Author

الغاز الطبيعي إلى سوائل Gas To Liquids.. الآفاق والتحديات (1 من 2)

|
من المفيد جدا من وقت إلى آخر إعادة تقييم الإمدادات النفطية من مصادر السوائل النفطية غير التقليدية والمصنعة synthetic oil. في هذا المقال سيتم التركيز على إعادة تقييم تقنية تحويل الغاز الطبيعي إلى سوائل Gas To Liquids. إن عملية تحويل الغاز الطبيعي إلى سوائل هي عملية تسييل الغاز وتحويله إلى وقود سائل، عادة لتوفير بدائل للمنتجات النفطية في قطاع النقل. هذه العملية يعود تاريخها إلى 1913، ولكنه فقط في عام 1991 تم افتتاح أول وحدة لتحويل الغاز إلى سوائل تستخدم الغاز الطبيعي في جنوب إفريقيا من قبل شركة موس - غاز، وأعقبه بعد ذلك بسنتين افتتاح مصنع شل في ماليزيا. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تجدد الاهتمام بهذه العملية التي الآن تطبق على نطاق تجاري محدود. الأسباب الكامنة وراء هذا التطور كان ارتفاع أسعار النفط عن معدلاتها السائدة في التسعينيات من القرن الماضي، زيادة الاحتياطي المثبت من الغاز الطبيعي، والحاجة إلى استثمار الغاز الطبيعي الموجود في مناطق نائية لا تتوافر فيها البنى التحتية اللازمة لنقل الغاز المنتج إلى الأسواق العالمية والطلب المتزايد على وقود النقل. علاوة على ذلك، شهدت هذه التقنية تطورا كبيرا في الكفاءة وتكاليف الإنتاج والسلامة، وزيادة الضغوط البيئية للحد من حرق الغاز. لقد ازداد الاحتياطي العالمي المثبت من الغاز الطبيعي التقليدي زيادة مضطردة خلال الثلاثين عاما الماضية ونيفا، حيث بلغ أكثر من 192 تريليون متر مكعب (6800 تريليون قدم مكعب) في عام 2010، من نحو 83 تريليون متر مكعب (2930 تريليون قدم مكعب) في عام 1980. يتركز معظم هذا المخزون العالمي من الغاز الطبيعي في دول الاتحاد السوفياتي السابقة، وبالتحديد في روسيا الاتحادية، وكذلك في الشرق الأوسط وبالتحديد في إيران وقطر والسعودية، حيث تضم أكثر من 72 في المائة من الاحتياطي العالمي. وإضافة إلى ذلك، وبحسب وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية هناك أكثر من 58 تريليون متر مكعب (2063 تريليون قدم مكعب) من موارد الغاز من المحتمل أن تضاف إلى احتياطيات العالم نتيجة النمو في الحقول الغازية المنتجة حاليا و121 تريليون متر مكعب (4280 تريليون قدم مكعب) أخرى من موارد من المتوقع اكتشافها في المستقبل. عند إضافة هذه الموارد إلى الاحتياطيات المثبتة حاليا تصل موارد العالم من الغاز الطبيعي التقليدي إلى أكثر من 360 تريليون متر مكعب (12.715 تريليون قدم مكعب). هذا الرقم مرشح للزيادة، حيث توجد مساحات شاسعة تحتوي على الغاز غير مستكشفة بعد. وعلاوة على ذلك، هناك إمكانية كبيرة للحصول على موارد من الغاز الطبيعي من مصادر غير تقليدية: كالميثان من الفحم الحجري، والغاز من المكامن الواطئة النفاذية، والسجيل الغازي وهيدرات الميثان. حيث تقدر موارد الغاز من هذه المصادر بأضعاف موارد الغاز التقليدية. هناك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي تقع في أماكن نائية في العالم يصعب إيصالها إلى الأسواق العالمية بصورة اقتصادية. إن ارتفاع أسعار النفط وتوافق البنية التحتية النفطية الحالية مع نواتج عملية تحويل الغاز إلى سوائل جعل من هذه التقنية وسيلة جذابة محتملة لاستثمار هذه الاحتياطيات من الغاز. لكن لتحقيق ذلك بصورة واسعة واقتصادية، يجب التغلب على التحديات التي حالت دون اعتماد تقنية تحويل الغاز إلى سوائل على نطاق تجاري واسع حتى الآن. هناك كميات هائلة من احتياطيات الغاز الطبيعي العالقة في أنحاء مختلفة من العالم، هذه الاحتياطيات تم اكتشافها بالفعل، لكنها غير اقتصادية لإيصالها إلى الأسواق العالمية، وبالتالي، لم يجر تطويرها واستثمارها حتى الآن. تقدر هذه الاحتياطيات العالقة بنحو 1500 تريليون قدم مكعب أي نحو 22 في المائة من الاحتياطي العالمي الحالي المثبت من الغاز الطبيعي التقليدي. لتوضيح ضخامة هذا الحجم الهائل من الاحتياطيات، إذا تم تحويل نصف احتياطيات الغاز الطبيعي العالقة إلى سوائل بتقنيات GTL الحالية، سيكون هناك ما يكفي من المنتجات لتزويد الولايات المتحدة بوقود الديزل لأكثر من 50 عاما عند المستويات الحالية من الاستهلاك. إذا تم تحويل 10 في المائة فقط من هذه الاحتياطيات العالقة إلى سوائل على مدى السنوات الـ 20 المقبلة، سوف تضيف أكثر من 15 مليار برميل إلى احتياطيات السوائل النفطية العالمية، أي ما يزيد على مليوني برميل يوميا على مدى السنوات العشرين المقبلة. كما أن النجاح في إنتاج كميات إضافية من احتياطيات الغاز الطبيعي غير التقليدية يمكن أن يسهم في زيادة الاحتياطيات المتاحة لهذه التقنية أكثر من ذلك. هذه الأرقام من احتياطيات الغاز الطبيعي العالقة تمثل غيضا من فيض من مصادر الغاز غير المعروفة وغير المكتشفة بعد. حيث لا يزال هناك مساحات شاسعة تحوي على مصادر غاز محتملة غير مستكشفة بعد بسبب صعوبة الاستفادة من أي اكتشافات للغاز محتملة من هذه المساحات؛ وذلك لعدم إمكانية إيصالها إلى الأسواق العالمية بصورة اقتصادية. إذا أصبحت التقنية التي يمكنها أن تستفيد من هذه الكميات بصورة تجارية متوافرة، يمكن أن يشجع هذا على توجيه عمليات الحفر إلى مناطق جديدة، ما قد يرفع من احتياطيات الغاز العالمية بشكل كبير. عدم القدرة على استثمار هذه المورد بصورة اقتصادية يحبط المعنيين من مختلف الانتماءات، من الحكومات إلى شركات الطاقة. العلامة الأكثر وضوحا وغير المقبولة على نحو متزايد من هذا الفشل في استثمار الغاز العالق والغاز المصاحب هو كميات الغاز الهائلة التي يتم حرقها وإطلاقها إلى الجو يوميا. ووفقا للشراكة العالمية لتخفيض حرق الغاز GGFR التابعة للبنك الدولي، يتم حرق ما يقرب من خمسة تريليونات قدم مكعب (نحو 135 مليار متر مربع) من الغاز الطبيعي سنويا. هذا المجموع يمثل أكثر من ربع الاستهلاك السنوي للغاز في الولايات المتحدة، كمية الغاز التي تحرق سنويا ما هي سوى جزء صغير من الغاز المصاحب للنفط المنتج عالميا غير المستثمر، حيث إن لكل قدم مكعب من الغاز المحروق يتم إعادة حقن نحو ثلاثة أقدام مكعبة من الغاز في المكامن النفطية، جزء صغير فقط من الغاز المحقون هو لزيادة استخلاص النفط والباقي للتخلص من كميات الغاز التي لا يمكن استثمارها. إضافة إلى ذلك يمثل حرق الغاز المصاحب من الآبار ومحطات معالجة النفط والغاز أو المصافي، سواء كوسيلة للتخلص منه أو كإجراء وقائي لتخفيف الضغط مشكلةً بيئيةً رئيسة، حيث تتسبب هذه العملية في انبعاث ما يقارب من 400 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون (أي ما يعادل أكثر من 1 في المائة من إجمالي انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون في العالم). تجدر الإشارة هنا إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعد أعلى منطقة في العالم من حيث معدلات حرق الغاز المصاحب تليها روسيا، حيث يبلغ معدل حرق الغاز المصاحب فيها نحو 1.35 تريليون قدم مكعب (نحو 39 مليار متر مكعب) تليها روسيا بنحو 1.2 تريليون قدم مكعب (نحو 35 مليار متر مكعب). في كثير من الأحيان يواجه استثمار احتياطيات الغاز الطبيعي، خصوصا تلك العالقة منها ثلاثة تحديات رئيسة. التحدي الأول يتعلق بأولوية تنفيذ المشاريع، حيث تقوم الشركات التي سبق لها وأن تملكت حقوق الاستكشاف والتطوير في البداية بتنفيذ المشاريع الكبيرة ذات المردود الاقتصادي العالي. ثانيا، قد تكون الحقول الغازية العالقة قريبة من البنية التحتية القائمة، الشركات التي تقوم على تطويرها تفضل الانتظار لفترة طويلة لحين توافر طاقات فائضة لربطها مع هذه البنية التحتية بدلا من محاولة إنشاء بنية أخرى قائمة بذاتها. التحدي الثالث يتعلق بمواصفات الغاز الطبيعي، على سبيل المثال بعض الحقول الغازية تحتوي على مستويات عالية من غاز ثاني أوكسيد الكربون، هذا يعني أنه لا يمكن تطوير وتسويق مثل هذا الغاز اقتصاديا عن طريق الغاز الطبيعي المسال LNG قبل إجراء عمليات فصل مكلفة جدا. عليه، التحدي الذي يجابه استثمار الغاز المصاحب وغيره من مصادر الغاز الطبيعي العالقة مرتبط بصورة رئيسة بالنواحي اللوجستية. الغاز الطبيعي سلعة ثمينة حين يمكن تطويره ونقله إلى الأسواق العالمية بصورة اقتصادية، على سبيل المثال، إذا كان على مقربة من مراكز الاستهلاك المحلية التي تتوافر فيها بنية تحتية لنقل وتوزيع الغاز، أو يمكن نقله إلى الأسواق العالمية، خصوصا أسواق منظمة التعاون والتنمية ذات الأسعار المجزية، مثل أسواق أمريكا الشمالية، أوروبا، أو اليابان، لكنه في الأساس دون قيمة في الأماكن النائية، مثل المناطق البعيدة في عرض البحار وفي المناطق التي لا يوجد فيها بنية تحتية لتوزيع الغاز. إن نقل الغاز على شكل غاز طبيعي مسال أو غاز طبيعي مضغوط CNG يسهم في مواجهة هذا التحدي وذلك عن طريق زيادة كثافته وبالتالي الحد من تكاليف النقل. أو بدلا من ذلك، يمكن وضع مرافق صناعية بالقرب من مصادر الغاز لتحويله إلى مواد كيماوية أو إلى سلع كيماوية وسيطة مثل الميثانول. لكن مشاريع الاستثمار هذه تتميز بارتفاع التكلفة الرأسمالية والتشغيلية وتتطلب تجهيز كميات كبيرة من البنية التحتية المتخصصة. بالإضافة إلى ذلك قد لا يكون لها مردود اقتصادي يذكر لجميع الاحتياطيات الكبيرة لمصادر الغاز العالقة، كما أنه لم يتأكد حتى الآن كونها اقتصادية على نطاق أصغر بالنسبة للغالبية العظمى من حقول الغاز العالقة والغاز المصاحب، وذلك لأن تلك العمليات ستكون مكلفة للغاية إذا ما تم خفض طاقة وحداتها الإنتاجية للتناسب مع حجم الاحتياطي الغازي. في الجزء الثاني سيتم التطرق إلى الآفاق المستقبلية لتقنية تحويل الغاز الطبيعي إلى سوائل.
إنشرها