائف، والوظائف، والوظائف. والعمل هو الطريقة الوحيدة لتكريم المتلقي. وهو يلبي حاجة عاطفية لدى المرء. ومن شأنه أن يشجع التنمية''. ينهي سليم المحادثة، ويتجه إلى حمام صغير في زاوية مكتبه. ولا يزعج نفسه بإغلاق الباب. ويبتسم أرتورو، زوج ابنته الذي كان يجلس بهدوء وهو يدخن، على نحو ساخر. على الرغم من ثروته، إلا أن أغنى رجل في العالم متواضع للغاية بشكل يثير الدهشة. وحيث إنه معروف بأذواقه البسيطة، اشترى حديثًا أول ملكية له خارج المكسيك، بيت في نيويورك في ضاحية أبر إيست. بخلاف ذلك، يعيش سليم في البيت ذاته الذي انتقل إليه منذ أربعين عامًا في العاصمة المكسيكية، مكسيكو سيتي. ولم يتزوج ثانية بعد أن توفيت زوجته عام 1999 بسبب فشل كلوي، ويتناول وجبة الغداء دائمًا مع ابنائه الستة أيام الآحاد. حتى أنه يقود سيارته بنفسه. وعلى الأرجح يبدو ذلك غريبًا، أو تهورًا واضحًا في بلد يرتبط بشكل متزايد بالجرائم المتعلقة بالمخدرات، وأعمال الخطف. ولكن مثل ذلك التقتير والاقتصاد يتماشى مع منهج القيمة الأشبه بمنهج وارن بوفيت في الاستثمار. جاءت إحدى أفضل صفقات سليم بعد أن اشترى بقوة في قطاع الاتصالات البرازيلي، تمامًا في الوقت الذي انهارت فيه سوق البلاد عام 2002. يبدو أن التوقيت الجيد سمة عائلية في سليم. وحقق والده، وهو مهاجر هرب من العنف في بلده الأصلي، لبنان، ثروة جيدة بعد أن أسس متجرًا عامًا خلال الثورة المكسيكية، ثم باع العمل تمامًا قبل الانهيار العظيم لسوق البورصة عام 1929. كما أن سليم أحد أكبر جامعي منحوتات الفنان رودن، وضم أوائل هذا العام بعض أعمال النحات الانطباعي الفرنسي إلى متحف مجاني افتتحه في مدينة مكسيكو سيتي، ويضم كذلك جزءًا من مجموعته. ويقال في دوائر الفن المكسيكي، وربما أن ذلك مشكوك في صحته، إنه قام بحساب متوسط تكلفة الكيلوغرام من أعمال رودن. مما لا شك فيه أن سليم يعرف الصفقة الجيدة حينما يراها. وفي واقع الأمر أثبت أنه ماهر كمنافس في الخارج مثلما هو محتكر في وطنه. ويميل إلى القول ''اعتاد الغزاة أن ينتزعوا إتاوة، وأما الآن فإنهم ينتزعون الأرباح''. يصدر ضجيج ضخ المياه، ويعود سليم إلى الغرفة. وحينما يجلس مجددًا، يبدو مرتاحًا للغاية بحيث أنك لن تعرف بأن بعض الأشخاص يتساءلون ما إذا كانت حظوظه تتغير. وفي اليوم الذي تم فيه إجراء المقابلة، قامت الجهات التنظيمية بتغريمه بمبلغ آخر، حوالي 90 مليون دولار. لا يبدو سليم منزعجًا. ويقول: ''لا أشعر بالاضطهاد. ولم أشعر بالاضطهاد حينما كنت طفلًا. ولا أشعر بالاضطهاد الآن''. بدلًا من ذلك، وأثناء شربه الشاي من الكوب الصيني ذاته الذي يباع في متجر وكافتيريا سانبورن من السوق متوسطة التكلفة، يحافظ سليم على هدوئه. وحتى حرب المخدرات التي تجري في البلاد التي حصدت حياة أكثر من 40 ألف شخص خلال خمس سنوات تقريبًا، لم تغير روتينه اليومي على الإطلاق. ويقول: ''إن حياتي كما هي تمامًا مثلما كانت قبل خمس، أو عشر سنوات'' في إشارة إلى الفخر بالبلد الذي صنع فيه ثروته، يضيف الملياردير قائلًا: ''إن أي شخص لا يقوم بالاستثمار الآن، يفوت فرصة هائلة.'' يعرف سليم ذلك تمامًا – خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، زاد سليم ثروته بحوالي 8 مليارات دولار. واستقرائيًا من هذا الأداء، فإنه أنهى لتوه مقابلة أصبح خلالها أغنى بحوالي 7.5 مليون دولار مقارنة بوقت بدايتها قبل ساعتين فقط.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES