Author

الملحقيات الثقافية ووزارة المالية

|
■ إذا نحن إزاء استقصاء السلبيات في إدارة التنمية في السنين الماضية، يبرز لنا في هذا السياق عدم التوسع في (امتلاك المقرات) لمختلف ممثليات الأجهزة الحكومية خارج المملكة، فلدينا الآن المقرات المستأجرة بأسعار قد تصل إلى عشرين أو خمسة وعشرين من قيمتها السوقية!! وهذا أضاع علينا فرصة ذهبية لبناء أصول وطنية تدخل في حسابات الناتج الوطني! هل المشكلة من وزارة المالية أم من الأجهزة الحكومية المختلفة التي ربما تساهلت أو تجاهلت أو ربما بالغت في التكاليف المقدمة لوزارة المالية، والوزارة مؤتمنة على المال العام؟ بالنسبة لوزارة المالية أجزم أن المسؤولين هناك لديهم الحسابات التي ترجح أنهم يدعمون التوجه إلى شراء المقرات وامتلاكها، ويدعم هذا الرأي ما نراه من توسع بعض الوزارات، فمثلا وزارة التعليم العالي، طبقا للدكتور خالد العنقري، أنهت تملك 80 في المائة من مقرات الملحقيات الثقافية حول العالم (مجموعها33)، وفي الأشهر الثلاثة الماضية افتتحت الوزارة المقر الكبير للملحقية الثقافية في أمريكا والأسبوع الماضي افتتحت مقرا مهما للملحقية في باريس. هذا التوجه للوزارة لم يتحقق بدون تفهم ودعم وزارة المالية، فالعلاقة الإيجابية بين وزارتي المالية والتعليم العالي في السنوات الأخيرة أدت إلى تنفيذ توجهات خادم الحرمين الشريفين لتحويل التعليم العالي بمؤسساته ونشاطاته وبرامجه الدولية ليكون ضمن الأنشطة السيادية الرئيسية للدولة. التوجه القوي لإيجاد مقرات رئيسة حيوية مدعومة بالإمكانات يخدم صورة وسمعة المملكة في العالم التي تراجعت بعد 11 سبتمبر. في السابق كانت الملحقيات في مقرات متواضعة المكان والإمكانات، وهذا لا يليق بسمعة المملكة ولا يخدم توجهات المسؤولين الذين لديهم الرغبة في إقامة الأنشطة واستقطاب الكفاءات. طفرة التعليم العالي تحتاج إلى المقرات المدعومة بالإمكانات حتى تستطيع أن تقوم بدورها في التواصل العلمي والثقافي، وهذا الجانب أصبح أحد الأركان الأساسية للدبلوماسية الشعبية، ولا يمكن أن نحقق ما نتطلع إليه في هذا الميدان المهم بدون استثمار إمكاناتنا الوطنية، بالذات الطلاب السعوديون الذين ينتشرون الآن في العالم، وهؤلاء رصيد وطني مهم للسياسة السعودية الخارجية وللدبلوماسية الشعبية الوطنية . التعليم العالي أيضا ليس طلابا يدرسون فقط، بل يقوم على اتفاقيات عديدة وفي مختلف المجالات ومع أهم الجامعات ومراكز الأبحاث في العالم، وهذه الاتفاقيات العلمية والثقافية نتج عنها عشرات المشاريع العلمية والبحثية وأثمرت عن العشرات من الزيارات الميدانية، كذلك هناك البرامج التي جرى تفعيلها بين الجامعات العالمية وجامعاتنا الجديدة الناشئة، وهذه البرامج فتحت المجال للأساتذة والطلاب السعوديين ونظرائهم الأجانب لإقامة المشاريع التعليمية المشتركة، وهذه أوجدت قناة مهمة للتواصل العلمي والثقافي، وفتحت المجال للعشرات من الأساتذة الأجانب لزيارة مدن المملكة المختلفة وكانت فرصة لاكتشاف تاريخ المملكة والحضارة الإسلامية. أيضا الملحقيات الثقافية بإمكاناتها الجديدة دعمت وسهلت استقطاب وزيارات الباحثين والعلماء، وهذا أدى إلى تطوير المشاريع مع العلماء الحاصلين على نوبل وغيرها من الجوائز العالمية، وكذلك أدى إلى المساعدة على تطوير مشاريع الكراسي العلمية التي أطلقتها الجامعات السعودية، كل هذه التطورات الإيجابية في بيئة التعليم العالي تحتاج إلى المقرات الدائمة والمعززة بالإمكانات والموارد البشرية، وهذا ما عملت عليه وزارة التعليم العالي ودعمته وزارة المالية.
إنشرها