Author

«خامنئي» وبدء العدّ التنازلي لرحيل «نجاد»

|
كلما اشتدت معركة "نجاد - خامنئي" أصبح إعلام ولي الفقيه أكثر شراسة وبات يصر على استخدام ألذع العبارات ضد رئيس الحكومة، الذي أصبح ألد الأعداء بعدما كان قبل فترة ليست ببعيدة الطفل المدلل للولي الفقيه، في هذه الأثناء، عبّرت الصحيفة الناطقة باسم المرشد، صحيفة "كيهان" التي يترأسها المستشار الإعلامي لخامنئي حسين شريعتمداري، وهي الصحيفة التي تنشر توجهات الحرس الثوري الإيراني، في مقال افتتاحي لها تحت عنوان "بنو أمية وبنو فتنة" نشر بتاريخ 26/06/2011، وسددت الصحيفة رماح هجومها على نجاد وتياره الذي بات يعرف بالتيار المنحرف وقارنته بالحركة الخضراء التي تعرف بين أوساط النظام بأنها "تيار الفتنة"، واعتبرت الصحيفة نجاد أنه "فاسد" وأنّ حكومته تشبه حكومة "بني أمية" في المقابل اعتبرت زعماء الحركة الإصلاحية أنهم "أفسد الفاسدين" وينتمون إلى "بني فتنة"، حسب آخر تصنيف نشرته الصحيفة، يأتي التصنيف الجديد بعد أن دارت المعركة بعنف و"حمي الوطيس" بين أنصار نجاد وخامنئي في الأسابيع القليلة الماضية، في هذه الأثناء نشرت وسائل إعلام إيرانية بعض التصريحات التي تتسم بالشماتة من قبل البعض من أركان النظام مثل رفسنجاني ونواب في البرلمان للمرشد بسبب دعم المرشد غير المحدود في السابق القريب ودون شروط مسبقة لنجاد وأركان حكومته. جاء حديث شريعتمداري الصحافي الذي يختبئ تحت عباءة المرشد ومجتبى ذو النور ممثل المرشد في الحرس الثوري لتبرير ما قام به المرشد من دعم لا محدود لنجاد في الفترة السابقة، وأن الدفاع عن مواقف ولي الفقيه السابقة التي كانت مساندة لنجاد تحديداً في الوقت الراهن تعبر ببلاغة عن دخول تيارات النظام في مواجهة حقيقية استناداً إلى التغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تمر بها، خاصة وضع قيادات الحرس في قائمة العقوبات والخروج التدريجي لسورية من حلفها مع إيران لو تعرضت لتغيير قد يطول نظامها، معتبرين مواقفه تنم عن سلوك نجاد حيال المرشد الذي تتسم بـالانقياد والخضوع وقوله الدائم "سمعاً وطاعة"، وكذلك عدم مقدرة نجاد على القيام بــ "اضطرابات في الشارع" كما هو الحال بالنسبة لتياره"التيار المنحرف" الذي فضله على التيار المنافس "الحركة الخضراء". ويضيف شريعتمداري في مقاله في "كيهان"، حيث يتطرق فيه بشكل ضمني إلى رفسنجاني الذي انتقد دعم المرشد لنجاد ذكر فيه أنّ "هؤلاء الذين ينتقدون المرشد بشكل علني بسبب دعمه السابق لنجاد يشبهون إلى حد كبير "يهود بني قريظة" و"بني نضير"، حيث لا يتحملون عناء التفكير ويتبعون الآخرين كالببغاوات متجاهلين ظروف البلد ومتبعين نهج "العصبية الجاهلية" و"الرجعية العمياء". تصريحات مشابهة أدلى بها رجل دين مقرب من المرشد في الحرس الثوري وهو حجة الإسلام مجتبى ذو النور، الذي يعرف بمواقفه المتصلبة حيال التطورات التي تحدث في المنطقة، خاصة ما يخص المرشد ومواقف الحرس حيال ما يحدث في البلد، حيث أكد ذو النور أنّ المرشد فضّل "نجاد" على "مير حسين موسوي" مستنداً في اختياره بين الفاسد والأفسد في مرحلة عصيبة كانت تمر بها البلاد وعانت اضطرابات لم تشهدها من قبل، وهي من صنع حركة الفتنة، وأن انتخاب المرشد لنجاد لم يكن خطأ بسبب أنه لا تتوافر هناك سوى أربعة خيارات أمامه، أول الخيارات كان محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري، حيث أثبت هذا الرجل في مناسبات عدة أنه ليس كفؤا في الأوقات العصيبة أو أنه ليس قادرا على اكتساح صناديق الاقتراع، وأما بالنسبة للمرشحين الباقيين فإنهما أثبتا خلال حملاتهما الانتخابية والعديد من مواقفهما أنهما يستهدفان الثورة برمتها وأنهما متحاملان على الثورة من هنا وقع الاختيار على نجاد بسبب ما ذكر من مواصفات كانت تجتمع في هذا الرجل. بعد مواقف نجاد الأخيرة من المرشد وخلافه على قضايا كثيرة من بينها قضايا مالية وعزله وزير المخابرات الذي يعتبر منصباً يتم تعيينه حصريا من قبل المرشد، وهو "كوتة" أي حصة المرشد في الحكومات الإيرانية السابقة (كوتات المرشد: وزير المخابرات والداخلية والدفاع والخارجية) زاد الطين بلة بين نجاد وخامنئي، خاصة بعد عزل نجاد وزير المرشد دون إذن الأخير، ما اعتبره تدخلاً في شؤون ولي الفقيه وتقليلاً من مكانته، أضف إلى ذلك دعوى علاقة مشائي مدير مكتب نجاد بصاحب الزمان الإمام المهدي بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر لدى الشيعة، يعد تدخلاً آخر في شؤون البلاد من قبل نجاد وجماعته، والذي يعتبر حكراً على المرشد ومن واجباته الفقهية وهو ممثل صاحب الزمان ولا يحق لأحد بناء علاقات مع الإمام الغائب سوى بإذن من خامنئي ما يضاف إلى ملف نجاد تطورت العلاقة بين التيارين لتصل إلى مراحل خطيرة للغاية تهدد بنشوب صدامات واضطرابات بينهما. يبدو أن الموقف بدأ يتطور بين نجاد وخامنئي، حيث وصل إلى مرحلة لا رجعة فيها، وذلك بعدما أقر البرلمان الإيراني مشروع قرار يمهد الأرضية لاستجواب نجاد بين أروقته، فقد أجمع عدد من البرلمانيين الموالين للمرشد جهودهم وأظهروا عضلاتهم على حكومة نجاد التي تعرضت في الآونة الأخيرة إلى كثير من التقزيم بسبب موقفه الذي يتسم بالتحدي للمرشد، فقد قام البرلمانيون الذين يأتمرون بأوامر المرشد ويجلسون على مقاعدهم بإشارة من مرشدهم بتجميع 100 توقيع من أصل 290 عضوا برلمانيا تطالب بطرح 11 سؤالاً محدداً على نجاد في جلسة تشبه إلى حد كبير جلسة استجواب ستكون نتيجتها أهم من انعقادها، لأنها إما ستحجب الثقة عنه وإما تبقيه للفترة المتبقية وهي تتعلق بما سيتخذه نجاد من مواقف في الأيام القادمة وأن هذه الأسئلة تتقسم إلى ثلاثة محاور: المحور الاقتصادي (تنفيذ القوانين والدستور وتنصله عن قوانين خدمية وعدم ترشيحه وزير الرياضة في الفترة المحددة التي ينص عليها القانون)، والمحور السياسي (تفاقم الأزمة الداخلية والإقليمية وتحديه المرشد)، وأما المحور الثقافي (التساهل المتعمد في تنفيذ قانون الحجاب والعفاف)، وتم منح الرئيس فترة أقصاها شهر حتى يتمكن من الإجابة عن أسئلة البرلمانيين. يرى البعض من أصحاب القرار في إيران أن هذا الحراك في البرلمان يرمي إلى فصل نجاد عن توأمه مشائي إذا تمت هذه العملية بدقة وعناية مركزة رغم تشكيك البعض في نجاح مثل عمليات فصل كهذه، التي اعتبرها البعض شبه مستحيلة - حسبما عبّر ذو النور مساعد ممثل خامنئي في الحرس بأن نجاد ومشائي يشبهان كثيراً قصة التوأمين "لالة ولادن" اللذين قضيا بعد عملية جراحية تمت في سنغافورة - لكن ستتواصل محاولات أنصار خامنئي لإبعاد نجاد عن تيار مشائي الذي يوصف بأنه تيار "منحرف" لتمهيد الأرضية لاعتقاله مثلما أعتقل ملك زادة المساعد المالي والإداري لوزير الخارجية بعد فترة وجيزة من فصله من عمله تحت ضغط البرلمان وهو أحد المقربين لمشائي لأن النظام ليس في ظروف يمكنه من خوض معركة جديدة وانشقاق جديد. في المقابل يرى البعض أن النظام استمر لأكثر من ثلاثة عقود بسبب هذه الانشقاقات وخلق الأعداء الداخليين والخارجيين وإن كانوا "وهميين"، حيث إنه تمكن في كل مرحلة من القضاء على عدد من الطامحين والطامعين في نظامه كي يبقي على مصدر التأزم مفتوحاً كي تستمر عملية البحث عن كبش فداء إلى ما لا نهاية في المفهوم الولائي للنظام الإيراني، لكن القمع والكبت أضف إلى أيديولوجية توظيف الطائفة والمذهب في إيران خدمة لأجندة ومصالح لا تخدم سوى أصحابها لن تجدي نفعاً إلى ما لا نهاية، وستنتهي هذه اللعبة بعد أن يفقد النظام صلاحياته وقدرته على ممارسة اللعب والضحك على الأذقان.
إنشرها