ثقافة وفنون

"مباشر ولكن".. فترة البث غير المفهومة ، برنامج "المقالب" غير المقصود!

"مباشر ولكن".. فترة البث غير المفهومة ، برنامج "المقالب" غير المقصود!

لا أعرف – حقيقة – كم هو المبلغ الذي تم به تعميد الشيء الذي يسمى "مباشر ولكن" ويبث في القناة السعودية الأولى ولكني متأكد من أنه كان خسارة فادحة مهما كان قليلا، فهو لم يعد بمقابل حقيقي يمكن تقديمه للجمهور، وإنما قدم لهم عوضا ذلك دقائق من البث الذي يعد مقترحا مثالياً لكل من يريد أن يخسر وقتاً وذهناً وأعصاباً أيضاً، والسؤال هنا ..هل يعرف الأشخاص الذين اعتبروا هذا العمل شيئا قابلا للمشاهدة..أي خطأ ارتكبوا؟ إحدى مشكلات الكتابة عن شيء كهذا هي أنك لا تعرف بماذا ستصفه، هو ليس مسلسلا ضمن ماهو متعارف عليه لمفهوم المسلسل، وهو ليس حتى حلقات "سيت كوم" لها منهجيتها وسياقها الذي يتم التنويع عليه من حلقة لحلقة، أو حتى من مشهد لمشهد داخل حلقة واحدة، هو ليس حتى فقرات ستاند أب كوميدي، ولا حتى برنامجاً يوثق محاولة تصوير تلفزيوني.. إنه عمل بلا هوية، الطريقة الوحيدة لفهمه هو أن تلاحظ أنه يعرض في الفترة التالية لمسلسلي"سكتم بكتم"و"قول في الثمانيات" والتي دأبت القناة الأولى لسنوات عدة على تخصيصها لبرامج المقالب والكاميرا الخفية، لم يختلف الأمر كثيرا هذه المرة إذا استثنينا حقيقة أن "مباشر ولكن" لم يقم بعمل المقلب على المارة في الشارع وإنما على التلفزيون نفسه حين أقنعه بأنه يستحق العرض في فترة بتلك الأهمية. عمل مشوش يصعب التركيز فيه على شيء بعينه، سنحاول فهم شيء من العنوان الذي يتضمن إشارة لبث حي "مباشر" تتبعه "لكن" وياله من استدراك يطول بامتداد الحرج الذي قد يقع فيه مذيع يتحدث على الهواء أمام الملايين، حين يخطئ ولا يكون ثمة مجال للتصحيح أو لإعادة المشهد، إنه تماما ما يحدث في هذا العمل، لقد بدأ العرض فعلا..لكنه يستمر لأيام قد تصل إلى الشهر، فيما لا مجال لإعادة النظر في الأمر..أو لمخاطبة التلفزيون بأقل العبارات تشاؤما..."هل يمكنكم لو تكرمتم إيقاف البث خلال هذه الفترة، حتى يحين موعد الانتقال للمادة التالية؟" في محاولة جديدة سنحاول فهم شيء من شارة البداية التي تدور في دوامة من الفوضى اللفظية لا يربطها أي شكل موضوعي وتتخبط داخل لحن رديء من النوع الذي يرتجله أي شخص يحاول التهكم "غنائياً" على أي شيء مستخدما أي عبارة تخطر على باله، ولهذا لا يبدو غريباً أن تمر جمل من قبيل "زنقة زنقة" في تلك الشارة، هكذا اعتباطاً، ودون أي سياق أو توظيف يمكن الاستدلال على ملامحه، تأتي بقية المفردات بالصورة نفسها، ومن الصدف أن إحدى العبارات التي تدور في تلك الفوضى اللفظية هي جملة "نجح العمل"! تحاول في مرحلة أخرى، أن تفهم طبيعة العمل..إنه يحاول أن يصور كواليس قناة فضائية من خلال مجموعة الشباب الذين يمثلون طاقم العمل فيها، بالإضافة إلى مدير القناة، ومالك العمارة التي تتخذها القناة من إحدى شققها مقرا لها، والشخصيتين الأخيرتين يدور أداؤهما غالباً حول شكل واحد تقريباً هو حالة عصبية يبدو واضحا أن تمثيلها يتم بصعوبة شديدة، وبمبالغة شديدة أيضاً، بالإضافة إلى شخصيات أخرى تم الاستعانة بها لإضفاء طابع كوميدي على عمل يتسم في أغلبه بكثير من الانفعالية غير المفهومة، والمشكلة أن الإضافات الكوميدية المفترضة كانت تفتقر إلى أدنى درجات الإقناع الفني واتكأت فقط على تهريج ارتجالي يعتمد على العبث الشكلي واستخدام اللهجات كموضوع للسخرية لا كقالب لها، هذا لا ينفي عموما وجود أسماء تملك الموهبة وتجيد ماتقوم به كمحمد بكر، وعماد اليوسف، لكن خانها فقط أن تقوم به في الإطار المناسب. إجمالاً ، تصوير الكادر وفرق العمل ليست جديدة على الأعمال المحلية أو العربية ، بينما فكرة قراءة كواليس القنوات الفضائية في حد ذاتها جيدة ويمكن توظيفها بشكل جميل وضمن مفارقات وشخصيات وأحداث يمكنها أن تصنع أفقها الدرامي الواسع ضمن هذا الموضوع، لكن تطبيق الفكرة كان سطحياً ومستعجلاً حد أنه لم يعد يوحي بها بل أضاعها بين أصوات الصراخ المستمر، بعض المبالغات لم تكن منطقية كأن يشك صاحب العمارة في عبارة "بلاك بيري" ويظنها خمراً ولا أعرف كيف للمشاهد أن يصدق أن الرجل كان يعيش خارج العصر وداخل ثقافة الملاهي والمشروبات المحرمة في وقت واحد، كما أن فكرة أن يتحول استوديو القناة إلى حلبة صراع بين جارين تم تمديدها على مدى حلقة كاملة، وهو مايعبر عن أحد عيوب هذا العمل وهو افتقاره للحبكة الدرامية ولجوؤه عوضاً عن ذلك للتمدد أكثر من اللازم داخل أحداث عادية جدا، في الوقت الذي يفترض به حسب الوقت المتاح له، أن يلعب على وتر الدراما العصرية، والمفارقات المكثفة التي تقوم على كوميديا الموقف، وعلى مقومات فنية مقنعة، إضافة إلى وجود سمات شخصية خاصة لكل ممثل من الممثلين، وليس كما هو الحال الذي يجعل "مباشر ولكن" عملا يدور بالكامل بين مجموعة من الكومبارسات الذين لا يقدم أي منهم، أي أداء لافت للنظر، إذا استثنينا المفارقة غير المقصودة التي قدمها العمل حين أظهر المخرج التلفزيوني بشخصية هادئة وهذا يختلف تماما عن الصورة النمطية له! باستثناء أنه مدة البث الأكثر استفزازا في الفترة الذهبية لرمضان، وإحدى الطرق العملية الكثيرة للتأكد من أن صناعة الدراما المحلية تمر بمأزق لا يستهان به، بخلاف أنه أحد أسوأ الاستخدامات غير المسؤولة لعناوين عريضة مثل "تشجيع الشباب"و"معالجة قضايا المجتمع"..وأحد أكثر الأعمال شحاً في الإقناع الفني أو المهني..نريد أن نعرف فعلا ..ما هو"مباشر ولكن" هذا؟ يقترح عليك محرك البحث عبارة "مسلسل رمضاني سعودي يتناول العديدُ من قضايا المجتمع ويتطرق للتقاليد بمفهوم الحداثة , يتوجه للجيل الجديد من الشباب ويناقش قضاياهم بالمقام الأول أسمه " مباشر ولكن " وهو أسم على مسمى" ولكن القالب الإنشائي الذي استخدمته عهدة التسويق اليوتيوبي لم تكن قادرة على إقناع الأصوات الجماهيرية المعلقة والتي اتجه أغلبها إلى انتقاد العمل، وبعبارات أقل إنشائية وتصنعاً ولكنها أهم قطعاً لأنها تعبر عن رأي المشاهد الذي يعد الرهان الفعلي، يصرخ أحدهم كتابياً "قولولي صوت مين هذا اللي بيغني ؟ ممكن اعرف وش علاقته بالغناء حتى صوت مافيه ؟ انا لله وانا اليه راجعون.. القناة الاولى السعودية بعد ما قلنا تطورت شوي بدأت ترجع لمسلسلات تافهه ومالها اي جمهور، نكتفي بالنقد الموجه للوزارة والاعلام.. قهرتوني شوفولكم حل !" فيما يعلق آخر على الشارة "أغنية فاشلة وفيها تناقض شديد جدا في اللحن ، الله يرحم امك ياللي لحنتها لاعاد تلحن اغاني ، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه" في حين يختصر ثالث تعليقه قائلا، ".مسلسل جدا بدائي ، لاعاد تسوون مسلسل مره ثانية". ليس لدى الجمهور مايكسبه حين يمدح، ولا مايخسره حين ينتقد، لأنه ببساطة المحك الحقيقي لأي منتج ثقافي أو فني أو إعلامي، وهذا يخضع بطبيعة الحال إلى معايير المسح والاستفتاء والنسبة، تماما كما يخضع لقواعد النقد، ولأبجديات الانطباع الذي لا يمكنه أن يكون مع أو ضد هكذا دون سبب، ستأخذ وقتاً طويلا للتفكير في أن كثيرا من المواد لم تجد فرصة العرض هذا العام على اعتبار أنها أخضعت جميعها لاختبار جودة كانت نتيجته هذه الأعمال التي نتحدث عن أحدها الآن..تقول المعلومات أن هذا المنتج تم تعميده بمبلغ زهيد، ومازلت أرى أنه خسارة أيضا..فالوضع الطبيعي هو أن يدفع التلفزيون تعويضا لمشاهديه عن مكابدة هذه التجربة. أخيرا، حتى التهريج..له منهجية وشكل يمكن التعرف عليه، لكن في حالة"مباشر ولكن" فنحن نتحدث عن مدة بث ..هذا هو التعريف الأمثل في تقديري، وهذه المدة خالية تماما من الأخطاء..لسبب بسيط هو أنها خالية من أي شيء آخر!
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون