Author

واقع الصناعة النفطية في روسيا والآفاق المستقبلية (1 من 2)

|
روسيا هي اليوم ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد المملكة (بضمنها النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية)، حيث تنتج حاليا أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، وثاني أكبر مصدر للنفط، حيث بلغ متوسط حجم صادراتها من النفط الخام فقط في عام 2010 نحو 5.5 مليون برميل يوميا. الحجم الفعلي للاحتياطيات النفطية المؤكدة في روسيا غير معلوم بصورة مؤكدة، حيث تعتبر هذه البيانات سرية حسب القانون الروسي. لكن تقديرات المصادر المستقلة في هذا الشأن تشير إلى أن احتياطيات روسيا المؤكدة من النفط الخام تراوح بين 60 و200 مليار برميل، في المتوسط تعتبر كافية لإدامة الإنتاج الروسي على مدى العقود الخمسة المقبلة. روسيا تعتبر دولة كبيرة من حيث المساحة، حيث إن مساحتها من الأرض تقدر بأكثر من 17 مليون كيلو متر مربع، مع ذلك فإنها تمتلك شبكة واسعة من أنابيب النفط والسكك الحديدية، التي تتزايد طاقاتها باستمرار، موفرة بذلك لشركات النفط فرصا جديدة من الإمدادات وشبكات التوزيع. لقد شهد إنتاج النفط الروسي نموا هائلا في وقت مبكر من العقد الماضي، ثم تباطأ معدل النمو بصورة كبيرة بعد ذلك عندما اقترب الإنتاج من عشرة ملايين برميل يوميا. في بداية العقد الماضي وبالتحديد في عام 2001 كان متوسط إنتاج النفط الروسي نحو 6.9 مليون برميل يوميا. في نهاية عام 2010، تجاوز إنتاج النفط الروسي عتبة عشرة ملايين برميل يوميا، لكن معدل النمو كان متفاوتا للغاية خلال تلك الفترة، حيث ارتفع متوسط الإنتاج السنوي في السنوات الأولى (2001 - 2004) بين 500 و700 ألف برميل يوميا، ثم تهاوى متوسط معدل النمو السنوي إلى 200 ألف برميل يوميا للفترة بين (2004 و2007). يعود السبب للنمو الكبير في إنتاج النفط الروسي إلى الزيادة الكبيرة في أسعار النفط، حيث ارتفعت أسعار النفط العالمية من نحو 26 دولارا للبرميل في المتوسط في عام 2001 إلى نحو 100 دولار للبرميل في المتوسط في عام 2008، انخفض سعر النفط في عام 2009 إلى نحو 62 دولارا للبرميل في المتوسط، ثم ارتفع بعد تعافي الاقتصاد العالمي وارتفاع الطلب العالمي على النفط أيضا. كما كان لتطبيق تقنيات الإنتاج الحديثة، مثل تقنيات الحفر الأفقي وتقنيات التكسير Fracturing Techniques الحديثة، وانخفاض قيمة صرف الروبل، الأثر الكبير في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة معدلات الاستخلاص من حقول النفط الروسية القديمة في غرب سيبيريا. في الوقت نفسه نما الاقتصاد الروسي خلال هذه الفترة نتيجة ارتفاع الضرائب على إنتاج النفط والصادرات ما أسهم بصورة كبيرة على زيادة عائدات النفط وتوسيع ميزانية روسيا. في عام 2004، تم فرض ضريبة جديدة على تصدير النفط، حيث تجاوزت معدلات الضرائب على صادرات النفط 90 في المائة، ما أدى إلى ازدهار صناديق واردات النفط وسمح لروسيا لاستخدام هذه الأموال الضريبية للميزانيات السنوية المتزايدة. لقد بلغ سعر النفط ذروة 147 دولارا للبرميل الواحد في تموز (يوليو) 2008، بدا في حينها أن آفاق المستقبل للاقتصاد وإنتاج النفط الروسي ستكون مزدهرة. لكن الانخفاض الحاد في أسعار النفط في كانون الأول (ديسمبر) 2008 إلى نحو 35 دولارا للبرميل بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في أيلول (سبتمبر) 2008 أدى إلى حدوث تحول في إنتاج النفط الروسي. حيث إن انخفاض أسعار النفط وارتفاع الضرائب على صادرات النفط الروسية أديا إلى انخفاض في إنتاج النفط بدأ في أيلول (سبتمبر) 2008 واستمر ستة أشهر حتى شباط (فبراير) 2009، وبحلول آذار (مارس) 2009 استأنف إنتاج النفط الروسي نموه السنوي من جديد، واستمر في الارتفاع حتى وقتنا الحاضر، لكن بصورة متواضعة مقارنة بالسنوات الأولى من العقد الماضي. لقد كان للأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في الجزء الأخير من عام 2008 وامتدت حتى عام 2009 أثر كبير في الاقتصاد وإنتاج النفط والغاز في روسيا، حيث إن تعثر اقتصادها يعكس مرة أخرى مدى اعتمادها على أسواق الطاقة. النمو الذي شهده إنتاج النفط الروسي في النصف الأول من العقد الماضي تباطأ بعد عام 2005 انخفض لأول مرة في عام 2008، ما حدا بالحكومة الروسية إلى أن أصدر حوافز ضريبية لتشجيع مصادر الإمدادات الجديدة في مناطق الإنتاج العالية التكلفة، خصوصا في المحافظات الشمالية والشرقية في سيبيريا. لقد بدأ الإنتاج الجديد من جزيرة سخالين في عام 2007 - 2008 ما أدى إلى تعويض الانخفاض في حقول النفط الروسية القديمة في غرب سيبيريا، حيث أدى مزيج من الحوافز الجديدة، بدأ الإنتاج من جزيرة سخالين ومن عدد آخر من الحقول الصغيرة الجديدة في سيبيريا الشرقية إلى زيادات طفيفة هامشية في إنتاج النفط خلال الفترة المتبقية من عام 2009 حتى الوقت الحاضر. لقد ارتفع إنتاج النفط الروسي بنحو 41 في المائة تقريبا للفترة من الممتدة من عام 2001 حتى كانون الأول (ديسمبر) عام 2010. النمو في إنتاج الغاز الطبيعي الروسي لم يكن مشابها لنمو الإنتاج النفطي، حيث إن متوسط النمو في إنتاج الغاز من الحقول الروسية بين عامي 2001 و2010 كان 0.5 في المائة فقط سنويا، من 554 إلى 610 مليارات متر مكعب في السنة. بما أن إنتاج شركة غازبروم من الغاز يمثل نحو 85 في المائة من إنتاج الغاز الروسي، فإن صناعة الغاز في روسيا وأوروبا مرتبطة ارتباطا وثيقا بها. لقد ارتفعت الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، السوق الرئيسية للغاز الروسي، بصورة مستمرة منذ بداية عام 2001 حتى عام 2007. لكن في عام 2007 أدى الجو الدافئ في فصل الشتاء في كل من روسيا وأوروبا إلى انخفاض استهلاك الغاز وإنتاجه. انتعش الإنتاج الروسي في عام 2008، على الرغم من أن إنتاج شركة غازبروم من الغاز لم يرتفع بصورة مماثلة في عام 2008. وانخفض إنتاج الغاز الروسي في عام 2009 من جديد مقارنة بمستويات عام 2008، من 621 إلى 546 مليار متر مكعب في السنة (من 24.4 إلى 20.6 تريليون قدم مكعب في السنة) وذلك بسبب توقف إمدادات الغاز إلى أوروبا لمدة أسبوعين بسبب النزاع الروسي - الأوكراني في كانون الثاني (يناير) 2009 (80 في المائة من إمدادات الغاز الأوروبية تمر عبور أوكرانيا)، والانخفاض الحاد في الطلب على الغاز في أوروبا الناجم عن الأزمة الاقتصادية العالمية. نتيجة لذلك قامت شركة غازبروم بخفض إنتاج الغاز من حقول الغاز الحالية وأجلت الاستثمارات في حقول الغاز الجديدة في مقاطعة يامال وفي المناطق البحرية لمقاطعة شتوكمان. في الوقت الحاضر تخطط روسيا لبناء خطوط أنابيب جديدة للنفط والغاز لتعزيز فرص التصدير، أو لخلق بدائل عن خطوطها القائمة التي تمر في أراضي بعض شركائها. على سبيل المثال خط أنابيب الغاز الطبيعي الشمالي North Stream المقترحة لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق هو قيد الإنشاء حاليا. في حين أن خط الأنابيب الجنوبي South Stream الذي سينقل الغاز عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ومن ثم إلى وسط أوروبا لا يزال يبدو عالقا في كثير من المشاكل بما في ذلك تكلفته العالية جدا، ولا يوجد في الأفق أي فرصة لبداية العمل بهذا الخط. من ناحية خطوط تصدير النفط، روسيا ماضية في خط أنابيب النفط عبر شرق سيبيريا إلى محطة كوزمينو، بالقرب من ميناء ناخودكا في الشرق الأقصى الروسي. لقد تم إكمال المرحلة الأولى من خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادئESPO بالكامل، التي هي بطول 1700 ميل، التي تمتد من منظومة الأنابيب القائمة في غرب سيبيريا إلى محطة تايشيت في منطقة إيركوتسك وتمتد بعد ذلك إلى سكوفورودينو على بعد 45 ميلا من الحدود الصينية. تعتبر انطلاقة صادرات النفط الخام عبر خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادئ ESPO خطوة كبيرة بالنسبة للبنية التحتية لتصدير النفط في روسيا، حيث إن البنية الحالية تركز على تصدير النفط الروسي نحو الغرب إلى أوروبا. الطاقة التصديرية للمرحلة الأولى من خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادئ ESPO، 600 ألف برميل يوميا.
إنشرها