Author

عالمٌ صغيرٌ، لا تجعله ضيِّقا!

|
.. إنه عالمٌ صغير يا أصدقائي، والناجحون من عملوا منه دوائر علاقاتٍ واسعة، كيف؟ سأوضح.. العالمُ قد نجعله ضيقاً محزَّزاً محزَّقاً محدوداً، كيف؟ سأوضح! كم تعرف من الأشخاص؟ وهل من طبيعتك التعرف على الناس، أم الانزواء في دائرة معارفك التي تعودت ونشأت معها؟ هذا سيحدّد مسار حياتك.. فعلا. كلما زاد نطاق الناس الذين تعرفهم، زادت فرص نجاحاتك ومعارفك في الحياة، فإني وجدتُ أن أكثر النابهين والناجحين والواصلين، بمختلفِ قدراتِهم، أنّ من أهم نجاحاتهم أنهم يعرفون كثيراً من الناس.. عرفوا أن العالمَ صغير، وأن دوائر العلاقات تتسع. كلما ارتفع حجمُ معارفِك قربتَ مباشرة، أو بطريق غير مباشر لمن يغيرون حياتك، من يقضون لك حاجة، أو مَن تمنيت أن يفسحوا لمشروع حياتك فرصة ليصل للنور.. معرفتُك أن العالمَ صغيرٌ تجعلك تؤمن بأن في وسط إحدى دوائر العلاقات التي يجب أن تكون واسعة ما أمكنك، يوجد شخصٌ له القدرة على تسهيل نفاذك لفرص المستقبل، وتحقيق الأماني، أو بعضها. ضع تحت هذا خطاً عريضاً: ''عالم صغير، بدوائر واسعة.. ستصل!''. وأعرف ناساً نابهين متفوقين، ربما أكثر من أصحابنا الذين حققوا أهدافهم، ولم ينجحوا كما يجب، ولم يصبهم حظهم.. والسبب أنهم جعلوا الحياة ضيقة. فهم لا يخرجون للمنتديات، ولا يتعرفون على مَن يجلسون بجانبهم في رحلة ساعات، ولا يغشون المجالس، ولا يعودون أصدقاءهم، فتضيق الدائرةُ جداً، فلا يعود لصغر العالم معنى، فلا يدركون أهدافَهم، أو سيصعب عليهم ذلك، فلا أحد لديهم يلجأون إليه.. أو أنهم لا يستطيعون، بحكم هذه الانغلاقية أو الانطوائية، أو رهاب الخروج للمجتمع.. لذا أقول للجيل الطالع: تعلموا من الآن المهارة الاجتماعية، فلها نتائج منطقية من حقيقة رياضية، ولذا نسمي علم الرياضيات من أنبل العلوم العقلية، ويعلمنا قانون المضاعفات، أننا نصل من أرقام بسيطة بتضاعفٍ معدود لأرقام فلكية.. أعطيكَ مثالاً: أنت تعرف محمد، وتعرف في المتوسط 100 شخص، ومحمد يعرف 100 شخص، إذن المعادلة: أنت + محمد = 200، ثم لك أن تحسب بمتتاليةٍ كم الناتج من المعارف في خطوة ثانيةٍ عندما يكون كل واحدٍ من هؤلاء المائتين يعرف 100 شخص أيضا.. بعد مضاعفاتٍ قليلةٍ يمكن أن يكون العددُ ضعف سكان الأرض! هذه حقيقة رياضية، وإن كانت افتراضية، فهي بواقع الرياضيات دقيقة لا تحتمل الجدال. قرأت كتاباً بعنوان ''شانتارام'' عن قصة مجرم أسترالي هرب من أستراليا واختبأ في شبه القارة الهندية ومارس كل أوجه الأعمال الشيطانية، كما مارس أعمالا ملائكية.. معا، وهو الذي كتب أحداث قصته بلغة إنجليزية من أرقى وأجمل ما قرأت من كُتاب العصر مع فلسفات علمية وتأملية وروحية أخاذة، وتولعتُ بالكاتبٍ واسمه ''جريجوري دافيد روبرتس''، وكتابه من أجود ما كُتب بلغة شكسبير، والكتابُ أطار لبّي، فقرأته ثلاث مرات، وهو من ألف صفحة.. ولأني أحاول كسب أصدقاء برحلات الأجواء، وكتبت عن بعضهم وأسميهم أصدقاء الفضاء. مرة جلس بجانبي رجلٌ عربيٌ أربعيني، ولما قدمتُ نفسي، صرنا مقربَيْن بعد دقائق، وتكلمنا عن هواياتنا، ومنها القراءة، وأريته الكتابَ الذي معي، وكان كتاب الأسترالي ''جريجوري الأسترالي''، فضحك متعجباً، واستغربتُ هذه الضحكة ''الغريبة'' الخارجة عن السياق.. فاستدركَ، واضعاً يدَه على الكتاب: ''أنا أسترالي، من أصل فلسطيني. وسأزيدك من القصيدة بيتا..''، وكان ما أخبرني أعجوبة، هدية، أيقونة الأيقونات.. قال لي: السيد جريجوري من جيرتي، ونحن أصدقاء!'' .. بعد الضربة المذهلة، رأيت أن حلمي بمعرفة هذا الكاتب الفذ أقرب لي مما أستطيع حتى أن آمله، وطلبت من الرجل الذي أضفته صديقا في شبكة علاقاتي راجيا أن يمكنني من التواصل مع صديقه. والآن أتراسل مع السيد ''جريجوري روبرتس''، وفي يوم طلب مني أن أحضر لسيدني حيث كان وقتها سيوقع اتفاقا مع الممثل الأمريكي الشهير ''جوني ديب'' توقيعاً أخيراً (سبق أن وقع الاثنان نسخة اتفاقية بالحروف الزرقاء) حول قيام ''ديب'' بإنتاج وتمثيل وإخراج قصته المذهلة، والثرية بالنسيج النصي والشخصيات المفعمة الحقيقية؛ ''شانتارام''.. صحيح أني لم أذهب، ليس مني ولكن لأن جون ديب لم يأت، يبدو أنه انشغل بقراصنة الكاريبي! اذهبوا يا أصدقائي وانسجوا بحماسة شبكة من العلاقات، فالعالمُ صغيرٌ، والدوائرُ الاجتماعية قابلة للاتساع بلا حدود، خصوصا مع وجود الإنترنت التواصلي، وستفاجأون بمن ضمن حدود معارفكم أو معارف معارفكم من نساء ورجال لم تتوقعوا يوماً أن تروهم أو تتحدثوا إليهم أو تتواصلوا معهم بأي وسائل الاتصال. من يخبرني منكم من حقق هدفاً من توسيع دوائر علاقاته، أو تعرف على شخصية كان يراها ببعد النجوم؟ من لا يجدون ما يخبروني به، فليكن هذا إذن عندهم من أهم برامج كل يوم. لن تندموا، صدقوني!
إنشرها