Author

الحروب المجانية

|
الحلم بعالم يتساكن بسلام، يبدو أنه مثالي، وبعيد المنال، لكنه يبقى حلما مشروعا. إن طغيان كفة الحقد والحسد والبغضاء، في مقابل المحبة والسلام والوئام، مسألة تستفز أصحاب النفوس السوية. إن النظر إلى واقع الناس أفرادا وجماعات ودولا، يتطلب سعيا من أجل إعادة ممارسة فن الممكن، بهدف إشاعة المفاهيم والأفكار السامية. ليس المطلوب منا كبشر أن نؤسس ليوتيبيا خيالية، المطلوب فقط أن نعلي من القيم الإنسانية الطيبة. المطلوب أن نرفع من قدر الفعل الإنساني، المطلوب أن نكون ـ على الأقل ـ أقل عنصرية وصلفا مع الإنسان الآخر. المطلوب أن نجعل الدين عامل جمع لا فرقة، بين أطياف الدين الواحد، وفئات الأديان الأخرى. هذه المطالب المحدودة، تواجهها أحيانا أفكار شريرة، وشديدة الشراسة، تجعل هذه المطالب ـ ذات الصبغة السامية ـ تبدو وكأنها غريبة، أو بعيدة عن التطبيق. إن التطرف الذي شهدناه في مذبحة النرويج، كان مصدره الغلو المفرط في التدين، من مسيحي متطرف. هذا الفعل له روافد لدى أديان أخرى، فالتطرف الهندوسي له صولات، والتطرف الإسلامي له جولات. إذن لا بد من لجم ''بغل'' التطرف، الذي يزيد من الأحقاد بين الطيف الإنساني في مختلف أصقاع الأرض. هذه الخطوة من شأنها أن تؤسس لمجتمعات تمارس كل فئة دينها، دون أن تتدخل في الأديان الأخرى. إن السياسة التي تصوغ خطوات البشر، وفقا لأجندات قد لا تكون سوية، تهدد عالمنا بمزيد من الانهيارات، التي تظهر من خلال اختلالات اقتصادية واجتماعية وتربوية، لكن بعض المجتمعات في مساعيها من أجل الخروج من مأزقها، تشيع الفوضى في العالم، من أجل معالجة مشكلاتها الطارئة. ينسى العالم تلك المشكلات، لينشغل في ترميم التداعيات المتلاحقة، سواء كانت هذه التداعيات على هيئة حركات تطرف وعنف، أو في أشكال أخرى قد يصعب تفسيرها في معزل عن إيقاعات الاقتصاد والهموم العالمية الأخرى.
إنشرها