Author

تهم التحايل على العملاء باسم المصرفية الإسلامية .. الأسباب والحلول (3 من 4)

|
في المقالين السابقين تحدثت عن أبرز اعتراضات المشككين في مصداقية التعاملات المالية الإسلامية بشكل عام والتعاملات المصرفية الإسلامية بشكل خاص، ومدى جدية المصارف في الالتزام بالتطبيق الشرعي لها، وتحدثت أيضاً عن دور مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' والهيئات الشرعية المختلفة في التأكد من مصداقية ذلك النوع من التعاملات، وأنها تتم بالدقة المطلوبة بما يحقق حماية مصالح العملاء ويجنبهم أن يكونوا عرضة للغرر أو للتدليس أو حتى للجهالة. في هذا المقال سأتناول موضوعاً آخر مهماً للغاية يرتبط باختلاف فتاوى الهيئات الشرعية للبنوك، باعتبار أن عملية إصدار الفتوى الشرعية لأي منتج من منتجات البنوك الإسلامية ليست بالمسألة السهلة وتحتاج إلى توافر عناصر مهمة يمكن من خلالها أن تخرج الفتوى الخاصة بالمنتج إلى حيز الوجود بالشكل الذي يسمح للمنتج أن يكون فاعلا ومفيدا لجميع الأطراف القائمة على إنتاج المنتج الإسلامي واستخدامه الاستخدام الشرعي الصحيح. جدير بالذكر أن العناصر المطلوبة لتحديد الفتوى وإصدارها تشكل الأسس الرئيسة، التي يقوم عليها تصور طبيعة المنتج والغرض منه، وتحديد إجازته شرعيا، ومدى توافق إجراءاته مع أحكام الشريعة السمحة، ونتيجة للاختلاف في هذه العناصر من مكان إلى آخر على مستوى العالم يحدث الاختلاف الحاصل حاليا في الفتاوى الشرعية الخاصة بالبنوك ومنتجاتها، كما أن هناك عناصر مهمة أخرى لا تقل من حيث أهميتها عما ذكر، مثل الخلفيات الفقهية لدى أعضاء الهيئات الشرعية وأيضا تنوع المذاهب الفقهية، وبالذات لدى التصور أو إبداء الرأي في أي منتج. ولطرح مثال على ما تقدم لعلي أذكر بالحالة الشهيرة لأحد البنوك الإسلامية المعروفة عندما حرمت الهيئة الشرعية للبنك شراء الذهب أو الفضة عن طريق بطاقة الائتمان، وظلت لفترة تدعو البنك إلى ضرورة توقيع عميل البطاقة لديها إقرارا بعدم استخدام البطاقة لشراء الذهب أو الفضة، لكن بعد فترة من الزمن عادت الهيئة لتجيز ذلك بعد أن قيض الله لها من يشرح طبيعة التعامل بالبطاقة، بما ينفي علة الإجراء التي استندت إليها الهيئة الشرعية في عدم جواز الإجراء وأجازت شراء الذهب والفضة عن طريق بطاقات الائتمان، وهذا يعد تحولاً جذريا له دلالاته عند المعنيين باختلاف الفتاوى. وبحسب موقع فقه المصارف الإسلامية على الشبكة العنكبوتية وفي معرض رد الشيخ الدكتور عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، على سؤال عما هي أسباب اختلاف العلماء في مسائل الصيرفة المعاصرة؟ فقد أجاب الشيخ بالتالي: ''إن أحكام الصيرفة المعاصرة، هي من أحكام الفقه الإسلامي، وإن أسباب الاختلاف في أحكام الصيرفة هي أسباب الخلاف في الفقه الإسلامي، لأن أحكام الصيرفة جزء لا يتجزأ من الأحكام في الفقه الإسلامي، لكن من أهم أسباب وقوع الخلاف في مسائل الصيرفة الإسلامية المعاصرة تصور الوقائع المحكوم عليها، فقد يتصورها بعض العلماء بصورة غير التي تصورها علماء آخرون، فإذا تصور هؤلاء العلماء مسألة الصيرفة أو مسالة الفقه الإسلامي المعينة مثلا بهذا الشكل ثم حكموا عليها ثم أتى آخرون فتصوروها تصورا آخر وحكموا عليها، نتج عن ذلك الاختلاف في التصور بالاختلاف في الحكم، ولهذا نماذج معينة من مسائل البيوع، وهي كثيرة جدا''. وهناك رأي للشيخ الدكتور يوسف الشبيلي، عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي يرجع اختلاف العلماء في المسائل المالية المعاصرة إلى أسباب متعددة، حيث على سبيل المثال، اختلف الفقهاء على مسألة الإلزام بالوعد في بيوع المرابحة، وقد يكون الخلاف ناشئا عن الاختلاف في تكييف العقد، كما في العمولات، التي يأخذها البنك من التاجر في بطاقات الائتمان، فمنهم من يرى تحريمها على أنها فائدة مقابل القرض، أو أجر على الضمان، ومنهم من يرى جوازها على اعتبار أنها أجرة مقابل السمسرة، أي التسويق للتاجر. وقد يكون الاختلاف لفظيا، وهو ما يسميه أهل العلم اختلاف التنوع، بأن يفتي البعض بتحريم عقد من العقود لاشتماله على بعض المحظورات الشرعية، ويفتي فريق آخر بالجواز بضوابط تنتفي معها تلك المحظورات، ومن أمثلة ذلك عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، حيث أفتى مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة بتحريمه، وصدر قرار مجمع الفقه بجوازه بضوابط، وليس بين القرارين فيما أرى تعارض، فصورة العقد التي تداولها قرار هيئة كبار العلماء لا تتوافر فيها الضوابط التي تضمنها قرار المجمع. مما تقدم نخرج بأن اختلاف الفتاوى على مستوى الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية يعد أمرا واقعا يجب على البنوك الإسلامية والمتعاملين معها إدراك أسبابه والعمل على التعايش معه، ولا سيما إذا عرفنا أسباب حدوثه وبيئة العمل التي أفرزت هذا الاختلاف. من هذا المنطلق، ينصح بضرورة تكثيف ملتقيات الهيئات الشرعية المختلفة في البنوك الإسلامية بعضها مع بعض على الأقل على المستوى المحلي أو الإقليمي لتقليص الفجوة بين الاتجاهات الفقهية، وزيادة التلاقي في الأفكار، ما سيعمل على تضييق تلك الاختلافات إلى أقل درجة ممكنة، وسيبعث بالطمأنينة على نفوس جمهور عامة الناس المتعاملين مع التعاملات المالية الإسلامية المختلفة. والله من وراء القصد.
إنشرها