Author

الملك والرؤية الثاقبة بالتحضير للمستقبل بأدبيات الحوار

|
قرأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أيده الله - واقع هذه الأمة باكرا، حينما استهل مشروعه بحوار الأديان والثقافات منذ ما يربو على ست سنوات، وفور وصوله إلى سدة الحكم، ما يؤكد بجلاء أن هذا القائد الاستثنائي يملك رؤية استشرافية ناضجة، استطاعت أن تقيس حجم التحديات التي تواجهها الأمم فرادى وحضارات، ووقف بدقة على مسببات تلك التحديات وأدوات مواجهتها الفاعلة التي يأتي على رأسها الحوار، وكان من الطبيعي أن يبدأ بتبني الحوار الوطني عبر مؤسسة وطنية أصبحت الآن كيانا حضاريا قائما بذاته تحت قبة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ومن خلال جملة من البرامج المتنوعة التي تتناول مختلف القضايا التي تهم الوطن وأبناءه، ليؤسس لثقافة الحوار داخل المجتمع السعودي كسبيل وحيد لمقاربة الأفكار وإزالة التوجسات من أذهان المتحاورين، ولم يقف - يحفظه الله - عند هذا الحد عندما أدخل مشروع حوار الحضارات إلى الرواق الأممي، إيمانا منه بأنه البديل الحضاري لحوار النزاعات والفتن والحروب. لقد ظل - يحفظه الله - ينادي في كل مناسبة ببث ثقافة الحوار كصيغة إنسانية واعية لتلمس احتياجات الشعوب والتناغم مع تطلعاتها، حتى قبل ما يسمى الربيع العربي، ليقينه بأن الحوار والحوار وحده هو الضمانة الحقيقية للرخاء والاستقرار والوصول إلى تلك القواسم المشتركة التي يلتقي حولها الجميع، وبادر بنفسه في قمة الكويت إلى تجاوز كل الخلافات ليفتح كل أبواب الحوار، في سابقة لا تزال تسجل باسمه كزعيم انتصر وينتصر لأمته كل يوم بالاقتراب منها، والبحث عن كل ما يجلب لها العزة والمنعة، ويجنبها الشقاق والنزاعات الدامية ويعصف بمقدراتها، وهو الرجل الذي ترجم كل هذه المعاني مع شعبه عندما استبقهم بخطواته ومشاريعه إلى أحلامهم. هذه الرؤية الحكيمة لا يمكن أن تصدر إلا عن قائد وهبه الله القدرة على قراءة الواقع بأدوات المستقبل واستحقاقاته، ومن غير عبد الله بن عبد العزيز، هذا الذي ينبض بقلوب مواطنيه كما ينبضون هم في قلبه، يستطيع أن يستشرف هذا البعد بكل هذه الدقة ويلح في غير مناسبة على وضع الحوار على رأس أولوياته لثقته الأكيدة بأنه الباب الحضاري الذي يحقق الدخول إلى تحقيق معنى المواطنة في أزهى وأبهى صورها، طالما كانت الغاية هي خدمة الوطن وصيانته من المخاطر. قد لا تأتي مخرجات الحوار بشكل مادي سريع يمكن أن يتجسد في قرار هنا أو قرار هناك، لكنه في المحصلة يبني الكثير من الجسور بين أبناء الوطن والأمة، ويمهد الطريق للثقة، ويغرس أجمل القيم القادرة على نزع فتيل التوجسات أو الشكوك بنوايا الآخرين، وهذه المحصلات كفيلة بنفي الخلاف وتحويله في أقصى مدى إلى اختلاف في الرؤية إن لم تتجاوزه إلى الاتفاق. وهذا ما أراده خادم الحرمين الشريفين عندما استطاع أن يمد جسور الحوار في مختلف الاتجاهات. وكلماته المعبرة لدى تسلمه التقرير السنوي لنشاطات مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في مكة المكرمة في أواخر آب (أغسطس) الماضي، وإشارته إلى أن الحوار يمثل أنجع الأساليب وأجداها لتحقيق الانسجام والوئام بين أبناء المجتمع وشرائحه وتوجهاته، معتبرا أن الاختلاف في الآراء وتنوع التوجهات أمر واقع ونتيجته طبيعة من طبائع الناس، وأن أي حوار لا يلتزم بمنهج الحوار الصحيح وقواعده وآدابه يتحول إلى فوضى، محذرا من مغبة غياب الحوار، أو الوقوع في فخ التصنيفات الفكرية، كل هذا يؤكد بجلاء كيف تتأصل الحكمة في هذه الرؤية، التي تعمل على أن يتعايش الجميع مع الاختلاف والتنوع، على اعتبار أنه من الصعب التعايش مع الخلاف الذي لا ينضبط بضوابطنا الشرعية والوطنية، مؤكدا ثقته الكاملة بأبناء هذا الوطن وبناته الذين يرتبطون بروابط الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ الوحدة الوطنية التي أرسى دعائمها الملك عبد العزيز - رحمه الله - وهو المنهج الذي من شأنه أن يجمع الناس تحت لواء المواطنة، بتجسير المسافات بين الرؤى والأفكار بعيدا عن التصنيف الفكري، لتصب كلها في حوض الوطن، لخدمة تنميته وتحقيق عوامل ازدهاره.
إنشرها