Author

القيادة الإدارية بين الخراف والأسود

|
كلما نظرت في نجاح أي عمل فإنني أبحث عمن يقف خلفه، وما مواصفاته وما رؤيته، وكيف يفكر، وكيف يخطط، وكيف يعمل من أجل تحقيق ذلك، ومن يعمل معه؛ لأنني أعلم علم اليقين أن الفكر المميز والمتميز لا بد أن يقف خلفه قائد متميز، وكلما ذُكر القائد لا أستطيع أن أنسى قول الكسندر ذا قريت حول أهمية حسن اختيار قائد الفريق عندما قال ''أنا لا أخشى جيشا من الأسود يقوده خروف، لكن أخشى جيشا من الخراف يقوده أسد''. لقد دلل بهذا الوصف البليغ على أهمية القائد ودوره في بناء جيش حتى من الخراف، وفي المقابل عندما يغيب القائد الواعي فلا يفيد جيش من المغاوير ''الأسود''؛ لأنها تفقد الموجه والمعلم لها. إن الاهتمام بحسن اختيار القيادات الإدارية في مختلف القطاعات أمر لا يختلف عليه اثنان، وعدم الاعتقاد بأهمية ذلك أو الاعتقاد بأن الشخص سيكتسب القدرة القيادية مع الوقت دون وجود بذورها فيه وتغذيتها بالتدريب والتأهيل والصقل أمر غير صحيح، والقيادي عملة نادرة في كل القطاعات التنموية والاقتصادية والسياسية حتى في الأعمال غير الربحية. عندما يسمع البعض مقولة الكسندر ذا قريت في وصف العلاقة بين القائد وفريقه باستخدام مفردة الأسد والخروف يسيئون فهمها ويعتقدون أن وصف الفريق بالخراف تقليل من شأنهم، وهذا خطأ شنيع؛ لأن الوصف هنا لإيضاح القدرات والإمكانات بين الأسد والخروف، والمعنى المقصود في المقولة هو كيف لو وضعت أسدا على مجموعة من الأسود كيف تكون النتيجة، أي كيف تكون النتيجة، أي كيف لو أحسنت اختيار القائد وأحسنت اختيار فريقه، الجواب المنطقي المباشر أنك ستحقق عملا غير مسبوق في أي مجال تخوضه. القائد الإداري عملة نادرة تحتاج إلى البحث عنها واستثمارها؛ ولهذا تركز الدول المتقدمة على إنشاء المراكز المتخصصة التي تهتم باكتشاف الأفراد ذوي الميول القيادية لتولي المسؤوليات المختلفة وتبرز لديهم روح المسؤولية التي تقود إلى زرع مفهوم وقدرة القيادة، ولو رجعنا إلى تجارب الدول التي تغيرت مواقعها في خريطة العالم خلال السنوات البسيطة الماضية سواء دول آسيا أو بعض دول أمريكا الجنوبية نجد أن دور القيادات الإدارية فيها كان لها الأثر الواضح في تغيير موقعها من دول متخلفة إلى دول متقدمة وتكاد تقود اقتصاد العالم اليوم. إن حسن اختيار القيادات الإدارية يقود إلى حسن اختيار الفريق العامل معها، ولا نعتقد أننا سننجح باختيار قيادات إدارية ضعيفة ونعتقد أنها ستنجح حتى لو كان العاملون معهم من المتميزين؛ لأن الأساس في الفريق هو العمل وفق روح وعطاء ودعم القائد. ولعل ما نراه اليوم من إخفاقات عربية في التعامل مع الأحداث الجارية خير دليل على غياب الوعي القيادي لمتطلبات المرحلة وإلا ما حدث يحدث ويتكرر بالخطوات نفسها من تونس إلى اليمن دون وجود المنقذ والمستنير والقائد والملهم لتقديم الحلول الصحيحة وعدم الانغماس أكثر وأكثر في الكذب والتضليل والقتل، وهذا يعتمد على حسن اختيار القيادات الإدارية والفنية التي ترعى الشأن العام وتحارب الفساد وتحرص على تنفيذ المشروعات وتنفيذ الأحكام وتطبيق الأنظمة ولا تخاف من أصحاب المصالح الخاصة الذين لا يألون جهدا في تحقيق مصالحهم بأي الطرق، ويعتقدون أن كل مسؤول كبر أو صغر له ثمن يمكن شراؤه به، وأن الأنظمة والضوابط والقوانين لا تحكمهم أو تردعهم عن غيهم. إن الاعتقاد باختيار القيادات الإدارية أو الفنية الضعيفة، أو ما نسميهم (كسر الرجال) ثم الاعتقاد بأنها ستستطيع أن تحقق الأهداف التنموية فإنه اعتقاد خاطئ كما ذكرت في مرات عديدة، ولعل مقولة أن القزم الإداري سيبحث عن أقزام أقل منه حتى يبرز بينهم كبيرا سيكون المنتج النهائي! ولو التفت كل واحد منا حوله لرأى من النماذج الإدارية ما يؤكد ذلك. إن مثل هذه الأمثال أو الأقوال يجب عدم أخذها بحرفية المعنى أو المثل، إنما بعمق المعنى وهدف الرسالة وواقع الحال، ولهذا يجب عدم إساءة فهم المعنى من المقولة أما من أساء الفهم والقصد وحاول الإساءة فقد حدد لمن ينتمي وحقيقة كلما كبرت ''الفكرة'' قلت العقول التي تدركها، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. وقفة تأمل أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ففي إحيائه عرضي مصون إذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون
إنشرها