FINANCIAL TIMES

دروس ليبية

دروس ليبية

الصراع في ليبيا وصحوة العالم العربي حفزا تفكيرا جديدا في بريطانيا حول مسؤولية العالم المتقدم وضرورة أن تكون له ردة فعل ـــ باستخدام القوة أحيانا ـــ عندما يهاجم الحكام المستبدون شعوبهم. ومن المؤكد أن بعض اللغة المستخدمة في وايتهول اكتسب قوة جديدة. الآن تتحدث شخصيات كبيرة، وبقوة أكبر، ضد العنف الذي ترعاه الدولة. مثلا، السفير البريطاني لدى سورية نشر هذا الأسبوع مدونة غير دبلوماسية بشكل واضح، تدين حملة بشار الأسد على شعبه. كذلك كانت هذه الحيوية الجديدة حاضرة في خطاب ديفيد كاميرون الأخير أمام الأمم المتحدة، الذي استغله لتأييد التدخل الليبرالي. وعقب نجاح بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، حُقَّ لكاميرون أن يجادل لمصلحة التدخل. ومع أنه لا يزال ينبغي الانتظار لمعرفة إن كانت ليبيا ستنتقل إلى حكم مستقر، إلا أن كاميرون كان محقا في القول إن لدى الدول مسؤولية إنسانية لحماية المواطنين الذين يعانون تحت أنظمة وحشية. ومع انتفاض العرب في تونس ومصر وليبيا وسورية ـــ مطالبين بحق التصويت وبالوظائف وبحياة أفضل ـــ ينبغي للزعماء الأوروبيين أن يكونوا في صفهم. وكان كاميرون على صواب أيضا في وضعه حدا لما يمكن أن يتحقق. فالغرب لا يمكنه أن يتحرك عسكريا في كل الأحوال، ولا أن يسعى إلى فرض صيغته الخاصة من الديمقراطية فور سقوط الحكام المستبدين. بعضهم سيجد في كلمات كاميرون صدىً لخطاب توني بلير الشهير في شيكاغو عام 1999، الذي طرح فيه الخطوط العريضة لمبدأ التدخل الليبرالي. لكن في حين كان بلير ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة العسكرية العالمية الأبرز لقيادة مثل هذه الجهود، يجادل كاميرون من أجل نهج متعدد الأطراف بدرجة أكبر. فأي غزو لأية دولة أخرى يجب أن يكتسب شرعية دولية، من المستحسن أن تكون من خلال تأييد واضح من مجلس الأمن الدولي. وبقوله ذلك يكون رئيس الوزراء قد أقر بسبب الفوضى التامة في العراق. لكن أن يكون المرء راغبا في إنهاء التدخل شيء، وأن تكون لديه الوسائل لذلك شيء مختلف تماما. والسرعة التي يقلص بها وزراء الدفاع الغربيون الإنفاق العسكري تهدد القدرات، في وقت تتوقع فيه الولايات المتحدة بصورة متزايدة أن تتحمل أوروبا مزيدا من العبء في فنائها الخلفي. كذلك يواجه التدخل الليبرالي أسئلة صعبة: هل لدى بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى القدرة على ذلك مستقبلا؟ هل بإمكان هذه الدول تجميع إمكانياتها بصورة مشتركة لتفادي حدوث ازدواجية كبيرة؟ أو حتى التوصل إلى تفاهم مشترك في إطار حلف الناتو، على المكان الذي ينبغي أن يتم فيه التحرك؟ هذه الأسئلة لم تجد ما تستحقه من اهتمام. فالزعماء الغربيون مشغولون بالأزمة الاقتصادية العالمية وليس لديهم وقت يذكر للمسائل الأمنية. لكن وفقا للاتجاهات الحالية، بنهاية العقد الجاري ستكون أوروبا مفتقرة إلى القدرات الدفاعية اللازمة لمنافسة القوى العالمية الناشئة. إن كاميرون على حق في القول بوجود مسؤولية لحماية المقهورين، لكن عليه أيضا أن يوضح كيف يمكن لبريطانيا وحلفائها الأوروبيين توفير الوسائل المؤدية لهذه الغاية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES