Author

لأجل هيبة الدولة!

|
الأجهزة الرقابية في الدولة كلنا يجب أن نقف إلى جانبها لكي ندعمها في مسعاها، فتوسع العمل في الجهاز الحكومي يتطلب أجهزة رقابة فاعلة ومدعومة سياسية واجتماعية .. وفي المقابل يُفترض أن تكون هذه الأجهزة على مستوى عالٍ من الدقة والشفافية والنزاهة والقدرة على السمو على المصالح الشخصية لكي تحقق المصلحة العامة ولكي تكون أمينة في تقصي الأخطاء والمخالفات حتى لا يطعن أحد في نزاهتها ولا يُظلم بريء. أردت هذا المدخل حتى نؤسس أرضية للنقاش فنحن مع هذا المبدأ والتوجه الضروريين .. ولكن هذا لا يمنع أن نختلف مع آلية العمل وطريقة الأجهزة الرقابية، وأود أن أسوق مثالاً هنا للدراسة والتحليل، وليس لأجل التصيد والاستهداف، والمثال هو التقرير الذي أعده ديوان المراقبة العامة عن مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، الذي تم تسريبه إلى المواقع الإلكترونية. الذي نعرفه أن التقارير الفنية للأجهزة الرقابية ترفع إلى مَن يهمه الأمر في الأجهزة الحكومية بشكل سري لأنها عادة تتضمن اتهامات وشكاوى، وملاحظات، وحقائق، وترفع للأجهزة في مرحلتها الأولى حتى يتم الرد عليها بالأدلة والبراهين التي توضح الحق، ولهذا الاعتبار يعد تسريبها خطأ نظاميا وتجاوزا أدبيا وأخلاقيا وهذا ما حدث مع تقرير مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون الذي تضمن اتهامات صريحة بتجاوز الأنظمة، وبأخطاء طبية قاتلة، وأيضاً تضمن الإشارة إلى ضعف الإمكانات والتجهيزات الطبية وهذا انعكس سلباً على سمعة المستشفى المحلية والعلمية وأيضا سمعة العاملين فيه والطعن في ذممهم! التقارير التي تعدها أجهزة الرقابة يفترض أن تكون مضبوطة علمياً ولا تعتمد على الأقاويل والتقييمات غير العلمية لأمور علمية، ويفترض أن يستند الذين يعدونها إلى رصيد من الخبرة العلمية والتجربة التي تجعلهم قادرين على التقصي والتحقق والبعد عن شخصنة الأمور، لأننا لا نريد أن ننتقل إلى مرحلة التصارع بين الأجهزة الحكومية عبر التقارير والتسريبات، فهذا مضر وقد يذهب ضحيته الأبرياء، وربما يؤدي إلى هروب الكفاءات الوطنية المخلصة من الجهاز الحكومي. إذا نحن نتجه إلى مرحلة المؤسسات المحترفة فيجب أن يتوافر لهذا التوجه الإيجابي ظروفه الموضوعية الداعمة، وأبرز ما نحتاج إليه في هذا السياق هو التأكد من قدرة مؤسسات وهيئات الرقابة على القيام بدورها بشكل علمي وموضوعي، وربما هذا يتطلب مراجعتها للتأكد من مدى احتياجاتها البشرية والفنية حتى يتم دعمها إذا لديها قصور .. وهذا ضروري حتى يتكامل أداء الأجهزة الحكومية وتصبح جميعاً جزءاً من الحل، لا مصدراً للمشاكل في المجتمع، وبالتالي إضعاف الجبهة الداخلية، وإضعاف (هيبة الدولة!). إننا نواجه ظروفا سياسية وأمنية صعبة في المنطقة، وهناك من يتربص بمستقبلنا ويسعى إلى شق الإجماع الوطني، ويكفي أن نتذكر في هذا السياق إيران وإسرائيل، فنحن نواجه شرورهما في المنطقة، ويفرحهما أن نضع بأيديهما الأوراق التي يلعبونها ضدنا. هذا لا يعني أن نقول إننا ملائكة وليس بيننا فاسدون ومفسدون، ولأننا نعرف أننا لسنا منزهين تماما لذا أنشأنا أجهزة الرقابة والحماية وأوجدنا هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، فنحن نسعى ونجتهد لنحمي مجتمعنا، ولا أحد يفترض أن يتساهل في هذا التوجه الوطني الضروري لاستقرارنا ووحدتنا. ما يهم هو أن نكون عادلين وغير متجنين ولا متسابقين إلى تحقيق الأهواء والأماني والشهرة والأضواء على حساب مصلحة البلد .. وهذا ما يجب أن تكون عليه روح العمل وآلياته في أجهزة الرقابة على أجهزة الحكومة. التقرير المسرّب الذي أعده ديوان المراقبة عن مستشفى العيون يُفترض أن يكون (حالة دراسية) لمراجعة الآلية التي في ضوئها تعد التقارير من مختلف الأجهزة الرقابية، وبحث كيفية تداولها .. بالذات في مرحلتها الأولى، فالأجهزة الرقابية من حقها أن تسأل عن أي شيء وكذلك من حق الجهات الحكومية أن ترد .. وبعد ذلك من حق الرأي العام أن يعرف الحقائق حتى يكون رأيا عاما مستنيرا وليس مختطفا. السؤال: ما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمعرفة كيف تسرّب التقرير من ديوان المراقبة، ولماذا سُرِّب ولمصلحة مَن، وكيف يرد الاعتبار لمن تضررت سمعتهم، إذا كانت الوقائع غير صحيحة؟
إنشرها