FINANCIAL TIMES

غريب من خارج العائلة في بلاط روبرت ميردوخ

غريب من خارج العائلة في بلاط روبرت ميردوخ

حتى زملاء تشيس كيري ليسوا متأكدين تماماً ماذا يكمن خلف شاربه. وفي رأيهم أن هذا الشارب الكث، المفتول عند طرفيه، ربما يخفي جرحاً من لعبة الرَّجبي أو ندبة من حادثة سيارة. أم هل يمكن أن يكون حيلة لصرف الأنظار؛ بمعنى أنه سمة لا تخطئها العين لرجل يعطي العالم وجهاً يدل على إنسان مُجِد، لكنه متحفظ في سلوكه؟ بعد مرور أسبوعين ذاقت فيها نيوز كوربوريشن المُرَّ واحتل التنفيذيون فيها عناوين الصحف في مختلف أنحاء العالم، لن يكون بمقدور هذا الرجل البالغ من العمر 57 عاماً وشاربه الكث أن يتجنبا عالم الأضواء. حين عاد للعمل في المجموعة الإعلامية في عام 2009 في منصب كبير الإداريين التشغيليين بعد ست سنوات من إدارته لشركة ديركت تي في DirecTV صاحبة البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، قال عنه روبرت ميردوخ إنه ''واحد من أقرب أصدقائي والمستشارين لديّ''. روبرت ميردوخ، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في نيوز كورب يفقد أصدقاءه الآن بسرعة، حيث ضحى بواحدة من الأشخاص المقربين والمؤتمنين على أسراره الشخصية، وهي ريبيكا بروكس، في الوقت الذي ابتلعت فيه الفضيحةُ المتعلقة بالتنصت على الهواتف في الصحف البريطانية رئيسةَ التحرير السابقة. أما أقدم حلفائه، وهو لِيس هِنتون، فمن الممكن أن يتم اجتياحه في العاصفة السياسية والإعلامية والبوليسية بعد 12 سنة من إدارته للصحف البريطانية. (استقال هِنتون قبل أيام في 15 يوليو). وحتى جيمس، الابن الثاني لميردوخ، يواجه أسئلة حول ما إذا كانت طريقه معالجته للقضية يمكن أن تدمر حظوظه في خلافة والده البالغ من العمر 80 عاماً. مع ذلك خرج كيري الدمث الخلق (من هذه المعمعة) أقوى من ذي قبل. يختلف العالمون ببواطن الأمور حول ما إذا كان ميردوخ سيتخلى عن إحدى وظيفتيه ليجعله يشغل منصب الرئيس التنفيذي في المجموعة (ويحتفظ لنفسه بمنصب رئيس مجلس الإدارة)، لكن في الوقت الذي يتساءلون فيه عن إمكانية المحافظة على موجودات ميردوخ وورثته المتنافسين في كتلة واحدة، ربما يعتمد الجواب على كيري. وفي الوقت الذي أخذت فيه الاتهامات تبرز إلى السطح مشيرة إلى أن نيوز أوف ذي ويرلد، الصحيفة الصفراء المتخصصة في المواضيع البذيئة والتي كانت أول شركة يستحوذ عليها ميردوخ خارج أستراليا، تلصصت على رسائل البريد الصوتي لمراهقة قتيلة، كان كيري بجانب ميردوخ في الخلوة التي يقيم بها في ولاية آيداهو الأمريكية. وخلال لقاء مع لاكلان، الابن الأكبر لميردوخ، امتنع بأدب عن التعليق. اعتزم كيري قضاء بضعة أيام في نيويورك قبل حضور اجتماع لمجلس الإدارة في ألمانيا، لكنه سرعان ما كان إلى جانب رئيسه في لندن، حيث ألغى العرض المقدم من نيوز كورب للاستحواذ على محطة البث التلفزيوني بريتش سكاي كوربوريشن. وليس من المعهود أن شخصاً يحتل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ويمتلك 40 في المائة تقريباً من أسهم الشركة، ثم يترك الأمر لنائبه ليقوم بتفسير انهيار عرض ضخم من هذا القبيل. فقد صدر الإعلان (عن إلغاء العرض) باسم كيري. تعمل مجموعة نيوز كورب وكأنها بلاط لأحد ملوك العصور الوسطى، حيث يفقد الأمراء حظوة الملك ثم يستعيدونها، وحيث يحاول أهل البلاط تفسير رغبات ونزوات الملك الهوائية. ولأن موضوع الخلافة عاد من جديد إلى مجال التساؤلات، ربما يكون كيري هو الوصي على العرش والملك المقبل. ويقول مستشار سابق عن كيري إنه ''ربما يكون هو الفائز الأكبر في كل هذا'' على اعتبار أنه ''ليست لديه تحزبات سياسية أو آراء أو معتقدات خاصة (تجعل من الصعب التعامل معه)''. وقد استمر وجوده في المجموعة لفترة أطول من الأشخاص المقربين الآخرين. ليس هذا فحسب، لكنه ظل نظيفاً لم يتلوث بفعل الفضيحة البريطانية. ويقول هذا الشخص: ''(لو كنت مكان ميردوخ) فإنني سأبقي كيري بعيداً قدر الإمكان عن هذا في الوقت الحاضر. فهو الميزة الإيجابية الوحيدة الموجودة لديه الآن''. واحتاج ميردوخ، وهو بارون إعلامي من طراز وليم راندولف هيرست، إلى بعض الوقت لتقَبُّل فكرة أن يكون له نواب. وفي عام 1995 قال جوس فيشر، أول شخص عينه ميردوخ في منصب كبير الإداريين التشغيليين، إنه لم تكن لديه سلطة تذكر. وقال في مقابلة مع صحيفة نيويوركر: ''أعتقد أنه يشعر بارتياح أكبر بكثير حين يكون لديه شخص يستطيع الاتصال به عندما يريد الذهاب إلى الحمَّام''. لكن بيتر تشيرنِن، الذي عمل إلى جانب ميردوخ لمدة 12 سنة حتى عام 2009، خرق النمط المعهود واكتسب الاحترام من خلال تحقيق نتائج قوية، بل وحتى أنه كانت لديه الجرأة للاصطدام مع لاكلان، ولي عهد الإمبراطورية في ذلك الحين، ما أدى إلى خروجه من الواجبات التنفيذية في عام 2005. ويعمل جيمس الآن نائباً لكيري، لكن كبير الإداريين التشغيليين الجديد يظل على علاقة جيدة مع الخلفاء الثلاثة المحتملين، وهم جيمس ولاكلان وأختهما إليزابث. وحل كيري محل تشيرنِن ليكون القرين والوجه المقابل للمعتدي الاستراتيجي لميردوخ. ويقول عنه شخص يحتل منصب الرئيس التنفيذي في صناعة الإعلام: ''لا أعتبره إنساناً صاحب رؤية''. لكن إعلاميين آخرين يتحدثون عن نزعته التكنوقراطية البرجماتية بنوع من الارتياح. ذلك أن استثمارات ميردوخ كانت في بعض الأحيان ذات رؤية مبالغ فيها من وجهة نظر المساهمين. وكان كيري خارج مجلس الإدارة حين وافق المجلس ''وبَصَم'' على عمليتي استحواذ ميردوخ على موقع ماي سبيس وشركة داو جونز، وتجنب منذ ذلك الحين الدخول في مراهنات تعمل على إتلاف القيمة في المجال الرقمي أو في مجال المطبوعات. وفي الأسبوع الماضي قال جيسون سوبوتكي، وهو مدير للمحافظ لدى الشركة التي تشكل المساهم الثامن من حيث الحجم في نيوز كورب: ''سنشعر بسعادة غامرة إذا أصبح تشيس كيري خليفة لميردوخ''. وفي مقابلة مع ''فاينانشيال تايمز'' قال الأمير الوليد بن طلال، وهو أكبر مساهم في نيوز كورب من خارج عائلة ميردوخ، إن كيري وروبرت وجيمس يشكلون ''ثلاثياً ممتازاً''. يذكر أن كيري درس في جامعة كولجيت في شمال ولاية نيويورك. وبعد حصوله على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد، كون لنفسه سمعة لدى شركة أفلام كولومبيا، حيث كان يبيع الأفلام لقنوات الكيبل التلفزيوني قليلة الخبرة. وفي مقابلة مع صحيفة لوس أنجلوس تايمز قال أحد زملائه السابقين: ''لقد كان ذلك تدريباً شاقاً''. ويظل كيري مفاوضاً لا يلين. التحق كيري للعمل لدى نيوز كورب في عام 1992، في الوقت الذي كان فيه نجم تشرنِن في صعود. وأنشأ الاثنان ''ترقيعة'' من القنوات الرياضية المحلية، حيث تغلبا على شبكة إي إس بي إن ESPN الرياضية التابعة لمجموعة ديزني من حيث الحصول على حقوق البث التلفزيوني لمباريات الفرق التي من قبيل شيكاغو بولز (لكرة السلة) وفريق نيويورك يانكيز (للبيسبول). وبحلول عام 2000 كان كيري جاهزاً لإدارة مجموعة سكاي جلوبال نِتْويرْكْس، التي كانت ستوحد محطات البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية في بريطانيا وإيطاليا وآسيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة. لكن شركة ديركت تي في، التي كان يعتمد عليها ذلك الحلم، انزلقت من قبضة ميردوخ. ومنذ أن عاد كيري للعمل لدى نيوز كورب، استطاع تحويل اقتصاديات شركة فوكس، حيث اعتصر شركات توزيع الكيبل والأقمار الصناعية وجعلها تدفع رسوماً مقابل ''إعادة البث'' عن قنوات البث التي كانت مجانية. وحاولت شركات أخرى تطبيق استراتيجيات مشابهة، لكن كيري ''كان الشخص الذي لا تلين قناته''، كما يقول كبير الإداريين التنفيذيين في إحدى الشركات الإعلامية. وفي أثناء مفاوضات منتصف الليل مع شركات الكيبل، كانت لدى كيري الجرأة للمخاطرة باستثارة غضب المشاهدين. ففي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، جعل مباراتين من مباريات دوري العالم في البيسبول تُعرَضان على شاشات معتمة في نيويورك حتى يحصل على ما يريد. وفي كل مرة كان ينتصر رأيه. وميردوخ يكافئ الموظف على ولائه، وقد دفع لكيري 26 مليون دولار في السنة الماضية. لكن الموظفين يعلمون أنك ''حين تتعامل مع روبرت، فمن الممكن أن تفقد الحظوة وأن تكسبها''، كما يقول شخص آخر من كبار التنفيذيين في صناعة الإعلام. وترتفع أسهم مستشارين جدد، من قبيل جويل كلاين وتوم موكريدج، في الوقت الذي تهبط فيه أسهم آخرين. كذلك يعلم الموظفون أن عائلة ميردوخ هي همه الأول. ويقول شخص مقرب من مجلس الإدارة: ''ما لم يحدث شيء صاعق تماماً، ليس هناك مجال لأن يتخلى روبرت عن ابنه جيمس''. ولأن التطورات الصاعقة تحدث كل يوم، فليس هناك من يستبعد أي احتمال.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES