Author

مستقبل ليبيا المشرق

|
ليبيا بلاد صحراوية واسعة تقل مساحتها بقليل عن مساحة المملكة، ورغم المساحة الجغرافية الشاسعة لليبيا إلا أن عدد سكانها لا يتجاوز ربع سكان المملكة. ويتركز الوجود السكاني في ليبيا بشكل رئيس على الشريط الساحلي الطويل على البحر المتوسط، وتحتضن العاصمة طرابلس نحو ربع سكان البلاد. وتمتلك ليبيا ثروة نفطية كبيرة ولديها أكبر احتياطات نفطية في إفريقيا. وكانت ليبيا تنتج قبل الحرب ما يزيد على مليون ونصف مليون برميل يوميا يصدر معظمها إلى الخارج، بينما تستهلك ليبيا نحو سدس إنتاجها النفطي. ويتميز النفط الليبي بنوعيته الجيدة ويستفيد من موقع ليبيا القريب من أوروبا، مما يرفع من أسعار النفط الليبي ويزيد من دخل ليبيا النفطي. وقد تبنى القذافي العديد من السياسات الاقتصادية الهوجاء خلال ما يزيد على 40 عاماً، والتي بدأها باشتراكية غير فعلية وأنهاها برأسمالية فاسدة خاصة به وبأولاده وحاشيته. وأدت سياساته الاقتصادية إلى إلحاق أضرار بالغة بالاقتصاد الليبي. وكان بمقدور ليبيا أن تحقق معدلات نمو اقتصادي أعلى بكثير مما تحقق في العقود الأربعة الماضية وأن تصبح واحدةً من أغنى دول العالم لو كانت تحت قيادة رشيدة. فخلال فترة حكم القذافي اتصفت علاقات ليبيا الخارجية بعدم الاستقرار، وتأثرت بمزاجية القذافي وصبيانيته مما حد كثيراً من تدفق الاستثمارات والخبرات الأجنبية وانتقال التقنية. كما حدت تصرفات وسياسات القذافي من ثقة واستثمارات الأطراف الخارجية والمحلية, ومنعت تأسيس مشاريع محلية وأجنبية كبيرة طويلة الأجل. وإضافة إلى ذلك تبنى القذافي العديد من السياسات الاقتصادية المعطلة للنمو، وأهدر الجزء الأكبر من موارد ليبيا النفطية على مغامراته الخارجية الفاشلة، وسعيه للزعامة العالمية، وترف أسرته وأتباعه. وتأمل ليبيا في تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة بعد إقصاء القذافي وشرذمته من الحكم، حيث تملك ليبيا إمكانات كبيرة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي كبير مستقبلاً. فهي تملك ثروات نفطية ضخمة تستطيع أن توفر من خلالها السيولة اللازمة لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية التي أهملت بدرجة كبيرة خلال حكم القذافي. ومن المتوقع أن تستقطب ليبيا استثمارات جديدة وضخمة في مواردها النفطية ستساعدها في مضاعفة إنتاجها النفطي خلال عدة سنوات. وإضافة إلى ذلك باستطاعة الحكام الجدد في ليبيا إعادة بناء المؤسسات الحكومية من جديد، والتخلص من الفساد الذي كان يمارسه القذافي وحاشيته. وباستطاعة الثوار أيضاً إعادة صياغة الأنظمة والقوانين التي تضمن العدالة وتحفظ الحقوق وتشجع الاستثمار والإبداع وتقلل من الروتين الحكومي إلى أدنى مستوى. وباختصار شديد فمن المؤكد أن الثوار سيسعون إلى بناء دولة المؤسسات والقانون والتخلص نهائياً من حكم الأفراد الذي دمر ليبيا وأزهق حياة عشرات الآلاف من شعبها. وإذا ما استمروا في الحفاظ على وحدتهم، والقضاء على فلول القذافي وأعوانه، ونجحوا في بناء دولة القانون فإن هذا سيمهد إلى نهضة اقتصادية كبرى في ليبيا. وتستطيع ليبيا استغلال موقعها الجغرافي لتكون مركزاً للتجارة والنقل بين أوروبا وإفريقيا، وبين المشرق العربي والمغرب العربي. صحيح أن حجم التبادل التجاري ضعيف بين الدول الإفريقية الواقعة جنوب ليبيا وأوروبا وبين المشرق والمغرب العربي، ولكن المستقبل يحمل آمالاً مرتفعة لنمو التجارة بين هذه المناطق. وستسهم ليبيا في نمو التجارة بين هذه الأطراف إذا طورت البنية الأساسية اللازمة لنقل السلع والمواد الأولية والمسافرين والعمالة بين هذه المناطق. وباستطاعة ليبيا أن تكون مركزاً للعديد من الصناعات المعتمدة على ثروات القارة السمراء وعلى التقنية الأجنبية إذا وفرت مناخاً جيداً للاستثمار ووضعت البنية الأساسية الجيدة لنقل السلع والأفراد، فهي قريبة من أسواق المواد الأولية والعمالة الرخيصة في إفريقيا وقريبة من الأسواق الأوروبية الضخمة. إن المستقبل يحمل الكثير من بشائر الخير لليبيا وشعبها الذي عانى كثيرا إبان حكم القذافي، وخصوصاً إذا نجح الثوار في بناء دولة المؤسسات والقانون، والتي سترسي قواعد العدالة الاجتماعية. وقد ضحى الشعب الليبي كثيراً للتخلص من النظام الفوضوي للقذافي ولن يتنازل عن هدفه في بناء دولة ترسي أسسا قوية للعدالة وضمان حقوق الإنسان والتي تعتبر مطلبا أساسيا للنمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن تحقق ليبيا معدلات نمو اقتصادية جيدة مستقبلاً، ولكن عليها الاستفادة من تجارب دول الخليج العربية وتتبنى السياسات التي تجنبها تفاقم معدلات التضخم والاعتماد المبالغ فيه على العمالة الأجنبية ومعضلات السكن والاختناقات التي ستحصل في المرافق الأساسية بسبب ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.
إنشرها