Author

المؤسس عزل شيخ الصيارف وموظفين كبارا بسبب الرشوة واستغلال نفوذهم

|
إن مصطلح الفساد يتضمن في ثناياه مدلولات متعددة، وهو بصفة عامة حاضر في كل زمان ومكان داخل القطاعات الحكومية وداخل المؤسسات التجارية، لأنه مرتبط بأي تنظيم يكون فيه للإنسان نوع من السيطرة كأن يكون صاحب قرار أو يملك قوة احتكار لإحدى الخدمات أو السلع أو ما شابه ذلك، والإنسان بطبعه وسلوكه يميل إلى الطمع، ويتعرض للإغواء والانحراف ما لم يحصنه الوازع الديني، أو تمنعه المبادئ الأخلاقية، أو يردعه الخوف من السلطة وقد يزع الله بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن؛ فإذا علمنا أن التنظيم الإداري للدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز قد مر بمرحلتين مختلفتين متمايزتين ولكنهما متداخلتان وهما مرحلة ما قبل استكمال ضم الحجاز ومرحلة ما بعد ضم الحجاز، فيجب علينا النظر لجهود الملك عبد العزيز في مكافحة الفساد وفق التطور التدريجي لهذا التنظيم ومتطلباته في كل مرحلة؛ ففي حين انصبت المرحلة الأولى على تأسيس الكيان السياسي للدولة، ركزت المرحلة الثانية على تثبيت دعائم الدولة، ولهذا جاء التنظيم الإداري متفاوتاً بين المرحلتين من حيث الأهداف والوسائل والأشكال، ففي المرحلة الأولى ظل كل إقليم محتفظاً بنظامه الإداري المرتبط بتقاليد وأعراف المجتمع المحلي، ورغم غياب المؤسسات الحكومية المركزية التي تشرف على الأعمال الإدارية في المقاطعات كافة، إلا أن الدوائر المحلية حينذاك كانت تقوم مقام السلطة المركزية في الشئون الإدارية المختلفة، خاصة في مجالات الإمارة والقضاء والمالية؛ أما في المرحلة الثانية فقد بدأ التغيير الجذري في التكوين التنظيمي للإدارتين المركزية والمحلية بدءاً من الحجاز، لأن الإدارة في الحجاز كانت ذات تنظيمات مركزية متقدمة نوعاً ما ولذا كانت هي التجربة التي انبثقت عنها الإدارة المركزية للمملكة العربية السعودية. والحقيقة أن الإدارة في الحجاز انقسمت بدورها إلى مرحلتين، الأولى كانت إدارة مؤقتة ومجالس أهلية، والثانية إدارة مركزية في ضوء تعليمات مؤقتة، وأخرى أساسية وأصبح على رأس تلك الإدارة في الحجاز النائب العام حيث عين فيصل بن عبد العزيز نائباً عاماً على الحجاز في 1344هـ/ 1926، وساعده في الإدارة مجلس للشورى تشكل سنة 1345هـ/1926، ثم تطور التنظيم الإداري إلى استحداث مجلس للوكلاء سنة 1350هـ/ 1931، وحتى استقرار التنظيم بتشكيل مجلس الوزراء سنة 1373هـ/ 1953م. وحين تعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد المالي والإداري بأنه (إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص) فإن هذا التعريف سيكون هو المنطلق للتعرف على المرتكزات التي اعتمد عليها الملك عبد العزيز بصفة عامة لتعطيل إساءة استخدام السلطة، ومن أهم هذه المرتكزات: #2# 1 ـ العدل والمساواة لا يختلف اثنان على قوة إيمان الملك عبد العزيز ومدى التزامه الديني وحرصه على تطبيق الشريعة الإسلامية، لذلك فلا غرابة أن تتسم شخصيته بالنزاهة التامة والإنصاف الواضح والعدل المبين دون تفريق بين الصغير والكبير أو القوي والضعيف، فالجميع أمام الشرع سواء، وكل منهم له حقوق وعليه واجبات، بل إنه يرى أن العدل هو أساس الملك وسبب دوامه، ومن كلماته التي تؤكد ذلك بلاغ وزعه بعد دخوله مكة المكرمة سنة 1343هـ/ 1924م جاء فيه: «لا كبير عندي إلا الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا ضعيف عندي إلا الظالم حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حدود الله هوادة ولا يقبل فيها شفاعة...». ومن حرصه على امتثال العدل أنه لم يستثن نفسه من حكم الشرع، فكان من الممكن بكل سهولة أن يرفع عليه أحد المواطنين دعوى أمام القضاء بل ويكسبها أيضاً، فقد أشارت بعض المصادر التاريخية إلى حدوث اختلاف بين الملك وأحد المواطنين حول ملكية أرض زراعية كل يرى أنه الأحق بها، فعرض الملك على خصمه التنازل عنها مقابل تعويض مالي فرفض الرجل العرض وطلب من الملك التحاكم إلى الشرع فقال الملك: «وهل لدينا إلا الشرع؟ ونحن لا نعارض فيمن أراد حكم الشرع ولو في قصورنا التي نسكنها إلا أجبنا طلبه»، ثم تحاكما إلى قاضي الرياض الشيخ سعد بن عتيق، ورغم أن الملك بسبب مشاغله قد وكل وكيلاً عنه فصدر حكم القاضي ضد الملك، وعندما بلغه ذلك استعبر باكيا وهو يقول: «الحمد لله الذي جعل عندنا من القضاة من لم تأخذه في الحق لومة لائم»، وأردف قائلاً: «إننا بخير ما دام هؤلاء العلماء موجودين» ومن الطبيعي أن يتم تطبيق هذه العدالة والمساواة حتى على أقرب الناس إلى الملك، فقد دخل عليه ذات يوم رجل من الشعب متظلما من أحد أبنائه الأمراء الذي أقام قصراً شمل جزءاً من أرض الرجل من غير قصد فاستدعى ولده فأطرق ثم قال: «يخير الشاكي بين هدم عمارة الأمير حتى يسترد أرضه من تحتها أو ينال أربعة أمثال ثمن القطعة مع التعويض المناسب من مال ولدنا الذي اعتدى على أرضه» فوافق الرجل على التعويض ودعا للملك. ويذكر الأمير فواز بن عبد العزيز - رحمه الله - أن والده ضربه مرة بسبب تعديه على أحد الجنود وقال له: هذا الجندي يسواك وكذلك أي مواطن في الشارع لا تعتقدوا أنكم وحدكم أولادي... ولا يمكن أن تكونوا مغرورين أو أي شيء من هذا النوع لأنكم أبنائي هؤلاء أبنائي مثل ما أنا أبوكم». ومن صور العدل الأخرى ما أشار إليه الريحاني في كتابه (ملوك العرب 2/557) أنهم في العقير احتاجوا إلى حطب كثير، وكان قليلا فغالوا البدو في أثمانه، وفي أحد الأيام ساوم قيم السلطان أحد الحطابين على أربعة أحمال فأبى البيع وسار بأحماله فقال القيم: «بدوي.. لولا الشيوخ والله لأدبته» ويردف الريحاني معلقاً بأن ذلك لو كان في أحد المعسكرات الأخرى لتم أخذ الحطب من البدوي بالقوة وبدون ثمن!! ولكن لنتأمل كيف امتنع عامل الملك عن تأديب البدوي خوفاً من الملك العادل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم. ومن أروع صور العدل المتصلة بصورة مباشرة بالمساواة بين أفراد الشعب واحترام الإنسانية وسد أحد منافذ الفساد برقية جوابية أرسلها إلى وزير ماليته ابن سليمان بتاريخ 13/4/1357هـ حينما قال في برقيته: «الرديء من الأرزاق يمكن صرفه للخدام» فجاءه الجواب العنيف الذي يقدم له دروساً في العدل والوفاء واحترام الإنسانية: «من طرف العيش وأنه يمكن أن يكون من قواعد الخدام فهل الخدام ما هم من أولاد آدم؟ هؤلاء مساكين لازم يسنّع لهم الشيء الطيّب؟ إن باعوا استفادوا وإن أكلوا سدهم. الخدام هم الذين يمشون قدامنا بالسيوف وهم الذين ملكنا ملكنا بالله ثم بهم». #3# 2 ـ الاتصال المباشر بالشعب لقد تبنى الملك عبد العزيز سياسة الباب المفتوح والمجالس المفتوحة للتواصل المباشر بين المواطن والمسؤول وهو نهج إسلامي مأثور؛ فمجالسه الخاصة والعامة تعقد بشكل يومي ومن يريد مقابلته لا يمنع عنه أبداً وهو ملتزم بمواعيده لاستقبالهم التزاماً دقيقاً لدرجة أن موظفي ديوانه يضبطون ساعاتهم على حضوره لهذه المجالس. بل إن هذه السياسة تمددت لدرجة أن يحرص الملك على الذهاب إلى الناس في مدنهم وقراهم وصحاريهم لتفقد حاجاتهم والاستماع إلى شكاواهم ضمن زيارات منسقة أو عرضية، وربما التقاهم في أثناء رحلات السفر أو الصيد أو الحج. وقد رأى التويجري في هذا الاتصال المباشر سببا جليا في سيطرة الملك عبد العزيز على الفساد فقال متحدثاً عن ذلك: «قد يتساءل متسائل: من يحميه من الخطأ الذي يفسد القلوب؟ من يحمي العدل من تجاوزات مسؤول بعيد عنه أو قريب منه، زوّر الحقيقة؟.. لنتابع السير إلى أن يقابلنا الجواب ولنحاول هنا وإن كانت المعلومات شحيحة أن ندخل قصره المتواضع ونستمع إليه وهو ينادي صاحب البرقيات، وهذه من أهم الشعب في الديوان، يدخل رجلان أو ثلاثة، رئيس الشعبة ومساعدوه يحملون معهم رزماً من البرقيات من جميع أنحاء المملكة ويبدأ القارئ يقرأ والآخر يكتب الجواب مما يمليه عليه الملك عبد العزيز وفي بعض الحالات يلتفت إلى مستشاريه... ثم ينادي على شعبة القبائل فيدخل إبراهيم بن جميعة فيقول له الملك عبد العزيز: ماذا عندك يابن جميعة؟ فيقول عندي ضيوفك وأبناء شعبك... فيقول كم عدد الضيوف اليوم؟ فيقول: بلغوا حتى الآن 500 أو 600 دون أو أكثر... فتحضر هذه الأعداد أرتالا وراء أرتال كل منهم ينادي يا عبد العزيز عيالي الصغار مالهم أعطية! يا عبد العزيز أعطني ذلولا! والآخر يقول فرسي أصابها المرض فماتت! يا عبد العزيز أعطني مطوعا يعلمني أمر ديني ويعلم أولادي وجماعتي! والملك يرد أبشروا...! يصرخ آخر يا عبد العزيز ضربني ابن جميعة...». بل إن أمر هذا الاتصال المباشر تعدى المجالس واللقاءات إلى درجة الإعلان وتوزيع البلاغات للمواطنين بوجوب رفع شكاواهم ومظالمهم مباشرة إلى الملك ضد أي كائن كان، وتحذير الموظفين من محاولة التأثير في مسار الشكوى حيث جاء في أحد بلاغاته: «على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا وعلى كل موظف في البريد أو البرق أن يتقبل الشكوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد الرعية عن تقديم شكواه مهما كانت قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفف لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد أو عدم نجدة مظلوم أو استخلاص حق مظلوم ألا قد بلغت اللهم فاشهد». وفي حين يؤكد في أحد خطاباته في سنة 1346هـ أهمية التواصل مع الشعب دون وسائط ولا حواجز مبيناً الأسباب التي تدل على حنكته وسعة أفقه ومدى إحاطته بما يدور حوله: «إن التباعد بين الراعي والرعية يدع مجالاً للنفعيين فيحولون الحق باطلا ويصورون الباطل حقاً إذا لم تكن هناك صلة بين ولاة الأمور والأهالي فاختلاط الرعية مع الحكام يقضي على أولئك النفعيين من جهة، ويسهل الأمور ويحل المشكلات من جهة ثانية، فليس بيننا وبين أحد حجاب فالدين لا يأمر بالاعتزال والشرف لا يأمر بالابتعاد عن الناس» تتضح رغبته في إغلاق الباب على هؤلاء النفعيين الذين جبلوا على النفاق وتزيين الأمور للحاكم مهما ساءت، ولذا كان أشد ما يكره قول عامة الناس في نجد (الشيوخ أبخص) التي يراها رمزاً للتملق فيطالب مستشاريه بالصدق والصراحة لأنه لو كان يعلم كل شيء لم يستشر ولم يسأل. صندوق الشكايات وهذا الصندوق كان فكرة جديدة في تلك الأيام طبقها الملك في الحجاز وكان يهدف من خلالها إلى التواصل مع المواطنين الذين لا يستطيعون الوصول إليه لسبب أو لآخر حتى يستطيع تحقيق العدالة ورفع الظلم، مخبراً أن مفتاح الصندوق بيد الملك شخصياً وهو يريد أن يشعر المواطنين بالأمان من مكر البطانة بل يحفزهم للتقدم بالشكوى ضد أي شخص كان مهما بلغت منزلته الوظيفية أو مكانته الاجتماعية، وأعلن ذلك في بلاغ رسمي تم توزيعه في 29 ذي الحجة 1347هـ جاء نصه كما يلي: «إن صاحب الجلالة الملك يعلن للناس كافة أن من كان له ظلامة على كائن من كان موظفا أو غيره كبيرا أو صغيرا ثم يخفي ظلامته فإنما إثمه على نفسه، وأن من كان له شكاية - فقد وضع على باب دار الحكومة صندوق للشكايات مفتاحه لدى جلالة الملك - فليضع صاحب الشكاية شكايته في ذلك الصندوق وليثق الجميع أنه لا يمكن أن يلحق المشتكي أي أذى بسبب شكايته المحقة من أي موظف كان شكايته وينبغي أن يراعى في الشكايات ما يأتي: #4# 1 ــ ينبغي تجنب الكذب في الشكاية ومن ادعى دعوى كاذبة جوزي بكذبه. 2 ــ لا تقبل الشكاية المغفلة من الإمضاء ومن فعل ذلك عوقب على عمله. وليعلم الناس كافة أن باب العدل مفتوح للجميع على السواء والناس كلهم ــ كبيرهم وصغيرهم ــ أمامه واحد حتى يبلغ الحق مستقره والسلام». وهكذا نرى أن هذا الاتصال المباشر للملك عبد العزيز بأفراد شعبه إضافة إلى توثيقه الصلة بين الحاكم والمحكوم فقد ساعد الملك عبد العزيز في توسيع قاعدة المشاركة الشعبية بصفة عامة، كما استفاد منه كأداة فعالة للرقابة الشعبية على المسؤولين والموظفين، إضافة إلى أنه أتاح الفرصة للنخب للمشاركة في طرح الآراء والأفكار، وقد شكل هذا الاتصال قنوات أساسية لمدخلات النظام السياسي والاجتماعي حيث كان وسيلة للتعرف على مطالب المجتمع واحتياجاته كما كان له أثر فعال في تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الناس. 3 ـ حفظ المال العام رغم كرم الملك عبد العزيز المتناهي وجوده الفياض الذي شهد له القاصي والداني فإن ذلك لم يمنعه من ضبط موارد الدولة وصيانتها وحفظ المال العام وحمايته من أيدي العابثين أو إهمال الموظفين أو حيل المتحايلين، فعمل على المتابعة والمراقبة والتدبير والتوجيه وسد الطرق المؤدية إلى ضياع المال بطريقة أو بأخرى، وقد يقول قائل: كان ذلك ضرورة اقتضاها ضعف موارد الدولة قبل اكتشاف البترول؛ ولكن الحقيقة التي يبرهنها التاريخ أن هذه سمة ارتبطت بشخصية الملك عبد العزيز قبل اكتشاف البترول وبعد اكتشافه لأنه من رجال الحكم النادرين النزيهين العفيفين لدرجة أنهم لم يجدوا عنده حين مات إلا 300 جنيه ذهباً وزعت صدقة عليه ولم يرث أحد من أهله شيئاً حتى أن ملابسه بيعت في السوق وأدخلت بيت مال المسلمين، انظر إليه وهو يمايز بين المال العام والمال الخاص في رسالة إلى أبنائه سعود وفيصل ومحمد وخالد بتاريخ 20 ربيع الآخر1349هـ/ 1930م: «رابعاً: ألا تعترضوا أمور ماليتي لا قريبها ولا بعيدها في قليل ولا كثير» ولم يكتف بتنبيه أولاده رغم التزامهم التام بتعليماته وأوامره بل إنه يرسل إلى عبد الوهاب أبو ملحة مدير المالية في عسير محذراً من تدخل كائنا من كان في الأمور المالية للدولة رسالة مؤرخة في 25/6/1349هـ: «... ثم نبلغكم وننذركم من قبل الحوايل التي ترد عليكم من عيالنا أو غيرهم احذروا تسدون منها شيء قطعياً لا كثير ولا قليل وإذا تجريتوا على شيء من ذلك خلافاً لما أمرناكم فلا نقبله ولا نجيزه ويكون ذلكم من مالكم الخاص بل إنكم تتعرضون لعدم رضانا...». والحقيقة أن تمييز الملك عبد العزيز بين المال العام والمال الخاص ولّد لدى أبنائه ردة فعل إيجابية تؤكد التزامهم بذلك سنوات طويلة لدرجة أن ولي عهده ابنه سعود وقد كان مفوضاً في آخر سنوات حكم والده بكثير من أمور الدولة لم يتجرأ أن يصرف شيئا من المالية العامة حتى ولو كانت على سبيل الصدقة على المحتاجين بسبب استحضاره لتعليمات والده حول المال العام فها هو يرسل رسالة إلى مدير مالية سدير بتاريخ 29 رمضان 1370هـ تؤكد هذا الالتزام: «حالاً سنع ثلاثة آلاف ريال... وفرقوها على بيوت المستحقين من الأجاويد الذين ماستهم الحاجة وتكون سرية لا يطلع أحد على ذلك وحولوا فيها علينا وسنسددها لكم من ماليتنا الخاصة...». #5# ومثل ما كان حريصاً على الاستقلال التام لمالية الدولة بمنع أبنائه من التدخل فيها وتوجيه المسؤولين إلى ذلك فكان كذلك يمنع أمراء البلدان من التدخل إلا في حدود الأمور المنوطة بتخصصهم الإداري، بل ويخبر الأهالي بذلك لهدف رقابي، ففي رسالة إلى أهالي ينبع بتاريخ 3 رجب 1345هـ حين عيّن لهم أحد الأمراء قال: «ولا له تداخل في أمور المالية إلا إذا اشتكت عليه المالية في المساعدة في تحصيل بعض وارداتها». ومن وسائله في مراقبة عمال الزكاة ومنع التلاعب في تحصيلها توجيهاته للأهالي في طريقة تسليم الزكاة التي هي من الموارد الرئيسة للدولة حيث جاء في إحدى رسائله: «.. إذا ألفوا على القبيلة وخرصوهم كل قبيلة أو شخص يكتبون أخراصهم في ورقة من الأوراق الذي معهم ويسلمونها لطالبها سوى أنه شخص بنفسه أو أمير القبيلة أما الشخص يعطى ورقة على قدر خراصه وأما أمير القبيلة يعطى ورقة على قدر أخراص جماعته حتى إذا أرادت الحكومة الجباية أو باعت المحصول على أحد يقابل به راعي المال المشتري أو القابض حتى لا يزاد عليه شيء مهوب عليه من الخراص وجميع من زيد عليه أو ظلم ولا رفع أمره للحكومة فهو ظالم لنفسه...». ومن أعماله في حفظه المال العام أنه كان يقدم مساعدة للفلاحين في زراعتهم ولكنه اكتشف أن بعضهم يأخذها في حين لا يوجد في مزرعته ماء فأرسل في 9/7/1362هـ: «من قبل الفلاحين الذين راجعونا إذا صار عندهم ماء يسقون به نخيلهم وأنكم مثبتين فلا بأس فإن كان ما عندهم ماء فلماذا نعطيهم؟...». وحين يرى محاباة وتحايلا في توزيع المال العام على من يستحق ومن لا يستحق لا يجد غضاضة في التنبيه على ذلك والتأكيد على النزاهة والضبط ففي إحدى رسائله إلى التويجري بتاريخ في 5/10/1362هـ يقول: «من قبل الصدقة التي وصلتكم اصرفوها على موجب ما صرفت العام الماضي على الطايحين المقيمين وأما الذين يجون ويروحون فلا لهم فيها سنع ولكن احرصوا على ضبط المسألة لا تعتمدوا على ناس ما لهم ذمة كل يقول هذا ابن خالتي وابن عمي وهذا قريبي ورفيقي ....». وقد بلغ من حرصه على المال العام أن يؤكد على كل موظف يتولى شأناً يترتب عليه التزاماً مالياً بضبط الحسابات بدقة كرسالته المؤرخة في 4 صفر 1346هـ: «... تحرصون غاية الحرص على ذلك وتجتهدون في حفظ الواردات وضبط الخارج وأن يكون حسب المخصص المعتاد». كما جاء في رسالة إلى مسؤول عن وقود السيارات في الدوادمي بتاريخ 15 صفر 1349هـ قبل تفجر ينابيع النفط لدينا تنظيم لطرق الصرف وتحذير من مخالفتها: «... وبعد من طرف البنزين الذي يروح إلى الرياض تسلمون لكل موتر صندوقين وأما الذي يروح من الدوادمي إلى المويه تعطونه صندوقين ونصفا، وكل من يخالف أمرنا هذا ويتعدى عليكم عرفوا به ونحن نجازيه بالعقاب الذي يتأدب به هو وغيره ليكون معلوما والسلام. ومن أخذ زيادة على ما ذكر تعرفنا به وحنا نغثه إن شاء الله مغثة يستأدب بها غيره». ومثلها رسالة أخرى مؤرخة في 28 جمادى الأولى 1348هـ جاء فيها: «... من قبل البترول الذي جميعه والذي خرج منكم قيدوه بورقة داخل وخارج موجب أسماء الذي وصل منهم والذين سلمتوا لهم وتواريخ ذلك...». وفي صورة أخرى يتجلى حرصه على التنظيم الذي يصون المال العام مهما كان هذا المال بسيطاً في نظر الآخرين تظهر في البرقية المؤرخة 24/3/1359هـ التي نصت على: «من قبل براميل البنزين الفارغة حملوها في كل ما يأتي من سيارات قادمة من أي جهة وذاهبة إلى أي جهة كانت يجب على من فيها أن يحفظ براميلها الفارغة إلى المحل المعين ويأخذ بدلها ويحفظها إلى المركز الثاني والتسليم بموجب أوراق منكم ومنهم... السيارات الراجعة للحكومة إذا أخلوا في هذا الأمر ولا أتوا بالبراميل مثل ما ذكرنا أعلاه وعلى شرط أن تكون مصحوبة بمفاتيحها فيكون على السائق عشرة أيام حبس ويؤخذ منه قيمة البرميل المتروك مع زيادة ربع الثمن نكالاً ويخصم من راتبه...». ومن تعليماته الموجهة إلى مديري الماليات تلك المؤرخة في 29/12/ 1349هـ والتي تتضمن إعلاناً للجزاءات والعقوبات المتعلقة بالتجاوزات على المال العام وقد جاء فيها: «وفيما يختص بمديري الماليات وغيرها يجب أن يتبع التعليمات الآتية: 1 ــ في الإهمال الخفيف الذي حصل بحسن نية يكتفى بتنبيه الموظف إلى موضع خطئه. 2 ــ في الإهمال بسوء نية: يجب عزل الموظف ومجازاته ردعا لأمثاله. 3 ــ في حالة الاختلاس: يجب عزل الموظف وتغريمه مقدار ما اختلسه ومعاقبته بعقوبة رادعة تكون معلومة». ومن أطرف الرسائل في هذا الشأن أن مأمور مالية سدير عبد العزيز التويجري استأجر سيارة بأمر الملك تحمله وعائلته فتعطلت في الطريق فرفع برقية يطلب فيها قطع إصلاح للسيارة فجاءه جواب الملك في 19/11/1360هـ: «من طرف العجلات فسياراتنا متعطلة لازمها كفرات وهذه سيارة بالأجرة يشتري لها صاحبها»، وعلق التويجري: هذا الجواب الكريم كأنما يقول فيه رحمه الله: يا مغفل أتحاول أن تغفلني؟ كل شيء حاضر عندي ما غاب عني أنني أمرت لك بسيارة مستأجرة! ورغم أننا لسنا بصدد الحديث عن التنظيمات الإدارية المتعلقة بالجوانب المالية إلا أنه لا تفوتنا الإشارة إلى أن الملك عبد العزيز كان مشغول الذهن بحفظ المال العام، الأمر الذي جعله يستحدث ضمن التعليمات الأساسية للدولة الصادرة في سنة 1345هـ والتي أملاها بنفسه ديواناً للمحاسبة يرتبط رئيسه بالنائب مباشرة ويتولى الرقابة على واردات ونفقات الحكومة. 4 ـ اختيار الموظفين ومراقبتهم كان لدى الملك عبد العزيز قدرة عجيبة على اختيار الأكفاء، وكان حريصاً غاية الحرص على الرجال المخلصين حتى لو كانوا سابقاً من رجال خصومه وله في ذلك فراسة لا تخيب، وقد وضح ذلك في بلاغ وزعه على الناس بعد دخوله مكة سنة 1343هـ: «كل من كان من العلماء في هذه الديار أو من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذا راتب معين فهو له... إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل...». وقد كان - رحمه الله - مهتماً بتوضيح حدود الصلاحيات لأي موظف يتم تعيينه في منصب جديد أو يكلف بمهمة طارئة بل إنه كان يعنى بتعريف الشعب على واجبات هؤلاء الموظفين وحقوقهم فكان لا يترك فرصة دون أن يشير إلى ذلك في مواقف عديدة من خطاباته ورسائله وبلاغته كما جاء في بلاغ رسمي نشر بتاريخ 18/2/1345هـ نص على: «لقد وصل إلى جلالة الملك أن بعض الموظفين يتكلمون بين الناس زاعمين أن لهم أمراً نافذاً على الحكومة ويستطيعون الضر والنفع وهذا أمر يرده كل من له عقل ودراية ولا ترى الحكومة لأحد من الناس حق ضر أحد أو نفعه بغير الطرق التي شرعها الله وليس لموظف ما أي صلاحية في الخروج عن دائرة ما حدد له، نعم أن الحكومة تستنير بآراء الموظفين وتوازنها بالتروي والعدل الخالي من المقاصد، فشفقة على الرعية وردعاً لبعض المغرورين من الموظفين تعلن الحكومة أن لا صحة لدعوى أي شخص لما ليس في وسعه من التأثير على الحكومة وليس بين جلالة الملك ورعاياه أي حجاب فكل ذي مظلمة من الشعب لا يجد النصف من الدائرة التي يراجعها فباستطاعته أن يرفع الأمر حيث يلقى النصف والعدل ولإعلام العموم بذلك صار البلاغ». وربما اختار صغير السن لثقته بقدراته وكلفه بمسؤوليات كبيرة كما فعل مع عبد العزيز التويجري حين كلفه بإدارة مالية سدير ولكنه لم يغفل عن مراقبته ليطمئن قلبه، فأرسل إليه بعد ذلك عبد العزيز بن شلهوب بدعوى إنهاء مهمة من المهام فمكث لديه مدة عشرين يوما يراقب خلالها كل حركاته وسكناته وجلسائه وتصرفاته وقدم هذه المعلومات التي أكدت كفاءته إلى الملك. فاختياره الكفاءات لم يمنعه عن مراقبتهم ومتابعتهم ويطلب من المواطنين معاونته في اكتشاف أي خلل أو تقصير يحدث من هؤلاء الموظفين. هذه المراقبة المستمرة كانت وسيلة فعّالة لضبط الموظفين وتقييمهم، وربما نتج عن هذه المراقبة تغيير للموظفين كما نجده في رسالته لأحد الأهالي في أحد البلدان مؤرخة في 2 صفر 1356هـ قال: «... وأحطنا علماً بما ذكرتم به خصوصاً من جهة الموظفين وعدم التفاتهم لما يصلح البلاد وأهلها فقد سبق أن عينّا بدلهم من الرجال الموثوقين نسأل الله للجميع السداد في الأقوال والأفعال...». وربما عزل الموظفين بسبب إساءتهم في الوظيفة وهذا العزل لم يقتصر على الموظفين في داخل المملكة بل امتد إلى خارجها حيث تم عزل أحد الموظفين الممثلين للملك في الخارج ونشر ذلك في الجريدة الرسمية للحكومة في بلاغ رسمي بتاريخ 9/11/1345هـ - 1927م، وهذا يدل على شدة متابعته للموظفين ومراقبته لهم. ولكنه قبل كل ذلك يحذر الموظفين تحذيراً شديداً من التهاون في تنفيذ الأوامر التعليمات جاء بلاغ رسمي للموظفين بتاريخ 9 صفر 1345هـ ما نصه: «تعلن الحكومة أن جميع ما تصدره من الأوامر العامة في التحذير عن عمل أو الأمر بعمل من الأعمال ينبغي على الجميع إطاعته وعلى الأخص موظفي الحكومة وقد علمت الحكومة أن بعض الموظفين يتهاونون بتلك الأوامر لهذا فليكن معلوماً لدى الموظفين خاصة أن كل من يخالف منهم أمراً من أوامر الحكومة فإن الجزاء الذي قد تعين في الأمر الصادر للمخالفين يضاعف بالنسبة لموظفي الحكومة الذين ينبغي أن يكونوا مثالاً حسناً لكافة الأهلين في الإطاعة وحسن الأخلاق». وحين وصل إليه كلام بعض الموظفين المغرورين بقدرتهم على مضرة الناس أو نفعهم سارع في بلاغ رسمي نشر بتاريخ 18/2/1345هـ ليطمئن الرعية بأنه ليس للموظفين مهما بلغت مكانتهم نفوذ على الملك أو تأثير على قراراته. واستغلال الموظفين نفوذهم لتحقيق مكاسب الشخصية أمر في غاية الخطورة تكرسه الإشاعات في ظل غياب الملك في مكان آخر من مملكته الفتية ولكن الملك التفت لمعالجته بطريقته الخاصة فصدر بلاغ رسمي بتاريخ 24/12/1345هـ جاء فيه: «أشاع بعض ذوي المآرب أنه بعد ذهاب حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم إلى نجد اغتنم بعض الموظفين وسواهم فرصة غياب جلالته فبدأوا بظلم الناس وسلب أموالهم من دون وجه شرعي. ولذلك فقد أمرني جلالة مولاي الملك أن أعلن لعموم الناس أن من حصل عليه حيف أو تعد من قبل أحد الموظفين أو غيرهم أن يقدم شكواه لجلالته ذاكراً فيها اسم الشخص المعتدي عليه ليجازى بما يستحقه». وصدر بلاغ رسمي بتاريخ 15/1/1346هـ يرشد المواطنين إلى إنهاء قضاياهم والرفع للمراجع العليا عند تهاون الموظفين جاء فيه: ليكن معلوماً لدى الجمهور أن من له قضية في إحدى الدوائر عليه أن يطلب إنهاء قضيته من قبل المأمور والمختص فإن لم ينه عمله حسب النظام أو تهاون في إنجازه فعلى المشتكي أن يرفع الأمر إلى رئيس ذلك المأمور فإن لم ينصفه هذا راجع النائب ثم جلالة الملك». ولا نريد التوسع في جوانب التنظيم الإداري الأخرى التي تؤكد اهتمام الملك بالجانب الرقابي على الموظفين والمسؤولين ومن ذلك على سبيل المثال تفويض مجلس الشورى بصلاحيات رقابية كالاطلاع على ميزانيات بعض الدوائر ورخص المشاريع والامتيازات ونزع الملكيات وسن القوانين والأنظمة والزيادة في الميزانيات والنفقات العارضة الزائدة عن 100 جنيه وقرار استخدام الموظفين الأجانب وعقود الحكومة إذا تجاوزت 200 جنيه، لتتسع أعماله بعد ذلك لتشمل العناية بشؤون الحج وتمييز الصكوك من المحكمة التجارية وكلف سنة 1364هـ بالنظر في شؤون لجنة التأديب الخاصة وأعمالها وتمييز مقررات المجالس التأديبية في المملكة. كما أن الملك قد خول المجلس أيضاً صلاحيتين مهمتين هما: 1 ــ لفت نظر الحكومة إلى أي خطأ يقع في تطبيق القوانين والأنظمة. 2 ــ المشروع الذي يرفضه المجلس أو يعدل فيه ولم توافق عليه الحكومة فلرئيس المجلس إعادته للمجلس مرة أخرى لإقناعه بصواب رأي الحكومة فإذا رفضه المجلس ثانية يكون الفصل للملك. 5 ـ التفتيش والإصلاح يعتبر التفتيش من الإجراءات التي اعتمد عليها الملك عبد العزيز للتأكد من تطبيق التعليمات والأوامر، وللاطمئنان على سير أعمال الحكومة، وكذلك اكتشاف الأخطاء وعلاجها، وقد يتم إجراء التفتيش بسبب تقديم المواطنين شكاواهم من بعض المسؤولين أو يكون مجرد إجراء احترازي، وكان ينتدب المندوبين إلى كافة أجزاء البلاد لهذا الغرض وربما أعقب التفتيش تحقيقاً للوصول إلى الحقيقة لاتخاذ القرار الصحيح وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وربما قام الملك نفسه بهذا الدور تحت مظلة تفقد سير الأمور والاطلاع على مجريات المعاملات في الدوائر الحكومية، واستشعاراً لأهمية ودور التفتيش في تقليص واكتشاف مواطن الخلل والتقصير والفساد فقد استحدث الملك ضمن التعليمات الأساسية للدولة سنة 1345هـ مفتشية عامة ذات صلاحيات واسعة ولها رئيس يرتبط بالملك ويعاونه عدد من المفتشين في مناطق المملكة المختلفة وترفع تقاريرها الشهرية عن الأجهزة الإدارية للدولة إلى الملك مباشرة، واستمر التفتيش على مدى العمر الإداري للدولة الوسيلة الفعالة في التقييم والتقويم ولم ينفك الملك عبد العزيز عن إرسال اللجان والهيئات والمندوبين لإجراء التفتيش في كل أنحاء المملكة. #6# لجنة التفتيش والإصلاح بعد ما يقارب السنة من تطبيق التعليمات الأساسية وتحديداً في تاريخ 1/1/1346هـ صدر أمر ملكي بتشكيل لجنة التفتيش والإصلاح والتي تعتبر النواة الأولى للإصلاح ومكافحة الفساد والتي اختصت بالنظر في الشكايات ضد الدوائر الحكومية أو موظفيها، وكذلك دراسة الحالة الإدارية العامة وإقرار ما ثبت بالتجربة صلاحه وإصلاح ما يدعو الحال لإصلاحه، ولم تلبث اللجنة أن أعلنت بلاغاً رسمياً نشرته الصحيفة الرسمية في 8/1/1346هـ جاء فيه: «ليعلم الجمهور أنه قد وضع صندوق مقفل أمام دار الحكومة (باب الحميدية) ليضع فيه أرباب المصالح شكاياتهم واقتراحاتهم المتعلقة بعمل لجنة التفتيش والإصلاح، وهذا الصندوق مقفل بقفل محكم ويفتح مرة كل يوم فعلى كل من له شكوى أو اقتراح أن يضعه في هذا الصندوق». وقد قامت هذه اللجنة بمباشرة مهامها التي تعتمد بالدرجة الأولى على الجولات الميدانية للدوائر الحكومية وتلقي الشكاوى بشأنها، فعقدت اجتماعاتها وانتدبت اثنين من أعضائها لدرس أمور البلدية ثم رفعت تقريرها إلى الملك فصدر قرار بحل المجلس البلدي وإجراء تعيينات جديدة للأمين ومعاونه وعدد من الموظفين إضافة إلى أعضاء شرف وإصدار نظام للبلدية، ورغبة في سرعة الإنجاز وبسبب كثرة الأعمال فقد والت اللجنة اجتماعاتها بدون انقطاع لدرجة أنها كانت تجتمع مرتين كل يوم، فانتهت من البحث في أمور المعارف ورفعت تقريرها إلى الملك مباشرة فصدر الأمر الملكي بالموافقة على نظام مجلس المعارف الذي وضعته اللجنة، كما انتدبت من ينظر في معاملات الإدارات الصحية، وشاركت في اجتماع الجمعية العمومية لمناقشة أوضاع وتشكيلات المحاكم الشرعية والأوقاف والحرم والمعارف وسبل إصلاحها وساهمت بفعالية فيما تلا ذلك الاجتماع من إجراءات وتنظيمات وإصلاحات حول تلك الدوائر، وواصلت اللجنة أعمالها بكل جدية ونشاط فرفعت تقريراً حول دائرة الشرطة إلى الملك كان من أثرها إجراءات العزل والتعيين والنقل لبعض الضباط والأفراد التي تمت في شرطة مكة وشرطة جدة في تلك الفترة، وترفع اللجنة أيضاً تقريراً إلى الملك حول عين زبيدة فيعقب ذلك تعيين هيئة لعين زبيدة. ويمتد عمل اللجنة من مكة المكرمة إلى جدة فيعقد الملك اجتماعاً عاماً مع أهالي جدة غايته فتح أبواب المراجعات والشكاوى والمظالم والإصلاح يؤكد خلالها على تقديم شكاواهم إلى لجنة التفتيش والإصلاح أثناء وجودها في جدة وتقوم اللجنة بممارسة صلاحياتها فتنتدب هيئة مالية للتفتيش على هيئة الكرنتينات فيجري تعيين مراقبين على دوائر الشرطة وتعيين هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعيين مراقبين للمدارس في جدة وكذلك تعيين قاض للأمور المستعجلة، ونظراً لاكتساب اللجنة ثقة الملك بسبب ما اكتشفته من الأخطاء وما اقترحته من إصلاحات في دوائر الحكومة فقد أمرها بالتوجه إلى المدينة المنورة للقيام بدورها في التفتيش والإصلاح لتصدر الأوامر الملكية بعد ذلك بتشكيل مجالس إدارة في كل من المدينة وجدة تشرف على الدوائر وتراقب تطبيق الأنظمة وتحقق في الشكاوى ضد المأمورين وتنظر في المقاولات والمناقصات والأجور وتعرض قراراتها على النيابة، ثم تصدر أوامر أخرى متعلقة بالإصلاحات في المدينة المنورة، حيث تم تشكيل المجلس البلدي في المدينة وتعيين مدير للحرم النبوي ومعاون له وكذلك تعيين مدير للأوقاف ومعاون له وتعيين أعضاء فخريين لإدارة أوقاف الحرم، كما تمت إعادة تشكيل المحاكم وبيت المال ومدرسي الحرم وخطبائه وأئمته وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل امتدت الإصلاحات في المدينة إلى اتخاذ بعض العقوبات فتم في إدارة الشرطة الحسم من مرتب مديرها وفصل ضابطين وتعيين مفوض جديد ونقل الكاتب، وألغيت وظيفتان في دائرة الأوقاف وتم فصل أحد الجباة، وفي دائرة المالية تم فصل بعض الموظفين ونقل بعضهم وإجراء تعيينات جديدة، والحقيقة أن ما ذكرناه من أعمال اللجنة آنفاً وجميع القرارات التي صدرت عطفاً على تقاريرها كل ذلك تم في فترة قصيرة جداً حيث لم تتجاوز ثلاثة أشهر مما يدل على دورها المشهود في برنامج الملك الإصلاحي. #7# ومن أولى القضايا المتعلقة بشكاوى المواطنين التي اضطلعت بها لجنة التفتيش والإصلاح قضية المواطن (حسن سليمان أبو الفرج) التي وضعت اللجنة على أثرها قاعدة عامة خلاصتها أن كل موظف يأتي عملاً مخالفاً لسير العدالة أو يحول بين شخص وحقوقه أو يتجاوز على حقوق الآخرين فإنه يخرج من خدمة الحكومة ولا يجوز توظيفه فيها، وقد نشرت ملابسات القضية وما اتخذ بشأنها في بلاغ رسمي في جريدة «أم القرى» 15 محرم 1346هـ/ 1927 رغم ارتباطها بشخصين من ذوي المناصب العالية؛ حيث قام فريق من الأهالي بتوقيع مضبطة لرفعها إلى جلالة الملك وفيها شكوى من بعض الأمور التي يجريها أطباء إدارة الصحة فانتشر خبر توقيع المضبطة حتى بلغ مسامع مستشاري النائب العام الشيخ (ع. ع) والشريف (ح. ع) اللذين كانا يمثلان الحكومة في ظل غياب النائب العام، فأرسلا في طلب حامل المضبطة وطلبا منه بإلحاح أن يسلمهما إياها فرفض إعطاءها إلا ليد جلالة الملك الكريمة فما كان من أحد المستشارين إلا أن أصدر أمره بتوقيف الرجل لمدة ساعتين فقط!! فرفع شكواه إلى جلالة الملك متهماً المستشارين بالتهم الآتية: أولاً: أنهما تجاوزا على مقام صاحب الجلالة الملك بطلبهما المضبطة التي يراد رفعها إلى جلالته. ثانياً: أنهما أرادا الحيلولة بالقوة دون وصول الرجل إلى جلالة الملك. ثالثاً: أنهما أمرا بحبس الرجل وتوقيفه ظلماً من غير وجه مسوغ. رابعاً: أنهما أهملا التحقيق عن شكاية مرفوعة ضد دائرة رسمية. فأحال جلالة الملك أوراق القضية إلى لجنة التفتيش والإصلاح وطلب منها التحقيق في حقيقة التهم آنفة الذكر فدرست اللجنة أوراق القضية بإمعان تام واستجوبت كل ذوي العلاقة وفي جملتهم المدعي والمدعى عليهما والشهود فثبت لها أن التهم الأربع صحيحة وقررت أنه ليس من صلاحيتهما القيام بما قاما به وأنهما تجاوزا حقوق جلالة الملك، وأنه لا يجوز تركهما بدون عقاب. ثم رفعت اللجنة نتيجة بحثها إلى الملك فأصدر أمره الكريم بعزل كل من الشيخ (ع. ع) والشريف (ح.ع) المستشارين السابقين وحرمانهما من خدمة الحكومة وعزل الضابط (ج) رئيس القسم الإداري في إدارة الشرطة لتقصيره في القيام بوظائفه واشتراكه معهما في هذه القضية. 6 ـ نماذج من مظاهر الفساد التي تعامل معها الملك عبد العزيز أ ــ ادعاءات ملكية الموارد والأراضي: ــ وفي رسالة مؤرخة في 22 رمضان 1353هـ يقول: «كان الناس في أرغد عيش.. وبهذه الأيام قلت مروتهم وكثر شرهم ويحبون طرق الفتن وبالأخص في المياه والموارد كل يدعي أن هذا ملك لي ولأبوي وجدي والملك لله الواحد القهار وبهذا التملك فساد على المسلمين مصلحة الشخص وفساد على العموم فالآن أنا مجري إن شاء الله ما أجرت هذه الشريعة وناهي إن شاء الله عما نهت عنه أما الملك فلا لأحد ملك لا كبير ولا صغير وجميع إنسان يدعي أن له ملك لو أنه معطى عطية ما سوى مني أو من غيري فهو باطل ولا عليه عمل إلا ما تملكه الشريعة إما بنا أو زراعة غير ذلك ممنوع بتاتا وأنهى جميع الناس عنه وجميع من اعترض أو ادعى أو خاصم أو اعتدى فيعرف إن شاء الله ما يغني ماله عن نفسه ولا يقول أحد إني قريب أو رئيس أو معروف الناس في حق الله سوى القوي والضعيف والناس خشر في الماء والكلأ...». ب ــ الغلاء والاحتكار حدث في الحجاز بعد ضمها للحكم السعودي سنة 1343هـ وكعادة التجار في كل زمان ومكان استغل بعضهم الأوضاع فقاموا باحتكار الأرزاق والأقوات في مكة المكرمة وعملوا بوسائط متنوعة على رفع الأسعار ليملؤوا جيوبهم عن طريق ابتزاز أموال الناس رغم توفر الأقوات وفتح سبل الاستيراد وحين رأى الملك عدم وجود موجب لارتفاع الأسعار إلا سلوك المحتكرين نشر بلاغا عاما جاء فيه: «... لذلك قررت الحكومة قرارا قطعيا أن تنذر للمرة الأخيرة هؤلاء المحتكرين بأن يقلعوا عن أعمالهم ويرجعوا عن بغيهم وليعلموا جميعاً أن الحكومة ستضرب بيد من حديد على كل أحد تراه يعمل على احتكار أقوات الناس وأنه لا تأخذها في أحد منهم لومة لائم كائناً من كان فكل شخص يحتكر أي صنف من أصناف المأكولات والأرزاق بعد هذا الإنذار لن يقبل له عذر بعد اليوم ولا تسمع له حجة وكل من خالف هذا الأمر أو نبذ أحكامه وراء ظهره فلن تكتفي الحكومة بمصادرة الأموال المحتكرة فقط بل سوف يكون النكال صارماً والجزاء شديداً ومريعاً ومن قرأ هذا الخبر فليخبر من لم يقرأه وقد أعذر من أنذر». وجاء في بلاغ رسمي آخر بتاريخ 26/4/1344هـ: «2ـ تلاحظ الحكومة أن التجار يتلاعبون في الأسعار بدون موجب فكل تاجر بالجملة أو بالتقطيع يحاول التلاعب بالأسعار ستصادر الحكومة ماله وتبيعه بالمزاد بأنقص سعر. 3 ــ كل من يحاول من التجار وأصحاب الدكاكين وباقي أصحاب الحرف الإضراب عند فتح الدكاكين والامتناع عن البيع والشراء يعاقب بعقوبات مالية وبدنية تراها الحكومة رادعة لأمثالهم». ورغم هذه الإجراءات التي اتخذها في سبيل كباح جماح الاحتكار، فإنه حين فكر من فكر في مشاركة الحكومة للتجار في الأرباح إذا زادت عن 10 في المائة كطريقة لمعالجة الغلاء والاحتكار كان جوابه جواب العارف بالفساد الذي سينتج عن ذلك حيث لخصه في برقية إلى وزير المالية بتاريخ 19/7/1358هـ جاء فيها: «.. فهذا يجعل منه عدة أمور: 1 ــ سمعتنا عند الناس سمعة رديئة 2ـ لا نعتقد أنه يحصل للحكومة منه وارد معقول 3ـ يكون مجال تلاعب الموظفين 4ـ التجار يمتنعون عن جلب أرزاق من الخارج. لذلك فالرأس الصواب أن يعرف الموجود بالضبط ويجري بيعه بأسعار معتدلة بواسطة هيئة والحكومة والأهالي متساوون في الشراء من هذه الكميات والمهم أن يتوفر جلب كميات زائدة من أية جهة تكون تكفي البلاد». ج ــ محاربة الرشوة بكافة صورها ومسمياتها صدر بلاغ رسمي بتاريخ 7/3/1344هـ تعلن الحكومة أنه ممنوع إعطاء الرشوة (البخشيش) وأخذها والسعي بها وقد أعلن من قبل الجزاء الذي يترتب على قابض الرشوة، وأما الراشي فإن جزاءه أن يصادر المقدار الذي قدمه رشوة ويغرم بضعف ذلك وينفذ عليه ما يستحق من أنواع العقوبة. وفعلاً تم معاقبة أحد الموظفين الكبار بعد ذلك بسبب الرشوة حيث أقيل من وظيفته بسبب الرشوة بل ونشر بلاغ رسمي في جريدة «أم القرى» بتاريخ 11/2/1345هـ/ 1926م متضمناً اسم هذا الموظف وجريمته وعقوبته. وقد امتدت عقوبة الرشوة إلى شيخ الصيارف الذي حاول رشوة مديرية الشرطة فنشر بلاغ رسمي في جريدة «أم القرى» بتاريخ 29 شعبان 1345هـ متضمناً اسمه وجريمته وجزاءه ليكون رادعاً لغيره. د ــ عقود الباطن وجاء في بلاغ رسمي سنة 1345هـ: «كل شخص عقد عقداً مع الحكومة متعهداً بعمل من الأعمال أو نائلاً بموجب عقد من العقود حقاً من الحقوق من امتياز أو غيره، فالعقد والامتياز معقود أو ممنوح للشخص العاقد نفسه، ولا يجوز لذلك الشخص أو الأشخاص الحائزين لتلك العقود أن يتنازلوا أو يبيعوا حقاً من تلك الحقوق لأحد من الناس إلا بعد مراجعة الحكومة والاستحصال على إذن خطي منها وكل ما وقع أو يقع مخالفاً لهذا الأمر فهو لغو ولا تعترف به الحكومة بوجه من الوجوه». هـ - استغلال الوظيفة للاتجار والتنفع وحين ثبت عند الحكومة في سنة 1363هـ أن كثيراً من موظفي الإدارة والمالية وغيرها لهم علاقات بالأمور التجارية بل عندهم شركات وعملاء يتجرون معهم بأنواع التجارات ويستعملون نفوذهم بما لهم من سلطة في الإدارة الحكومية لبيع أموالهم وأموال شركاتهم للحكومة بأقيام باهظة غير شريفة ويمانعون من شراء أموال التجار الذين ليس لهم علاقة حكومية كما يجرؤون على اختلاس أموال الحكومة من تطفيف في الموازين في التسلم والتسليم، فأعلن بلاغاً رسمياً نشر في الجريدة الرسمية في 5 محرم 1363هـ يوضح أن هذا التصرف يعتبر خيانة للأمانة ويخل بالدين وبالشرف ويتسبب في ضرر كبير بالبلاد وبالحكومة، وإن الحكومة ستضرب على أيدي هؤلاء الموظفين بيد من حديد ضربة قاضية تكون عبرة لمن تحدثه نفسه بعمل مثل هذا، وذلك حرصاً على كرامة الحكومة وكرامة موظفيها النزهاء وذوداً عن منافع البلاد والعباد، وقد صدر الأمر بما هو آت: أولاً: لا يجوز لأي موظف حكومي أن يتعاطى التجارة بتاتاً، وكل من سبق له تعاطي التجارة قبل إعلان هذا النظام فعليه أن يكف عن الأعمال التجارية، وأن يراجع الحكومة إذا كان هناك ما يستدعي تصفية حساباته التجارية لتعطى له المدة الكافية لذلك، فإذا ظهر أنه مارس التجارة بعد ذلك فيعاقب بأشد العقوبة من حبس وتأديب وإهانة ومصادرة أموال. ثانياً: كل من اشتبه في سوء استعماله سيحاسب على ما سبق من أعماله ويجازى بالجزاء الرادع من حبس وتأديب ومصادرة أموال. ثالثاً: إذا ثبت أن أي موظف بعد نشر هذا النظام اشترك بعمل تجاري مع أحد التجار أو مع إحدى الشركات التجارية أو استعمل نفوذه الحكومي لشراء أموال للحكومة بأثمان تزيد على الأثمان التي تباع بها في السوق التجارية تصادر أمواله ويحبس ويجازى بأشد الجزاء. رابعاً: كل من ثبت عليه من التجار أو الشركات التجارية بأنه يشترك مع أحد الموظفين أو تواطأ لبيع أموال للحكومة بأكثر من ثمنها التي تباع به في السوق مقابل منفعة للموظف يصادر ذلك المال كله ويمنع ذلك التاجر أو الشركة من التعامل والتجارة في البلاد. خامساً: كل من ثبت عليه من الموظفين عمل من الأعمال التي ذكرت في المواد السابقة أعلاه فزيادة على ما تقدم فإنه يجازى بما يراه ولي الأمر بالجزاء الصارم من حبس وتأديب وغيره. سادساً: كل من اطلع من المفتشين أو رؤساء الدوائر أو موظفيها على معاملة تمر به ويشتبه بسوء استعمال فيها ثم لم يلفت نظر رئيسه إليها كتابة يعد مشتركاً في المسؤولية ويجازى حسبما يراه ولي الأمر. سابعاً: كل مفتش أو هيئة تفتيش تنتدب إلى محل ما لإجراء التفتيش ثم يعلم أن هناك أموراً أمروا بتدقيقها ثم بعد رفع التقرير وجه أنها لم تدقق فيعتبر المفتش أو الهيئة مسؤولة عن ذلك وتجازى بما يراه ولي الأمر. ثامناً: إن كل حادث اختلاس أو تواطؤ بين تاجر أو شركة تجارية وبين موظف وقع قبل إعلان هذا النظام فسيجري التحقيق في أمره ويجازى كل موظف وكل تاجر بما يراه ولي الأمر. تاسعاً: إن كلمة الموظف الواردة في هذا النظام تشمل سائر موظفي الحكومة سواء كان أميراً أو عامل زكاة أو موظفاً إدارياً أو مالياً أو غير ذلك من وظائف الحكمة فمن أساء الاستعمال في وظيفته من هؤلاء الموظفين أو ظلم أحداً يجزى بما رآه ولي الأمر من الجزاء الصارم الرادع. عاشراً: على كل الرعايا أن يكونوا عوناً للحكومة في تنفيذ هذا النظام لأنه يتعلق بالمصلحة العامة كل من يطلع على أي عمل من الأعمال التي تخالف الشرع أو تضر بمصلحة الرعايا أو مصالح الحكومة، وعليه أن يرفع ذلك إلى أمير البلد التي يقيم فيها، فإذا أن علم الأمير لم يتخذ الإجراءات اللازمة فعليه أن يرفع الأمر إلى ولي الأمر وعليه أن يتحرى الحقيقة في كل ما يرفعه. و ــ الاستيلاء على أموال الناس وابتزازهم صدر بلاغ رسمي يمنع الناس من السفر إلا بإذن من الحكومة بسبب خروج بعض الناس للخارج وعليهم ذمم مستحقة للآخرين. كما صدر بلاغ رسمي بالتحذير من أناس يستغلون اسم الحكومة للاستيلاء على أموال الناس في الداخل والخارج فنشر بلاغ رسمي بتاريخ 29/7/1349هـ جاء فيه: «اتصل بعلم الحكومة أن هنالك أشخاصاً يدعون أنهم يمثلون هيئات رسمية تابعة لها وأنهم بتلك الواسطة يلعبون بعقول بعض السذج من التجار في البلدان الأجنبية ويبرزون لهم أوراقاً ثبت كونها مزورة لأجل ابتزاز الأموال والنصب والاحتيال. والحكومة تحذر الجميع في الداخل والخارج من التعامل مع هؤلاء الأشخاص والوقوع في فخهم وتعلن أن مفوضيها الرسميين هم فقط دون سواهم معتمدون من قبلها». ز ــ تجاوز التفتيش والرسوم الجمركية وفي برقية بتاريخ 7/4/1372هـ جاء فيها: «بناء على الفساد الذي لمسناه من عدم فتح الطرود والحقائب الواردة للبلاد وإعفائها من رسوم الجمارك وما ظهر لنا من ذلك من تفشي دخول المحرمات... فضلاً عن المضرة التي تحصل على اقتصاديات البلاد فقد أمرنا بما يأتي: 1 ــ لا بد وأن تفتح كل الطرود والحقائب الواردة إلى البلاد... ولا يستثنى منهم أحد. 2 ــ إذا وردت طرود أو حقائب من أي شخص كان أولهم عيالنا وثانيهم خدامنا... فلا بد وأن تفتح لدوائر الجمرك بحضور الموظف المختص وتستوفى عنها الرسوم المقررة، كما هو على سائر الرعايا...». ح ــ حصول الأقل كفاءة على المقاعد الدراسية جاء في رسالة موجهة إلى الشيخ عبد الرحمن بن عودان عند افتتاح دار التوحيد في الطائف في 26/1/1364هـ «وتنتخبون من المدارس الرجال الطيبين أو من الأهالي الذين ما دخلوا المدارس الذين أعمارهم من خمسة عشر سنة إلى خمسة وعشرين سنة الذي فيهم نفع إن شاء الله للدين والدنيا لأجل إني أعرف الناس يدور الرجال الولد الخبل من عياله الذي ما فيه نفع وأما الذي فيه نفع يخليه لتجارته ولكن هذا شيء أنتم المعروفين فيه والمسؤولين عنه...». ط ــ عدم وصول الصدقات للمستحقين: وفي رسالة إلى عبد الله بن محمد بن ناصر بتاريخ 18/4/1370هـ حول توزيع الصدقات يقول: «.. أننا ما أرسلنا هذه الصدقة إلا خاصة للفقراء والمساكين والأرامل والمستحقين لها وأنتم لازم تشتركون مع مندوبينا في توزيع الصدقة على المذكورين أعلاه وهذا أمر من ذمتنا في ذمتكم ولا لكم عذر لأنه قد بلغنا أن بعض الصدقات تصرف على غير مستحقيها... حتى لو رأيتم أمر يخل ولو من هيئتنا ترفعون الأمر إلينا...». ي ــ المغالاة في إيجارات العقارات: وقد لاحظ بعد دخوله الحجاز واستقرار الأوضاع وانتهاء موسم الحج الأول سنة 1343هـ أن تجار العقارات في مكة المكرمة بدأوا يستغلون الأوضاع لصالحهم برفع الإيجارات فأصدر بلاغاً أكد فيه بقاء الإيجارات كما كانت في السنة السابقة ونظم طريقتها وشكل لجنة بمسمى (مجلس العقار) لتكون مرجعاً للنظر في الدعاوى المتعلقة بالعقارات. ك ــ التلاعب بأوراق الانتخابات: رغم أن العمل الانتخابي المنظم كان سلوكاً تنظيمياً جديداً على ممارسة الملك الإدارية السابقة قبل دخوله الحجاز إلا أنه أيد انتخاب المجالس الأهلية والبلدية وعمل على تنظيمها ومشاركتها في إدارة البلاد ولكنه تنبه إلى إمكانية التلاعب في الانتخابات بطريقة أو بأخرى فأصدر بلاغاً تنظيمياً بتاريخ 8 محرم 1344هـ جاء ضمن فقراته «... يجب أن تكون الانتخابات حرة وللجميع حق الاشتراك فيها وكل من يتلاعب بأوراق الانتخاب يجازى أشد الجزاء». ل ــ التدخل في الخصومات والقضايا: تعلن الحكومة بأنه لا يجوز لأحد من الناس كائناً من كان أن ينظر في شأن أي قضية من القضايا التي قدمت للمحكمة الشرعية للنظر فيها. إن الحكومة لا تسمح لأحد أن يقف أمام المحاكم ليدافع عن الناس إلا إذا وكله أحد الخصمين وكالة شرعية تقبلها المحكمة؛ والحكومة ترغب أن ترى الخصمين يختصمان أمام القضاء ليجري حكم الشرع في القضايا بغير محاباة ولا مراوغة. المصادر والمراجع: أعداد من جريدة أم القرى / تنظيمات الدولة في عهد الملك عبد العزيز، إبراهيم عويض العتيبي / لسراة الليل هتف الصباح ـ عند الصباح حمد القوم السرى لعبد العزيز التويجري / شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، خير الدين الزركلي / من وثائق الملك عبد العزيز، عبد الرحمن السبيت وآخرون / خمسون عاما في جزيرة العرب، حافظ وهبة / توحيد المملكة، محمد المانع / من حياة الملك عبد العزيز، عبد العزيز الأحيدب / الإدارة المحلية في عهد الملك عبد العزيز، إبراهيم العواجي وناصر التويم / وثائق عبد الرحمن عبد الله أبو بكر في الدوادمي.
إنشرها