Author

الشر الذي أتانا بعد 11 سبتمبر أفرز واقعا تنعدم فيه الأخلاق الإنسانية

|
أستاذ جامعي ـ السويد
أفرزت الأحداث التي وقعت بعد 11 أيلول (سبتمبر) عالما تقوده دول ومؤسسات لا تعير الضمير الإنساني والأخلاق الإنسانية أية أهمية، وبهذه الأحداث دخلنا عالما يقاس فيه الناس ليس بقيمتهم الإنسانية والأخلاقية بل بمقياس الجنس والدين والدولة التي يتبعونها ومكانتها وسلطتها وقوتها العسكرية والاقتصادية. قد يقول قائل: ألم تكن الدنيا هكذا على مر العصور؟ أقول نعم ولكنها لم تظهر على حقيقتها كما ظهرت لنا بعد أحداث 11 سبتمبر. اليوم، وبما يملكه العالم من وسائل اتصال، صار بإمكاننا نحن الأفراد العاديين الدخول إلى معاقل السلطة، دينية كانت أو دنيوية، وتعريتها. في عالم ما بعد 11 سبتمبر جرى تقسيم الناس إلى درجات ومعهم أديانهم وقومياتهم ودولهم. والتصنيف التسلسلي هذا رغم بشاعته ومعارضته لشرائع الأرض والسماء صرنا نقبل بها صاغرين ووصل الأمر بنا درجة مقارعة أي مجموعة تأخذ على عاتقها مقاومته. وصار الأشرار الذين تبنوا الثأر لأحداث 11 سبتمبر يطبقون السلم الهرمي للدرجات الإنسانية التي منحوها للبشر في حروبهم وإعلامهم وخطابهم وأخذونا معهم أسرى لمفاهيمهم وتأويلاتهم الشريرة لما يجب أن يكون عليه ليس فقط عالمنا بل حياتنا. لنقل إن هذه فرضيات وقبل البرهنة عليها علينا أن لا ننسى أن أحداث 11 سبتمبر ذاتها تدخل ضمن نطاق الشر. وهذا أمر لا نقاش فيه. ولكن علينا التأكيد مرة أخرى أن مقترفي 11 سبتمبر مجموعة من الناس غير منتخبة ولا يمكن أن تمثل الأغلبية دينيا ودنيويا، عكس منفذي الشرور التي أتتنا بعد 11 سبتمبر، حيث إن مقترفيها يمثلون طبقات النخبة التي تم انتخابها ديمقراطيا وتجسد أنظمة مدنية ودولا كبيرة وشعوبا بمئات الملايين من البشر تتربع على قمة الحضارة الإنسانية في عالم اليوم. والأنكى من هذا أنها كانت تدعي علنا استنادها إلى نصوصها المقدسة. أشرار ما بعد 11 سبتمبر زينوا كل شرورهم وكأنها شيء حسن وحميد يجري تنفيذه حسب الشرائع الوضعية والسماوية. ولهذا جردوا الآخرين من غير جنسهم ودينهم وقوميتهم من كل اعتبار إنساني. الغزاة الأمريكان في العراق لم يكترثوا للضحايا (القتلى) من العراقيين الأبرياء لدرجة أنهم لم يقوموا بجرد من يقتل على أيديهم. بمعنى آخر، القتلى من العراقيين من الدونية في نظرهم أنهم لا يساوون حتى رقما حسابيا. وهذا أمر بغيض لا يقبل به أي جيش مهني مع ذلك لا يملك الجيش الأمريكي سجلا بعدد العراقيين الذين لقوا حتفهم من خلال المعارك المستمرة التي خاضوها في العراق. ووصلت الإهانة الإنسانية للعراقيين العرب والمسلمين إلى درجة أنهم كانوا يضعون لوحات إنذار خلف عرباتهم العسكرية تحذر العراقيين باللغتين العربية والإنجليزية من أن الاقتراب من العربة يعني الموت. كم عراقي يقرأ الإنجليزية؟ والأمية في العراق قد تصل في كثير من مناطقه إلى 40 في المائة. فتصور كم سيارة يقودها أمي عراقي مع زوجته وأولاده جرى تحطيمها بركابها لعدم مقدرة السائق قراءة اللوحة. من سينصف هؤلاء؟ بالمفهوم الذي أتى به الأشرار بعد أحداث 11 سبتمبر كل هؤلاء لا يستحقون ليس الإنصاف بل حتى التدوين في السجلات العسكرية. إنهم ليسوا بشرا في نظرهم. وماذا عن قتلاهم؟ القتيل من الأشرار الذين عقب 11 سبتمبر له مكانة أخرى. يلف بالعلم الوطني ويزجى بالمراسيم العسكرية ويدخل اسمه سجل الخالدين وله ولعائلته استحقاق وإنصاف. أما القتيل العراقي فلا اسم له ولا مستحقات له ولا إنصاف له. التصنيف هذا كارثة على البشرية لأنه يقيس القيمة البشرية بشكل هرمي وتسلسلي. غيرهم لا يساوي الرصاصة التي قتل بها. أما هم فقيمتهم الإنسانية لا تقدر. جندي إسرائيلي واحد أسير لدى حماس. انظر كيف أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجله. العالم كله يعرف اسمه ويتعرف على صورته وعمره وحياته وتاريخه وكذلك المأساة - حسب تصورهم - التي يمر بها هو وعائلته. أما أسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل البالغ عددهم أكثر من 11 ألف شخص بينهم نساء وأطفال، هؤلاء كلهم ملطخة أيديهم بالدم الإسرائيلي الزكي - حسب تصورهم. كل هؤلاء لا اسم لهم. هناك مئات من الأمثلة حولنا في هذا العالم نستطيع بواسطتها البرهنة على الفرضيات التي أتينا بها في مستهل هذا المقال. ويبدو أن تقسيم البشر إلى أصناف وطبقات لكل منها قيمة إنسانية وأخلاقية محددة قد دخل من أوسع أبوابه لدى الأصناف البشرية التي لا يكترث لها البتة أشرار ما بعد 11 سبتمبر. وهذا شأن سنتناوله في الرسائل القادمة بعون الله. وإلى اللقاء
إنشرها