«ناسا» ترسل المسبارين التوأمين «غريل» لرسم خريطة جاذبية القمر من جديد

«ناسا» ترسل المسبارين التوأمين «غريل» لرسم خريطة جاذبية القمر من جديد

أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أنها أطلقت المسبارين التوأمين "غريل" لرصد ومسح التغيُّرات الطفيفة الطارئة على قوة الجاذبية في المنطقة المحيطة بكوكب القمر. وقالت الوكالة إن الصاروخ "دلتا" وضع المسبارين على مسارهما، إذ تمَّت عملية الإطلاق في قاعدة كيب كانافيرال الجوية في ولاية فلوريدا الأمريكية في تمام الساعة 13:08 بتوقيت جرينتش. وستكون رحلة المسبارين إلى القمر بطيئة، إذ ليس من المتوقَّع أن يدخلا المدار قبل حلول العام المقبل. وتأمل الوكالة بأن يتمكَّن العلماء من خلال المعلومات التي سيجمعها المسباران من تكوين نظرة جديدة عن البنية الداخلية للقمر. وقالت إن من شأن المعلومات الجديدة أن تفسِّر عديدا من الألغاز، مثل شرح سبب التباين بين القسم القريب المضيء من القمر والجزء البعيد المظلم منه، بما في ذلك المساحات البركانية الشاسعة المظلمة، التي تُعرف بـ "بلاك ماريا" أو "بحار الظلمات". وأضافت أن المعلومات المزمع الحصول عليها ستكون "أداة استكشاف لا تُقدَّر بثمن ستُستخدم لسبر أغوار المستقبل، إذ قد تمكِّن سفن الفضاء الأخرى من تنفيذ عمليات هبوط أكثر دقة". يُشار إلى أن لدى العلماء حاليا بعض الخرائط والمسوحات المتعلقة بالجاذبية القمرية، إلاََّ أن معظم المعلومات التي تتضمنها تم الحصول عليها عبر عمليات تتبُّع الاهتزازات والاضطرابات التي رُصدت في مدارات سفن الفضاء السابقة أثناء دورانها حول القمر. لكن تلك الخرائط والمسوحات رديئة للغاية، وخصوصا تلك المتعلِّقة بالجانب البعيد والمظلم من القمر. أمَّا الآن، فيأمل العلماء أن تسهم المعلومات التي يُتوقع الحصول عليها عبر "غريل" في إنتاج نوع جديد من الخرائط والمسوحات تكون أكثر دقَّة وجودة من سابقاتها. يقول الدكتور روبرت فوجيل، العالم المسؤول عن برنامج "غريل": "سيكون التحسُّن الذي سيحدثه "غريل" في مجال الجاذبية على الجانب المضيء من القمر أفضل بمائة مرة ممَّا هي عليه الحال في الوقت الراهن. أمَّا على الجانب المظلم البعيد، فسيكون الأمر أفضل بألف مرة من الوضع الحالي". ستكون معرفة طبيعة المناطق المظلمة في القمر من الأسرار التي سيعكف العلماء على فكِّها، ويضيف الدكتور روبرت لـ"بي بي سي" "تخيَّل أنَّك تحاول رؤية شيء دقيق (مجهري) بعينيك المجرَّدتين، ومن ثمَّ تضع فجاة أمامك عدسة بطاقة تكبير 100 مرَّة أو حتى ألف مرَّة، طبعا سيكون لديك عالم آخر مختلف، وهذا بالضبط ما سنحصل عليه من غريل". يُذكر أن اسم "غريل" مشتقٌّ من اختصار الأحرف الأولى للكلمات التي تؤلف اسم مختبر "كرافيتي ريكفري آند إنترنيال لابوريتروري" باللغة الإنكليزية (Gravity Recovery and Internal Laboratory). أمَّا مهمته الحالية فشبيهة للغاية بتصميم مهمة المسبار "غريس"، وهو مشروع مشترك بين "ناسا" ووكالة الفضاء الألمانية، وهو يقوم حاليا بمسح التغيُّرات التي تطرأ على جاذبية الأرض. وسيقوم المسباران التوأمان "غريل" بإجراء قياساتهما عبر التحليق على ارتفاع 55 كيلو مترا عن سطح الكوكب، وهي عملية دقيقة تمَّت دراستها بعناية فائقة. تسارع وتباطؤ وبينما تحلِّق السفينة الرئيسية عبر مجال متقطِّع من الجاذبية القمرية وتمر بمراحل تسارع وتباطؤ صغيرة، تقوم السفينة الثانية بالتحليق وراءها على بعد نحو 200 كيلومتر، وتلتقط تلك الذبذبات والاضطرابات الطارئة. من جانبها، تقول الدكتورة ماريا زبير، الباحثة الرئيسية في مشروع "غريل" من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا: "بإمكاننا أن نقيس المسافة بين هاتين المركبتين وإن تضاءلت إلى درجة أقل من خلية الدم الحمراء في الجسم البشري، وهو تغيُّر يعادل بضع عشرات من الميكرون (جزء من ألف من الملليمتر) في الثانية من سرعة هاتين السفينتين". وعندما يتم تركيب الخريطة اعتمادا على معلومات طبوغرافية واستبيانات قابلة للمقارنة وتظهر سطوح المناطق المرتفعة والمنخفضة من الكوكب، يجب أن يتمكََّن العلماء من استنتاج الماهية التي يكون عليها التركيب الداخلي للقمر وتكوينه المحتمل. وتلك هي المعرفة الجوهرية التي يجب أن تستند إليها النظريات التي تتحدث عن كيفية تشكُّل كتلة القمر وعملية تطوُّر الكوكب عبر الزمن. وستكون معرفة طبيعة تلك المناطق المنبسطة المظلمة على سطح القمر من الأسرار والألغاز التي سيعكف العلماء على فكِّها في أعقاب الرحلة، إذ سيحاولون الإجابة عن التساؤل التالي: في التاريخ المبكِّر للقمر، تُرى لماذا أصبحت الأحواض الناجمة عن الاصطدام، والواقعة في الجزء المضيء من الكوكب، مغمورة بالبازلت، بينما لم يحصل الأمر ذاته في المناطق الأبعد الواقعة في القسم المظلم منه؟ وسيتم استخدام الخريطة الجديدة لجاذبية القمر لاختبار وقياس النظريات المختلفة بهذا الشأن. ومن الأفكار الأخرى المثيرة التي انبثقت أخيرا، وستلقي رحلة "غريل" الضوء عليها هي فكرة أن المرتفعات الواقعة في القسم البعيد من القمر تشكَّلت نتيجة اصطدام خفيف للقمر بكوكب آخر أصغر منه. ففي الشهر الماضي، نشر فريق من الباحثين في مجلة "نيتشر" المتخصصة خلاصة ورقة بحثية أظهرت كيف أن أثر التصادم المفترض ذاك قد يكون أفرز مادة إضافية تراكمت على غلاف الكوكب وفي الجزء المظلم منه. المسباران التوأمان "غريل" خلال فترة الإعداد نجاح مهمة "غريل" سيعني أنه سيمكن في المستقبل إرسال مسبارات أو مركبات شبيهة إلى أي مكان آخر من النظام الشمسي. وحول تلك الدراسة يقول الدكتور زبير: "عندما شاهدت تلك الورقة للمرة الأولى، اعتقدت أنها دراسة غريبة. لكنني عندما قرأتها، أدركت أن تجارب المحاكاة التي تم اعتمادها كانت جيدة وناجمة عن تفكير مدروس بعمق. كما أنها طرحت تنبُّؤات محددة وقابلة للقياس والاختبار ويمكن التطرق إليها عبر دراسة المعلومات التي سيتم الحصول عليها من خلال المسبارين". وملخَّص القول أن نجاح مهمة "غريل" سيعني أنه يمكن مستقبلا، على الأقل نظريا، إرسال مسبارات أو مركبات شبيهة إلى أي مكان آخر من النظام الشمسي بغرض دراسة الجاذبية أو أي أجسام كوكبية أخرى حسب ما نقل موقع شبكة bbc.
إنشرها

أضف تعليق