Author

الفرد وبناء القرار

|
ليس من السهل أن نصنف شخصا ما على أنه مثالي أو قريب من المثالية في الجوانب الشخصية بل حتى المثالية في هذا المجال لا تعد مطلقة ومع ذلك يدخل الإنسان هنا إلى حدود السواء ولكن هذا السواء يأتي نتيجة تراكم مجموعة كبيرة من الخبرات المختلفة الإيجابية والسلبية ومدى تأثر الإنسان بها وهذا الخليط المكون من الأحداث المحيطة يتفاعل مع نفسية الفرد ليكون الشخصية. ولعل لمفهوم الصواب والخطأ والحلال والحرام نصيبا كبيرا في بناء فكر الإنسان وما يتبع ذلك من آثار نفسية ترتبط بمفهوم تلك الخطوط الحمراء والخضراء في التربية الأسرية والمدرسية، ولا شك أن التربية المدللة من قبل الوالدين هي رديف أساسي للتربية المهملة أو النمط اللامبالي وذلك لأن كلا القطبين لا ينجحان في صناعة محك الإنسان الذي يحمله في داخله الذي من خلاله يستطيع أن يحكم على الأمور ويقيمها حيث إن الحماية عالية الدرجة في التربية المدللة، أما الحماية فتكون غائبة في التربية المهملة ولكن كلا الأمرين يوصلان إلى فقدان الحصول على بناء المحك للطفل، فالطفل المدلل اعتاد أبواه أن يتخذا قراره بحجة أنهما يعرفان مصلحته أكثر، أما الطفل المهمل فلا أحد يهتم بأمره وهو في حالة قصوى من الضياع، وفي كلتا الحالتين لم يتعلم الطفل ماذا يعني الحلال وماذا يعني الحرام وبالتالي هو غير قادر على اتخاذ أي قرار بأي حال من الأحوال وفي حالة اتخاذ أي قرار، فلا نستبعد أن يكون ذلك القرار واقعا في منطقة الخطأ دون أن يعلم ذلك الطفل الذي سيصبح فردا بالغا فاقدا أبسط المعايير الخاصة بالحكم على الموضوعات والأحداث التي تواجهه، وانطلاقا من هنا فنحن بحاجة إلى تنمية الرقابة الداخلية وهي موضوع لا يمكن إغفاله في سبيل تحقيق وترسيخ القيم والمبادئ الخاصة بالفرد نفسه، ولا أعتقد أن النصائح اللفظية تكفي ولا الندوات ولا المحاضرات التوجيهية ولكن الاختبار الأول والأخير هو تجربة الفرد في كيفية اتخاذ القرار وإدراك مدى أهمية أو عدم أهمية ذلك القرار، و كلما كان القرار الذي يتخذه الفرد سليما كان بناء المحك لديه من الأساس سليما. ولعل الرقابة الخارجية ليست حلا للتأكد من إيجابية تجربة الابن ولكنها موقف وقتي لا يضيف إلى الشخصية سوى فقدان الثقة بالنفس والتردد ولكن المهارة في تنمية الرقابة الذاتية التي تلعب دورا كبيرا في تطوير الفرد وزيادة ثقته بنفسه هي الحل الأمثل في بناء الفرد فيصبح الفرد يفرق بين الحلال والحرام دون أن يحتاج إلى من يراقبه وهو الحل الأمثل للتربية.
إنشرها