Author

حتى لا تضيع هوية «التجارة الإلكترونية» كما ضاعت هوية «نظم المعلومات الإدارية»

|
أدى التطور الهائل في مجال التقنية والاتصالات إلى إحداث نقلة نوعية وكمية لم يسبق لها مثيل في أغلبية القطاعات، ومن ضمنها التعاملات التجارية. فقد تم تطويع التقنية والإفادة منها في مجال التجارة والأعمال، وأدى هذا التطور إلى نشوء مفاهيم عدة متقاربة يتم عادة الخلط بينها، وقد تستخدم أحيانا بمعنى واحد، وهذا الخلط يقع فيه الكثيرون حتى المتخصصون والباحثون والمؤسسات التعليمية والتدريبية المتخصصة. وهذه المفاهيم المتشابهة هي: التجارة الإلكترونية، التسويق الإلكتروني، والتسوق الإلكتروني. وفي هذا المقال نريد أن نفك هذا التشابك ونتعرف على ذلك التشابه ونفصل بين هذه المفاهيم حتى تتضح ملامح كل مفهوم وكيف يختلف عن الآخر. أول مصطلح ظهر هو ''التجارة الإلكترونية'' وبدأت باسم ''الأسواق الذكية'' التي يجري فيها التبادل الإلكتروني للبيانات بين الأطراف من خلال شبكة الحاسب دون الحاجة إلى مستندات ورقية كتطوير لطرق التجارة التقليدية، وبالتالي تعتبر تكنولوجيا المعلومات الأداة القادرة على إنشاء مزايا تنافسية للسلع في جميع الأسواق. وزخرت أدبيات الأعمال بتعاريف عدة لمصطلح ''التجارة الإلكترونية'' إلا أن أفضل تعريف - من وجهة نظري - هو التعريف التالي ''التجارة الإلكترونية تعني مفهوما يتضمن أداء العمليات التجارية بين وحدات الأعمال بعضها ببعض وكذلك بين وحدات الأعمال وعملائها، وأيضا بين وحدات الأعمال والحكومة من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات وشبكة الاتصالات في أداء تلك العمليات''. البعض الآخر عرف التجارة الإلكترونية بأنها ''عبارة عن صفقات عابرة الحدود المكانية والزمنية تتم بشكل غير مباشر بين طرفين أحدهما منظمة أعمال والآخر قد يكون منظمة أعمال أو عملاء أو حكومات، باستخدام نظام تداول إلكتروني دون اعتماد على مستندات ورقية والسند الوحيد فيها هو الرسالة الإلكترونية، وقد يتم السداد من خلال بطاقات الائتمان أو من خلال الشيكات الإلكترونية أو التحويلات أو الدفع النقدي عند تسلم المرتبط بنوع البضاعة، والهدف النهائي من ذلك رفع الكفاءة في الأداء وتحقيق الفاعلية في التعامل''، وأنا شخصيا أميل إلى هذا التعريف لشموليته واحتوائه على خصائص التجارة الإلكترونية التي تختلف عن أي المفاهيم الأخرى المتشابهة كما سنرى. وانبثق من التجارة الإلكترونيةElectronic Commerce مصطلح التسويق الإلكتروني Electronic Marketing، فيرى البعض أن التسويق الإلكتروني عبارة عن ''تطبيق سلسلة واسعة من تكنولوجيا المعلومات بهدف زيادة منافع المستهلك من ناحية التخطيط الأكثر فاعلية لتنفيذ الأفكار في التوزيع والترويج والتسعير من ناحية أخرى''. آخرون يرون أن وظيفة التسويق الإلكتروني تعمل على تحقيق التنسيق والتكامل مع بقية وظائف المنظمة المختلفة (الإنتاج، التمويل، الشراء، التخزين، المالية، والأفراد). بينما طرف ثالث يرى أن التسويق الإلكتروني يعني ''الاستخدام الأمثل للتقنيات الرقمية بما في ذلك تقنية المعلومات والاتصالات لتفعيل إنتاجية التسويق وعملياته المتمثلة في الوظائف التنظيمية والعمليات الموجهة لتحديد حاجات الأسواق المستهدفة وتقديم السلع والخدمات إلى العملاء وأصحاب المصلحة في المنظمة''. وفي هذا تتم ممارسة المزيج التسويقي التقليدي، لكن بطرق مختلفة تناسب شبكة الإنترنت. وهذا يحتاج من الشركات التي ترغب في أن يكون لها السبق في اتساع حصتها في الأسواق وفتح منافذ توزيع جديدة، إلى أن تتقن، إضافة إلى مهارة التسويق التقليدية، مهارة استخدام التقنية وخدمات الإنترنت. ومن التسويق الإلكتروني انبثق مصطلح التسوق الإلكتروني E Shopping وهو عبارة عن مجموعة الجهود التي يبذلها المشتري عبر الإنترنت للبحث عن منتجات محددة والمفاضلة بين هذه المنتجات على الشبكة العنقودية. وبينت أدبيات التسويق الفرق بين مصطلح التسويق الإلكتروني ومصطلح التسوق الإلكتروني بأن الأول يشتمل على كل العمليات التي تسبق الإنتاج وتستمر أثناء الاتصال بالمستفيدين من المنتجات حتى بعد الحصول على المنتجات من المستفيدين، أما التسوق الإلكتروني فهو لا يتعدى عمليتي البيع والشراء عبر التقنيات الرقمية. وبهذا يمكن أن نخلص إلى أن التجارة الإلكترونية أكثر شمولية، بل إنها تشمل وظيفتي التسويق والتسوق، فهو نشاط مرتبط بالمتاجرة أكثر من ارتباطه بالتسويق. أما التسويق الإلكتروني فهو عبارة عن وظائف عدة متخصصة تعبر عن مختلف الأنشطة التسويقية التي تدعم عملية البيع والشراء. أما التسوق الإلكتروني فهو سلوك المستهلك عند قيامه بالشراء عبر الإنترنت. وهذه المفاهيم نراها متناثرة ومتشابكة في أدبيات إدارة الأعمال وقد تستخدم بمعنى واحد في بعض الأحيان ولم تقم أي دراسة جادة بفك هذا التشابك حتى حينه، كما أن هذا الخلط ليس حصرا على الدراسات والأبحاث، بل انعكس ذلك على تصميم البرامج والدورات في كثير من المعاهد والجامعات. فنرى بعض كليات الأعمال تعتمد قسما يطلق عليه ''التسويق والتجارة الإلكترونية '' ويتغنى أصحابه به ويعولون عليه كثيرا إلا أنهم يصابون بالدهشة ويواجهون الكثير من الصعوبة عند إعداد الخطة العلمية للقسم لأن هناك شذوذا في اسم القسم ولن يستطيعوا أن يصمموا برنامجا يعكس محتوى التسويق والتجارة الإلكترونية، لأن التسويق جزء من التجارة، وكلمة تسويق تعني التسويق التقليدي، أما مصطلح ''التجارة الإلكترونية'' فهو إجراء الممارسات التجارية عبر الإنترنت، أي أبعد من وظيفة التسويق، كما أن التسويق جزء من التجارة وليس العكس، ونلاحظ في اسم القسم أن التسويق تقدم على التجارة فكيف يتقدم الفرع على الأصل؟ لذا على هذه الكليات التي تتبنى مثل هذه الأقسام أن تغير اسم قسم ''التسويق والتجارة الإلكترونية'' بحذف كلمة التجارة الإلكترونية بحيث يصبح اسم القسم ''التسويق الإلكتروني'' أو قسم ''التسويق'' فقط - دون كلمة إلكتروني - يعني التسويق التقليدي. كما نتمنى من المتخصصين في هذا المجال أن يبذلوا المزيد في إيضاح هذه المفاهيم والفروق الجوهرية فيما بينها حتى لا يساء استخدامها لأنهم إن لم يفعلوا فسيدخلون هذا التخصص في النفق نفسه الذي دخلت فيه تخصصات نظم المعلومات، فهذه الأخيرة ضاعت هويتها، فأحيانا تتبع كليات الحاسب وأحيانا أخرى تتبع كليات الأعمال.
إنشرها