Author

هل تشعر بالغربة في عملك؟

|
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن المنظمات العربية لم تستفد كثيرا من منهج الإدارة العلمية وظلت تمارس أساليبها الإدارية بناء على أفكار تقليدية ومعتقدات خاوية بعيدة كل البعد عن المنهج العلمي السليم. وهذا الإقصاء المتعمد لمفاهيم الإدارة العلمية أفقدها الكثير من الفرص وجلب لها الكثير من الأمراض الإدارية والانحرافات التنظيمية وكون داخلها صراعات لا تهدأ أفقدت العاملين الثقة بمنظماتهم والخوف على مصادر أرزاقهم. وبينت الأسباب الجوهرية وراء تحاشي منظماتنا وشركاتنا تطبيق الأساليب والنماذج العلمية في الإدارة. وفي هذا المقال أريد أن أبين الملامح العامة للمنظمات العربية التي يغلب عليها طابع المنظمات المحبطة، القاتلة للإبداع، الخانقة للمواهب، التي تخشى الظهور وتبغض الحوافز. 1. أهم ملامح المنظمات المحبطة أن الموظفين يشعرون بالخوف ويبدأون صباحهم بكآبة أبدية لا يمحوها إلا توقيع الانصراف عندها يتنفس الموظف الصعداء ويرى أن يومه الفعلي قد بدأ. الموظفون في البيئات العربية يخافون كثيرا من رؤسائهم لأنهم يدركون أن النظام لا يحميهم، وإن أرادوا حياة وظيفية ناجحة فليظفروا برضا المدير. والمعضلة الكبرى أن كسب ود المدير يتطلب مهارات لا أخلاقية وسلوكيات مشينة قد لا يجيدها الكثير. ولهذا يظل الموظفون الذين لا يجيدون مهارات التقرب من القيادات الإدارية يشعرون بالغربة طوال حياتهم الوظيفية. 2. لا تعترف المنظمات العربية بالخطط، فتسير دون رسالة، وليس لديها رؤية، ولا استراتيجية، ولا أهداف. الخطط الوحيدة التي برعت فيها المنظمات العربية هي السياسات. والسياسات عبارة عن توجهات ضمنية لا توثق كتابيا، لأنها تخدم شريحة بعينها إلا أنه يسهل ملاحظتها من قبل جميع الموظفين. والسياسات وإن كانت أحد أنواع الخطط، إلا أن المنظمات الرائدة تحاول تهذيبها وتوثيقها واطلاع الموظفين عليها فعدم توثيقها يفقد المنظمة مصداقيتها ويشعر الموظفين بالرهبة وعدم الأمان. 3. بما أن ليس هناك أهداف فمعنى هذا أن ليس هناك رقابة على الأداء فكيف تمارس الرقابة دون أهداف؟ ولهذا تغير مفهوم الرقابة في المنظمات العربية المحبطة من قياس الأداء إلى قياس الولاء. تمارس وظيفة الرقابة في المؤسسات العربية عن طريق تتبع سلوكيات الموظفين، أين يذهبون؟ لماذا يتجمعون؟ ماذا يقولون؟ وعلى أثرها ظهرت مصلحات دخيلة على المنظمات المدنية مثل الجاسوسية والتنصت وغيرها. ولهذا ترى كثيرا من منها أشبه ما تكون بالمنظمات الأمنية بحيث يجند بعض الموظفين لتتبع البعض الآخر لقياس مدى ولائهم للقيادة. 4. ولو افترضنا أن للمنظمة أهدافاً فإنها عادة ما تكون أهدافا متعارضة مع أهداف منسوبيها، وهنا تتولد التنظيمات غير الرسمية، فيتكل الموظفون على شكل مجموعات تربطهم أهداف مشتركة يقفون ضد أهداف المنظمة ويحاولون هدمها من الداخل ويبتهجون كثيرا عندما يرونها تسقط ولو تدريجيا. 5. من أهم ملامح المنظمات العربية المحبطة أنه لا توجد فيها هياكل تنظميه توضح المستويات الإدارية، وتحدد السلطات والمسؤوليات، وخطوط الاتصال وإن وجدت فما هي سوى هياكل صورية لا يُعرف أهميتها ولا الفائدة المرجوة منها. وبما أن ليس لها هياكل تنظيمية فهذا يعني أن ليس لديها وصف وظيفي. فالموظف قد يتعين على وظيفة محاسب مثلا أو سكرتير، إلا أنه سُخرة أن يعمل أي شيء، فقد يجد نفسه مديرا للتسويق وقد يجد نفسه موظفا في الصادر والوارد أو في المستودعات والمخازن أو منسقا للعلاقات العامة. ولهذا نجد أن أغلبية موظفي المنظمات العربية لا يعرفون بالضبط ما مهامهم الوظيفية، وما الذي يجب أن يقومون به. 6. تفضل المنظمات العربية أن تصبح منظمات مغلقة لا تؤثر ولا تتأثر بالبيئة وتعشق العمل في الظلام، لأنها تخشى من تسليط الضوء على بيئاتها ليكشف ما في داخلها، لذا نراها تبدو وكأنها هيئات مستقلة عن المجتمع المحيط بها فيصعب اختراقها. 7. من ملامح المنظمات العربية أيضا عدم اعتزاز الموظفين بمنظماتهم فيتحاشون ذكرها في اللقاءات والمناسبات العامة والخاصة، وإن فعلوا فلا يذكرونها بحسن، بل إن بعضهم يكشف سوءتها أمام الملأ. وعندما تصل المنظمات إلى هذا الحد فهذا يدل على أن الموظفين قد وصلوا إلى حالة من اليأس في الإصلاح وإلى درجة عالية من القنوط في التغيير، وهم فقط ينتظرون انهيارًا تنظيمياً يعيد الأمور إلى نصابها. 8. المنظمات العربية أشبه ما تكون بالمؤسسات العائلية، فكما ذكرت في مقال الأسبوع أن أكثر ما يميز المنظمات في البيئة العربية أنها حكر على عائلة بعينها أو قبيلة بذاتها، فلا عجب أن ترى الأب والابن والحفيد يعملون في إدارة حكومية تابعة للدولة. وهذا يدعم الرأي الذي يقول إن الثقافة العربية بما تحويه من أعراف قبيلة، وقيم بدوية، ومعتقدات جاهلية أثرت كثيرا في تركيبة الثقافات التنظيمية للمنظمات العربية. 9. ونتيجة لكل ما سبق ظهرت في هذه المنظمات أنماط قيادية شاذة لم تعرف في أدبيات الأعمال. قسم الفكر الإداري أنماط القيادة وفقا لممارستها إلى ثلاثة أنماط رئيسة: القائد الاستبدادي الذي يطلق عليه ( الأتوقراطي)، والقائد الديمقراطي، والقائد الفوضوي. وجميع أدبيات إدارة الأعمال لم تخرج كثيرا عن هذه الأصناف الثلاثة، إلا أن هناك أنماطا قيادية شاذة أصبحنا نلاحظها في كثير من منشآتنا مثل القائد التوحدي والقائد الأناني، وهذه الأنماط الشاذة أثرت في السلوك التنظيمي والبشري وأفرزت عادات وأعرافا وقيما لم نعهدها من قبل. ورغم أن هذه الأنماط لم تؤصل بعد في الفكر الإداري، إلا أن ظهورها أصبح جليا في المنظمات العربية، خصوصا تلك التي انتشرت فيها البيروقراطية، والواسطة، وتعظيم الولاء للمدير على حساب المنظمة. هذه في رأيي أبرز ملامح المنظمات العربية المحبطة وبما أنه يصعب تغييرها فما علينا سوى قبولها مؤقتا والتكيف معها حتى تأتى موجة التغيير الإداري. وفي مقال قادم- بإذن الله- سأبين وجهة نظري في كيفية التعامل مع هذه الأوضاع المأسوية وهذه المنظمات المحبطة حتى نستمتع بحياتنا الوظيفة ونحافظ على صحة أبداننا وسلامة نفسياتنا ونخرج من الوظيفة برصيد من التجارب والتفاعل والمقدرة على إدارة المتناقضات دون أن نمس مبادئنا أو نتخلى عن قيمنا.
إنشرها