Author

الملك عبد العزيز.. باني دولة وليس قائد ثورة

|
من الخطأ أن توصف ملحمة توحيد المملكة العربية السعودية بأنها نتاج ثورة قام بها الملك عبد العزيز ــ رحمه الله، فالثورة كما يُعرّفها البعض: عمل شعبي عنيف يُفضي إلى تغير جذري مفاجئ في الأوضاع السياسية والاجتماعية، كما يعرفها آخرون بأنها: انفعالات جماهيرية مدمرة، والبعض يرى أن الثورة تحدث نتيجة ''ضرورات اقتصادية''. وإذا كانت الثورة غالباً ما تحدث بشكل مفاجئ، ويكون التغيير سريعاً، فهي في الغالب تكون مصحوبة بتصفية للخصوم، تتبعها تصفيات بين الفرقاء، لينتهي الأمر بزعامة الأقوى، فهدف معظم الثورات الوصول إلى السلطة، وإن غُلفت بأسبابٍ أخرى تلامس عواطف الناس. الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ لم يأت من فراغ، فهو سليل أسرة أقامت دولة بسطت نفوذها على مساحاتٍ واسعة من الأرض، ثم سقطت بسبب عوامل خارجية، لتعود وتسقط مرة أخرى بسبب عوامل داخلية، ولهذا كان لديه هدفٌ سام، تمثل في إعادة هذه الدولة من جديد على أسسها الدينية وجذورها التاريخية، وتلافي عوامل السقوط في الدولتين الأولى والثانية. إذاً كان لدى الملك عبد العزيز هدفٌ كبيرٌ وواضح المعالم، هدفٌ يتمثل في بناء دولة راسخة الجذور، وليس الثورة على حكم قائم، ولهذا نجده سعى للاستعانة بالقادرين على المساهمة في بناء الدولة، حتى لو كانوا من خصوم الأمس، بعد أن أحسن إليهم وأكرمهم وأنزلهم منازلهم، فأصبحوا فيما بعد عوناً له في جميع مراحل التأسيس. حتى قيل: إنه ما من شخص عاداه، وبقي حياً يُرزق إلا عاد إليه طوعاً، بسبب حسن تعامله وصدقه مع الناس. الملك عبد العزيز بدأ خطوته بثلاثة وستين رجلا، استطاع بهم أن يستعيد الرياض، ثم سعى إلى توحيد البلاد عبر جهاد طويل وصعب، شاركه فيه أبناء هذه البلاد على مدى 32 عاماً، لينتهي الأمر بقيام المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر وحدة عربية في عالمنا المعاصر. هذه الدولة الراسخة الأركان التي أسسها الملك عبد العزيز، واستطاعت رغم ما مر بها من ظروف صعبة البقاء أمينة على مبادئها، صادقة في تعاملها، علينا واجبٌ كبيرٌ في المحافظة عليها، والذود عن حياضها، والسعي لتقوية أركانها، وحفظ منجزاتها وثرواتها، لتدوم دولة قوية، تنعم بخيراتها الأجيال القادمة، فهذا الوطن أسس ليبقى، وبقاؤه رهن بأبنائه ومدى شعورهم بالمسؤولية تجاهه، وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ''علينا أن ندرك أن ما نحن فيه اليوم تحت ظلال هذه الدولة المباركة والوحدة العظيمة والمنهج السليم ما كان إلا بفضل من المولى ــ عز وجل ــ أولا، ثم بفضل جميع المواطنين في هذه البلاد الذين قدموا الجهدَ والتضحية والالتزام الثابت بمبادئ الدولة الصحيحة''. ونحن نعيش الذكرى الحادية والثمانين لتوحيد المملكة علينا أن نسترجع تلك الجهود العظيمة التي بذلت، وأن ندرك أن هذا الوطن بحاجة إلى تكاتف أبنائه واستشعارهم المخاطر المحيطة به، والعمل على تجنيب الوطن كل سوء، بالعمل المخلص الجاد القائم على تقديم مصلحة الوطن على أية مصالح أخرى. هنيئا لوطننا الغالي بيومه، وهنيئا لنا بهذا الوطن الخيّر، ودامت بلادنا عزيزة بقيادتها وشعبها الوفي. اللهم احفظ لهذا البلد أمنه واستقراره، وأدم عليه الخير.
إنشرها