FINANCIAL TIMES

نيويورك عاملت ستراوس - كان بفظاظة لكنه حصل على العدالة

نيويورك عاملت ستراوس - كان بفظاظة لكنه حصل على العدالة

نيويورك عاملت ستراوس - كان بفظاظة لكنه حصل على العدالة

الانقلاب المذهل في قضية دومنيك ستراوس– كان، الذي حوَّلَه من رجل خاضع لإقامة جبرية مهينة في نيويورك بخصوص تهم بالاعتداء الجنسي، إلى مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية الفرنسية، يبين لنا مرة أخرى حكمة المبدأ القائل إنه ينبغي اعتبار الشخص بريئاً إلى أن تثبت إدانته. لكن قبل أن يسارع الناس إلى الحكم مرة أخرى، ويصرحوا بأن النظام القضائي الأمريكي انكشف أمام العالم على أنه نظام وحشي ومتقلب الأطوار، ينبغي لنا أن نطبق المبدأ نفسه على النظام. حسب الأدلة المتوفرة حتى الآن– لاحظ أن القضية مليئة بالمفاجآت إلى درجة أن من المستحيل أن تكون أحكامنا قاطعة– تَبَيَّن أن العدالة في نيويورك، على حد تعبير أحد رجال العصابات في مشهد كوميدي في حلقات مونتي بيثون، ''قاسية لكنها عادلة''. ما شاهدناه خلال الأسابيع القليلة الماضية – وإن كان ذلك بصورة درامية اشتملت على المالية العالمية والسياسة الفرنسية والدبلوماسية الأطلسية – ليس تشويهاً للعدالة وإنما شاهدنا عجلات العدالة وهي تدور. وكون (شرطة نيويورك) أخذت ستراوس– كان من فندق سوفيتل إلى سجن جزيرة رايكرز ثم إلى مسكن في منطقة ترايبيكا ثم إلى شيء قريب من الحرية مرة أخرى هو دليل يشهد لصالح نيويورك. #2# لكن بطبيعة الحال ليس هذا ما يراه كثير من الناس في فرنسا– أو أوروبا بصورة عامة. إذ يغلب علينا أن نعتبر أنظمة العدالة التي نتبع لها، شأنها في ذلك شأن الجوانب الأخرى من ثقافاتنا الوطنية، هي أنظمة متفوقة على غيرها، وشعر كثير من الناس بالاستياء الشديد حين اعتُقِل ستراوس– كان بهذه الصورة العلنية وفُرِض عليه أن يسير بصورة مهينة وهو مكبل اليدين أمام عدسات المصورين التي كانت تنتظر هذا المشهد بفارغ الصبر. واعتبر الناس منذ الآن أن كون المدعي العام أخذ يشك بعد ذلك في صدقية المرأة التي اتهمت ستراوس– كان، حيث أن الادعاء حسب ما تشير التقارير تَنَصَّت على مكالماتها مع صديق لها في السجن له صلات بالتعامل في المخدرات وغسيل الأموال، اعتبروه دليلاً على أنه لم يكن ينبغي له أن يخضغ لهذه المحنة في الأصل. وشبَّه المؤلف توبي يَنْجْ، على موقع صحيفة ''ديلي تلغراف'' على الإنترنت، مصير ستراوس– كان بمصير شيرمان ماكوي، المصرفي في فيلم ''حرائق الأمجاد الزائلة''، المأخوذ عن رواية للمؤلف توم وولف: ''تفَوَّق الواقع على سخرية الإفلاس الأخلاقي لنظام العدالة الجنائية في نيويورك والمسؤولين الحكوميين في المدينة وخليط من الانتهازيين والحثالة''. من هذه الإدانة وحدها، ربما يفترض الشخص أن ستراوس– كان أدين خطأً في نيويورك أو أنه حوكم على يد عصابة من الغوغاء. والواقع أنه اتُّهِم في البداية بعدد من الجرائم، ثم حين تَكَشَّف التحقيق حسب الأصول، أُعيد إلى المحكمة من قبل محاميه ليشهد ممثل الادعاء وهو يقوم طوعاً بالكشف عن الدليل الذي يخدم قضيته. هذا لا يبدو وكأنه تشويه للعدالة؛ والواقع أنه يبدو وكأنه عملية تمحيص قانوني شديدة الاهتمام بالتفاصيل. غالباً ما يشتكي الأجانب، وهم أحياناً على حق في ذلك، أن الولايات المتحدة مليئة بالمحامين وهي مدمنة على الإجراءات القضائية، لكن هذا الطابع الشكلي كان مفيداً له في نهاية الأمر. من المعروف أن قضايا الاغتصاب يصعب إثباتها في المحكمة لأنها تشتمل في العادة على شهادة شخص ضد شهادة الشخص الآخر. وفي هذه الحالة ذُكِر أن الأدلة تُظهِر أنه كان هناك اتصال جنسي بين ستراوس كان والخادمة التي اتهمته بالاغتصاب. وقد استندت القضية على صدقية الخادمة، وهي صدقية أصيبت على ما يبدو بأضرار بالغة، بصرف النظر عما حدث في غرفة الفندق. نورييل روبيني، الاقتصادي الذي رفع صوته دفاعاً عن ستراوس– كان، قال على موقع تويتر: ''كتبتُ بعد يوم من اعتقال ستراوس– كان أن الأمر كان مكيدة على الأرجح. وها هي آخر الأنباء تثبت الآن صحة قولي.'' والواقع أن آخر الأنباء لم تثبت شيئاً، تماماً مثلما أنه لم يثبت شيء من قبل. كانت هناك – وما تزال – روايات متضاربة حول ما حدث، وهو أمر كان لا بد من التحقق منه على الوجه السليم. كان هناك فخَّان في القضية، وهما فخان لم تقع السلطات في أي منهما. كان الفخ الأول هو معاملة ستراوس– كان وكأنه خارج نظام العدالة العادية لأنه إنسان ثري وواسع النفوذ، ولديه معارف وأصدقاء في العواصم السياسية والدبلوماسية. وكان قضية حساسة مثيرة للجدل، وربما كان ممثلو الادعاء يخشون أن تصيبهم بالأذى (وهو أمر يمكن الآن أن يصيبهم). لكن بدلاً من اتباع الطريق الأهون أنصت ممثلو الادعاء باحترام إلى خادمة الفندق التي تطلب اللجوء السياسي واعتقلوا ستراوس– كان. إنَّ يَنْجْ على حق في أن هذه هي حكاية من حكايات نيويورك، لكنها حكاية إيجابية وليست سلبية. تعتبر مدينة نيويورك بوتقة ينصهر فيها الأغنياء مع الفقراء، وعوملت الفئتان– على الأقل في هذه المناسبة – على قدم المساواة. أما الفخ الثاني فهو أنه بعد اعتقل ممثلو الادعاء ستراوس– كان واعتمدوا صدقية المرأة التي اتهمته، كان من الممكن أن يقعوا في فخ تجاهل الأدلة التي ظهرت لصالحه أو التقليل من أهميتها. وقد رُسِمت المواقف على مرأى من الرأي العام في قضية بارزة على هذا النحو إلى درجة أنها أصبحت قضية تتسم بالتنافس والخصومة– كما كان النظام القضائي الأمريكي مصمَّماً. ربما أخطأت الشرطة والقاضية من حيث التباهي بالديمقراطية في التعامل مع ستراوس– كان – حيث أنهم عرَّضوه للمشي مكبل اليدين أمام عدسات المصورين وإرساله خلال فترة اعتقاله إلى سجن جزيرة رايكرز. وقد علق مايكل بلومبيرج، الملياردير الذي يتولى منصب عمدة نيويورك، على نحو يفتقر إلى الحكمة بقوله ''إذا كنت لا تريد السير مُصفَّداً أمام الملأ فلا ترتكب الجريمة''. لكن ممثلي الادعاء واصلوا التحقيق والتنقيب– بل إنهم تنصتوا على المكالمات الهاتفية للمدعية – وغيروا موقفهم حين تغيرت الأدلة. كانت العملية القضائية ذات صوت عالٍ وجريئة وعلنية، وهي سمات يغلب على الكثيرين في نيويورك أن يتسموا بها، لكن الأدلة كُشِفت دون تحيز من قِبل هذه العملية القضائية، بصرف النظر عن الإحراج الذي تعرض له الطرفان. النظام القضائي الأمريكي بعيد إلى حد كبير عن أن يكون نظاماً كاملاً، لكن قضية ستراوس– كان لا يرجح لها أن تدخل التاريخ على أنها إساءة لتنفيذ العدالة. صحيح أن تنفيذ العدالة اتسم بقدر من الفظاظة يفوق ما يفضله الأوروبيون – الذين يتساءلون إن كان من الضروري فعلاً أن يُعرَض المتهم مكبل اليدين أمام عدسات المصورين– إلا أن هذا العمل أدى الغرض المقصود منه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES