FINANCIAL TIMES

بريطانيا في أوروبا

بريطانيا في أوروبا

منذ أوائل التسعينيات، حين تحدث جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الحين عن ''وضع بريطانيا في قلب أوروبا''، تسعى بريطانيا جاهدة للحفاظ على نفوذها في بروكسل وفي الوقت نفسه تبقى بعيدة عن المشاريع الرئيسية المميزة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العملة الموحدة. الأزمة التي تعاني منها منطقة اليورو الآن تُعَرِّي التناقضات الكامنة في هذه السياسة، وتضطر بريطانيا إلى اتخاذ خيارات صعبة. إن تعليق جورج أوزبورن، في مقابلة مع ''فاينانشيال تايمز''، الذي قال فيه إن بريطانيا لن تحاول وقف كتلة اليورو من التكامل على نحو أقرب من ذي قبل، ربما يكون خروجاً كبيراً عن السياسة السابقة للحكومة التي أكدت معارضة بريطانيا لأية تطورات من شأنها أن تؤدي إلى خلق ما يعرف بـ ''أوروبا ذات سرعتين''. لكن في واقع الأمر ليس لديه خيار يذكر إلا القبول بناتج من هذا القبيل. إن يدي أوزبورن مكتوفتان بفعل الحقيقة التي تقول إن بريطانيا لديها هدفان قوميان مهيمنان في أزمة اليورو. الأول هو أنها ترغب في رؤية اليورو باقياً على قيد الحياة. والثاني هو أنها ترغب في البقاء بصورة حازمة بعيدة عن كتلة اليورو. وحين نأخذ هذين الهدفين معاً فإنهما يعملان بصورة حاسمة على تقييد المجال المتاح أمام أوزبورن للمناورة. فإذا كانت الحاجة إلى تماسك اليورو تقتضي في نهاية الأمر قفزة كبيرة باتجاه التكامل، فلا مفر أمام الحكومة البريطانية سوى قبول ذلك شاءت أم أبت. كذلك تؤدي ملاحظات أوزبورن غرضاً دبلوماسياً. فهي ترسل رسالة مفادها أن بريطانيا غير راغبة في استغلال الأزمة لتحقيق تغييرات كبيرة في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي - وهو أمر كان ينصح به بعض السياسيين المعارضين للاتحاد الأوروبي. بطبيعة الحال ليس من المؤكد أن شيك الحكومة سيتم قبضه بحال من الأحوال. ربما لا يكون أعضاء منطقة اليورو قادرين على الإتيان بشكل من أشكال التكامل في المالية العامة يكون مرضياً للناخبين في تلك البلدان. لكن لو افترضنا أنه تم تشكيل اتحاد أوروبي من طبقتين، بحيث تكون ضمنه دائرة ضيقة تتسم بقدر أكبر من التكامل في المالية العامة، فإن هذا سيؤدي لا محالة إلى تغيير الطريقة التي يعمل بها الاتحاد. إن تطوير كتلة لليورو أضيق من ذي قبل، بما لها من مصالح خاصة بها، سيؤدي لا محالة إلى تذويب صوت بريطانيا. وربما يؤدي كذلك إلى إضعاف الجانب الذي يؤيده البريطانيون في الاتحاد الأوروبي - وهو مشروع التبادل التجاري الحر المبسوط اليد - وفي الوقت نفسه تضخيم أصوات أولئك الذين كانوا دائماً على رأس المطالبين بنظرة أكثر اتحاداً وتضامنية وأكثر ميلاً للحمائية. إن استعداد أوزبورن للقبول باتحاد أوثق من ذي قبل في مجال المالية العامة - وقبوله الضمني بأن هذا ربما يعني تراجعاً للنفوذ البريطاني - يعد استجابة واقعية أمام أزمة عميقة. لكن خلق أوروبا ذات طبقتين لا يرجح له أن يجعل علاقة بريطانيا مع بروكسل أفضل وأكثر سلاسة من ذي قبل. بل من الممكن أن يمهد الطريق لمزيد من المتاعب في المستقبل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES