Author

بعد كارثة فوكوشيما .. هل تكون الطاقة الشمسية خيارنا المستقبلي العملي للطاقة لدعم التنمية المستدامة؟

|
قررت ألمانيا في 30 أيار (مايو) الماضي إغلاق سبعة مفاعلات نووية وأكدت عدم إعادة تشغيل هذه المفاعلات مستقبلاً، ويعد هذا الإعلان جزءا من خطة ألمانية لإغلاق جميع محطاتها النووية بحلول عام 2022م وذلك بعد حادثة محطة فوكوشيما النووية اليابانية التي صنّفتها هيئة الطاقة الذرية باعتبارها كارثة من المستوى السابع وهو أعلى المعدلات في المقياس الدولي للحوادث النووية، والتي تتسم بأنها "انبعاث كبير لمواد مشعة ذات آثار بيئية وصحية واسعة النطاق"، أما بلجيكا فقد سبق أن قررت في عام 2003م أن تبدأ في التخلص من الطاقة النووية في عام 2015م، وفي فرنسا طالبت وزيرة البيئة الفرنسية ناتالي كوسيوسكو موريزيه بضرورة إرساء قواعد دولية واضحة بخصوص مجال الأمن النووي، بينما أعلنت عواصم أوروبية أخرى أنها لن تتردد في إغلاق أي محطة نووية في حال وجود أي خلل أو احتمالات تشكيل مخاطر وذلك خلال الفحوصات والاختبارات المقرر أن تخضع لها المحطات الأوروبية قبل نهاية العام الحالي، وليس ببعيد عنا انفجار مفاعل تشرنوبيل في عام 1986م ، وقبله حدوث انصهار جزئي في محطة الطاقة النووية في جزيرة "ثري مايل آيلاند" في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979م. في المقابل تم الإعلان في المملكة العربية السعودية مؤخراً عن التوجه إلى إنشاء أكثر من 16 مفاعلاً نووياً حتى عام 2030م بقيمة 300 مليار ريال، فهل نحن نسير عكس التوجه العالمي العام؟! والسؤال الذي نطرحه هو: أين الطاقة المتجددة في خططنا المستقبلية، فقد حبا الله تعالى المملكة إلى جانب ثرواتها النفطية الوفيرة مصدر طاقة مهم وهو الشمس، فالشمس تسطع على أراضي المملكة لأكثر من 250 ساعة كل شهر بسبب وقوعها في قلب ما يسمى الحزام الشمسي مما يجعل المملكة في موقع مثالي لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الطاقة الشمسية، كما أن الصحاري الممتدة في المملكة يمكنها استيعاب أجهزة ضخمة لتوليد الطاقة الشمسية، ويمكن استخدام الكميات الضخمة من الرمال النقية الموجودة في هذه الصحاري في إنتاج الخلايا الكهروضوئية المصنوعة من السيليكون، فهل آن الأوان لأن نتحرك بسرعة أكبر في هذا الاتجاه؟ لا شك أن توفير الطاقة للأجيال المقبلة يعد أمانة في أعناق هذا الجيل، ويجب أن نسعى إليه بكل قوة، حيث لا تقل أهمية تأمين الطاقة عن الأمن الغذائي أو الأمن المائي أو الأمن الاجتماعي أو الأمن السياسي ولا سيما مع مؤشرات اقتراب نضوب الثروة الأساسية وهي النفط، لذا فقد صدر الأمر الكريم من خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، الذي يؤكد الرؤية الثاقبة للقيادة الحكيمة في معرفة مدى حاجة المملكة المستقبلية إلى بدائل مستدامة للطاقة. إن المخزون النفطي المؤكد في المملكة العربية السعودية يقدر بربع احتياطي النفط في العالم تقريباً حيث يُتوقع للمملكة أن تبقى أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط في المستقبل المنظور، وتبلغ نسبة النفط نحو 90 – 95 في المائة من موارد الدخل الإجمالي للمملكة أي ما يعادل 35 – 40 في المائة من الناتج المحلي الكلي GDP، وما يزال اقتصاد المملكة يعتمد اعتماداً كلياً على النفط بغض النظر عن المحاولات الجارية لتنويع مصادر الدخل، ويقدر الاحتياطي الحالي المؤكد في المملكة بنحو 264 مليار برميل نفط، وبالتالي فإن هذا يعني ضمنياً أن الاحتياطي النفطي سينضب خلال النصف الثاني من هذا القرن استناداً إلى المعدلات الحالية لاستهلاك الاحتياطي المتوافر. وللتعرف على ما نقصده هنا فإنه من المهم التعرف على نظرية قمة هوبرت التي تعرف أيضا باسم قمة نفط، وإن كانت محل خلاف فيما يخص الإنتاج والاستهلاك طويل المدى للنفط وأنواع الوقود الحفرية الأخرى، وتفترض هذه النظرية أن مخزون النفط غير متجدد، وتتوقع أن إنتاج النفط المستقبلي في العالم يجب حتما أن يصل إلى قمة ثم ينحدر بعدها نظرا لاستمرار استنفاد مخزون النفط، وهناك كثير من الجدل حول ما إذا كان الإنتاج أو بيانات الاكتشاف السابقة يمكن أن تستخدم في توقع القمة المستقبلية. إلا أنه يمكن اعتبار الموضوع ذا قيمة عند النظر إلى العالم ككل، فقد لاحظ إم. كينج هوبرت أن الاكتشافات في الولايات المتحدة وصلت إلى القمة في الثلاثينيات من القرن العشرين، وعلى هذا فقد توقع وصول الإنتاج إلى قمته في السبعينيات من القرن العشرين واتضح أن توقعاته صحيحة، وبعد وصول الولايات المتحدة إلى قمة الإنتاج في عام 1971م بدأت في فقدان السعة الإنتاجية مما أدى إلى أزمة النفط عام 1973م، ومنذ ذلك الوقت وصلت مناطق عديدة إلى قممها الإنتاجية، فمثلا بحر الشمال في التسعينيات من القرن العشرين، وقد أكدت الصين أن اثنتين من أكبر مناطق الإنتاج لديها بدأت في الانحدار. لقد وصل الاستخدام المباشر للنفط ومشتقاته في توليد الكهرباء في المملكة إلى استهلاك أكثر من نصف مليون برميل من النفط يومياً خلال عام 2010م وذلك لإنتاج 50 في المائة من الكهرباء المنتجة في المملكة، وسبق أن أوضح الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء المهندس علي بن صالح البراك أن 50 في المائة من إنتاج الكهرباء في المملكة يتم باستخدام الغاز الطبيعي المتوافر كوقود والباقي باستخدام النفط ومشتقاته، وذكر أن محطات التوليد على الساحل الغربي يتم تشغيلها عبر استخدام الوقود الثقيل الذي يترسب في المصافي بعد استخراج منتجات البنزين والديزل، وأوضح أن الوقود الثقيل لا يمكن استخدامه في أغراض أخرى سوى إنتاج الكهرباء، كما أنه من المرجح أن ترتفع الطاقة القائمة لتوليد الكهرباء التي تبلغ حاليا 50 غيغاوات إلى 77 غيغاوات بحلول عام 2020م. لذا فإن المملكة يجب أن تعمل بشكل جاد وحازم للبحث عن مصادر دائمة ومستدامة للطاقة لمرحلة ما بعد البترول والغاز الطبيعي، فالعالم يُجمع على أن الثروة البترولية مقبلة على النضوب خلال هذا القرن إذا لم تعمل دول العالم، ومنها المملكة نحو الحد من استهلاك البترول كمصدر أساسي للطاقة، لما في ذلك من إهدار لمورد اقتصادي نادر، ومن ثم فهو ليس باستثمار أمثل من المنظور الاقتصادي البحت، فالأفضل هو تعظيم القيمة المضافة من النفط والغاز بمزيد من عمليات التصنيع وذلك من خلال صناعات البتروكيماويات وغيرها مع تصدير تلك المواد المصنعة، وهو ما يضمن أيضاً إطالة عمر هذا المصدر، ومن ثم إطالة عمر صناعة البتروكيماويات، وفي الوقت نفسه تعظيم المردود الاقتصادي من المصدر الأحفوري، بسبب أن تزويد شركات الكهرباء بالغاز أو النفط بأسعار أقل من أسعار السوق العالمية يعتبر هدراً للموارد الوطنية الثمينة، فمن المعروف أن الدولة تقوم بدعم توليد الكهرباء بما يزيد على 90 في المائة من تكلفة الوقود من أجل ضمان انخفاض واستقرار الأسعار للمستفيدين من خدمة التيار الكهربائي في المملكة. وقد ذكر الدكتور إبراهيم بابللي من مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة مؤخراً أن سيناريو استخدام الوقود الأحفوري يواجه تحديات عدة؛ كونه يستخدم لتوليد الكهرباء، فكلما زادت الحاجة إلى توليد مزيد من الكهرباء سيتم استخدام مزيد من النفط والغاز. ونظرا لأن الغاز يتم استهلاكه بالكامل محليا، فإن النفط ومشتقاته يوفر فرصا كبيرة في التصدير إذا تم تجنب استخدامه في إنتاج الطاقة، إضافة إلى أنه مع تقدم عمر حقول النفط ستزيد تكلفة الإنتاج منها، مما يعني أنه كلما تم الإسراع في استخدام مصادر الطاقة البديلة فسترتفع الجدوى الاقتصادية للنفط الذي يتم توفيره، لارتفاع سعر بيعه وانخفاض تكلفة إنتاجه، إضافة إلى أن الزيادة المطردة في إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري، بسبب النمو الحالي في عدد السكان والنمو الاقتصادي والصناعي، ستقلص تدريجيا من قدرة السعودية على تصدير النفط. وحيث إن توليد الكهرباء باستخدام المحطات النووية يطرح حالياً على اعتبار أنه البديل الأول لتوليد الطاقة البديلة فإننا بحاجه إلى التعرف أكثر على هذا الخيار، فقد أنشئت أول محطة توليد حرارية نووية في العالم في عام 1954 وكانت في الاتحاد السوفياتي بطاقة 5 ميغاواط، ووصلت الطاقة النووية في الوقت الحالي إلى أن تزود دول العالم بأكثر من 16 في المائة من الطاقة الكهربائية؛ فهي تمد 35 في المائة من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي. واليابان تحصل على 30 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية، بينما بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا تعتمد على الطاقة النووية لتزويد ثلث احتياجاتها من الطاقة. ويعود السبب في ذلك إلى أن كمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية أقل بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية، فطن واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من ملايين من براميل البترول أو ملايين الأطنان من الفحم. ومصدر الوقود النووي (اليورانيوم) متوافر وسهل الحصول عليه ونقله، بينما مصادر الفحم والبترول محدودة، كما أن لتوليد الطاقة النووية جدوى اقتصادية، فعلى سبيل المثال، أظهر تقرير مكتب الالتزام البيئي والتوثيق في وكالة الطاقة الذرية عن تكاليف توليد الطاقة لعام 2010 حيث يشير إلى أن تكاليف توليد الطاقة النووية تصل إلى 77,4 دولار /كيلووات في الساعة في الولايات المتحدة بينما تتراوح تكلفة توليد الطاقة من الفحم ما بين 88 إلى 94 دولارا/كيلووات في ساعة ومن الغاز 83 إلى 104 دولارات/كيلووات في الساعة. أما من جهة تقنية فتعتبر محطات التوليد النووية نوعا من محطات التوليد الحرارية لأنها تعمل بنفس المبدأ وهو توليد البخار بالحرارة وبالتالي يعمل البخار على تدوير التوربينات التي بدورها تدور الجزء الدوار من المولد الكهربائي وتتولد الطاقة الكهربائية على أطراف الجزء الثابت من هذا المولد. والفرق في محطات التوليد النووية أنه بدل الفرن الذي يحترق فيه الوقود يوجد هنا مفاعل ذري تتولد فيه الحرارة نتيجة انشطار ذرات اليورانيوم بضربات الإلكترونات المتحركة في الطبقة الخارجية للذرة وتستغل هذه الطاقة الحرارية الهائلة في غليان المياه في المراجل وتحويلها إلى بخار ذي ضغط عال ودرجة مرتفعة جدا. وتحتوي محطة التوليد النووية على الفرن الذري الذي يحتاج إلى جدار عازل وواق من الإشعاع الذري وهو يتكون من طبقة من الآجر الناري وطبقة من المياه وطبقة من الحديد الصلب ثم طبقة من الأسمنت تصل إلى سمك مترين وذلك لحماية العاملين في المحطة والبيئة المحيطة من التلوث بالإشعاعات الذرية، وهنا تكمن الخطورة! ومن مميزات المحطات النووية أنها تشغل لتوليد الطاقة مساحات صغيرة من الأرض. لكن استخدام الطاقة النووية يسبب أيضا إنتاج النفايات ذات الإشعاعية العالية. لذلك يخزَّن الوقود النووي المستهلك في أحواض مائية بغرض تبريده، وامتصاص أشعته الضارة وتخفيض درجة إشعاعيته. بعد ذلك يمكن تدويره وإعادة معالجته لاسترجاع اليورانيوم والبلوتونيوم اللذين لم ينشطرا بعد، واستخدامهما من جديد كوقود للمفاعل أو في إنتاج الأسلحة النووية. وبعض العناصر الموجودة في النفايات مثل البلوتونيوم ذات إشعاعية عالية وتظل على ذلك لمدة آلاف السنين، حيث لا يوجد نظام آمن للتخلص من هذه النفايات، وما زالت مراكز البحوث النووية في جميع أنحاء العالم تعمل على إيجاد تكنولوجيا حديثة لحل تلك المسألة.والخلاصة أن المناصرين للطاقة النووية يحلمون بتقديم جيل جديد من محطات الطاقة النووية المأمونة والنظيفة والخضراء ذات التكلفة المنخفضة، إلا أنه على أرض الواقع يحدث النقيض تماماً بسبب العيوب التي تعانيها الطاقة النووية وأبرزها أن توليد الطاقة النووية يتم بذات التقنيات التي تم تطويرها في سبعينيات القرن المنصرم مع إدخال تحسينات طفيفة عليها، وأنه لا توجد حتى الآن تجهيزات تشغيلية في أي موقع في العالم لإدارة النفايات النووية عالية المستوى على المدى البعيد، وأن الطاقة النووية لم تحقق أماناً للطاقة بالنسبة لدول كالصين والهند ولكنها لعبت دوراً ملحوظاً في اليابان وفرنسا وبلجيكا وكوريا الجنوبية فقط ، ومع ذلك حصلت الكارثة مؤخراً. كما أن بناء محطات الطاقة النووية يعتبر أكثر تكلفة إلى حد كبير من محطات الطاقة الكهربائية التي تعمل بالفحم أو الغاز، والسبب هو أن بناء محطات الطاقة النووية مكلف جداً من الأساس، حيث تقدر تكلفة بناء محطة للطاقة النووية بما يتجاوز خمسة مليارات دولار. وقد وجدت دراسة في عام 2009 أن تقديرات تكلفة إنتاج الطاقة النووية (بما في ذلك الصيانة والبناء والوقود) تزيد بنسبة نحو 30 في المائة عن الطاقة المنتجة من الفحم أو الغاز. إن التكلفة والسلامة قضيتان مترابطتان بطبيعة الحال، لأن المخاوف بشأن السلامة تؤدي إلى فرض ضوابط وأنظمة وتتطلب موافقات واسعة النطاق، وكل هذا يرفع سعر تمويل بناء المحطات النووية الجديدة، وليس من الواضح كم يمكن أن تنخفض التكاليف لو خفت المخاوف بشأن السلامة وأصبح التمويل أرخص. لكن الذي حدث في اليابان يذكرنا بأن نقاط الضعف غير المتوقعة أمر لا مفر منه في أي نظام بالغ التعقيد، فباستطاعة الدراسات أن تقلل احتمالات وقوع الكوارث، ولكنها لا تستطيع منعها بالمرة، وعلى المشغلين والسلطات أن يكونوا على استعداد دائم لمعالجة الإخفاقات غير المتوقعة حتى أثناء اشتغالهم على منع وقوعها. من جهة أخرى لقد ساد مفهوم استخدام نظام الطاقة الشمسية الكهروضوئية ولوقت طويل، كواحد من مصادر توليد الكهرباء النظيفة، لكن يؤخذ عليه ارتفاع تكاليفه مقارنة بالمصادر الأخرى البديلة للنفط، كالطاقة النووية مثل، لكن ووفقا للورقة التي أعدها جون بلاك بيرن أستاذ الاقتصاد في جامعة ديوك بولاية كارولينا الشمالية الأمريكية بعنوان "تكاليف الطاقة الشمسية والنووية – التحول التاريخي" فقد انخفضت تكاليف نظم الطاقة الشمسية الكهروضوئية للحد الذي أصبحت فيه أقل من تكاليف محطات الطاقة النووية الجديدة. وحدث هذا التحول بمقدار 16 سنتا للكيلو واط الواحد في الساعة، وبينما تستمر تكاليف الطاقة الشمسية في انخفاض، فإن تكاليف الطاقة النووية أخذت في الارتفاع خلال السنوات الثماني الماضية. إن التنمية المستدامة تحتم استعدادنا من الآن لمواجهة تحديات المستقبل. فالتنمية المستدامة تعني الارتقاء بالمستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأجيال الحاضرة، دون اعتداء على احتياجات الأجيال المستقبلية، فالمملكة تنعم حالياً بالوفرة والرفاهية، ولكن التنمية المستدامة تعني أن تنعم الأجيال المستقبلية أيضاً من أبنائنا بمستويات اقتصادية واجتماعية وبيئية لا تقل عن تلك التي تنعم بها الأجيال الحالية، خاصة أنه من المؤكد أن النفط الذي يشكل ركيزة التنمية والرفاهية لا بد لبئره أن تنضب يوماً ما. ولهذا فإن استدامة عملية التنمية تقتضي الاستعداد من الآن لمواجهة تحديات عصر ما بعد النفط. فباستدامة الطاقة يمكن ضمان استدامة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. المبهج في الأمر أن مراكز البحث لدينا تعمل بشكل جاد على تكثيف الجهود في هذا المجال وتحويلها إلى مشاريع فعلية، فعلى سبيل المثال تقود مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية حاليا مبادرات الطاقة الشمسية وذلك بهدف افتتاح أكبر محطة لتحلية المياه في العالم تعمل بالطاقة الشمسية بحلول عام 2012 في مدينة الخفجي، التي ستورد عند اكتمالها 30 ألف متر مكعب من المياه النظيفة يوميا، مستخدمة تكنولوجيا الأغشية المطورة حديثا وتكنولوجيا الفولتية الضوئية فائقة التركيز. الجدير بالذكر، أن المملكة العربية السعودية كانت رائدة في المنطقة فيما يتعلق باستخدام الطاقة الشمسية، فقد أنشأت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية القرية الشمسية في العيينة في عام 1980م، وبالتالي فمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لديها خبرة وتجارب جاوزت ثلاثين عاماً في هذا المجال، وبإمكاناتها البحثية المتطورة وكادرها المتميز من الباحثين لا بد أن تكون قد توصلت إلى خطوات متقدمة يمكن أن تحول إلى منتجات فعالة في مجال الطاقة المستدامة والمتجددة والنظيفة وتوطين هذه التقنيات وأهمها الطاقة الشمسية. إن التحدي الأكبر أمام تلك التقنيات يكمن في تنافسية أسعار تلك المصادر مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية، فالمعروف أن التقنيات النظيفة تشمل مجموعة واسعة من التقنيات التي تتضمن الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والكتلة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة المائية، والوقود الحيوي، والغاز الحيوي، وتحويل النفايات إلى طاقة، وطاقة المد والجزر، وتخزين الطاقة، وتقنيات المياه، وتقنيات إعادة التدوير، ومواد النانو. وكلنا أمل في أن تكون هذه التقنيات وتطويرها أحد أهم مشاريع الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني التي تم الإعلان عن موافقة مجلس الوزراء على تأسيسها مؤخراً. من جهة أخرى يشير تقرير جديد أصدرته مجموعة بوسطن الاستشارية إلى أن عديدا من تقنيات الطاقة البديلة يقترب من نقطة تحول في تنميته، وقد يصل الوقت الذي سيكون له فيه تأثير عميق في المشهد العالمي للطاقة أسرع مما هو مفترض في العادة. ويقوم التقرير الذي صدر بعنوان "ما هي الخطوة التالية بالنسبة للطاقة البديلة؟"، بفحص حالة سبع من أهم تقنيات الطاقة البديلة مثل تقنيات الوقود الحيوية المتقدمة والمركبات الكهربائية والطاقة الشمسية المركزة والطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح الشاطئية وطاقة الرياح البحرية والفحم النظيف من خلال احتجاز وتخزين الكربون. ومن بين النتائج الرئيسية التي توصل إليها التقرير أنه سيتسارع اعتماد ونمو الوقود الحيوي المتقدم والطاقة الشمسية المركزة والطاقة الشمسية الكهروضوئية، وستتوجه هذه التقنيات نحو تغيير مزيج الطاقة العالمي في وقت مبكر بكثير مما هو مقدر عادة، فتكاليفها تنخفض بسرعة وهي على الطريق لتصبح فيه تنافسية إلى حد كبير من حيث التكلفة، مع الإشارة إلى أنه من المحتمل أن تنخفض تكلفة العمر التشغيلي لكل من الطاقة الشمسية المركزة والطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى أقل من 0.10 دولار لكل كيلوواط في الساعة بحلول عام 2020. وتسلط مجموعة بوسطن الاستشارية الضوء على عديد من النتائج الرئيسية ذات الصلة الكبيرة فيما يتعلق بتحديد وإعادة النظر في استراتيجيات الطاقة البديلة في الشرق الأوسط فيما ينخفض منحنى التكلفة للطاقة الشمسية المركزة بسرعة، وبحلول عام 2020 يمكن أن تصبح قادرة على المنافسة مع مصادر توليد الطاقة التقليدية مما يساعدها على تحقيق النمو إلى حد كبير دون الاعتماد على الإعانات الحكومية. كذلك فإن تكلفة الطاقة الشمسية الكهروضوئية آخذة في الانخفاض بسرعة وعلى الرغم من التحديات الكامنة التي تفرضها طبيعتها المتقطعة. كما أن تقنيات استخدام الطاقة الشمسية تستطيع توفير حصة ذات صلة للطلب المحلي على الطاقة بمجرد أن تصبح تنافسية من حيث التكلفة. لكن قد يستغرق تحقيق تكافؤ في الطاقة الاسمية في المنطقة وقتا أطول من غيرها من الأسواق نظرا لتوافر الوقود الأحفوري بشكل مباشر وقليل التكلفة، فضلاً عن الدعم المقدم لتوليد الطاقة. ولذلك ينبغي تقييم القدرة التنافسية لتقنيات استخدام الطاقة الشمسية وموقعها في نظام الجدارة مع أخذ أسعار السوق التقليدية بعين الاعتبار أي بما في ذلك النظر في تكلفة الفرصة البديلة، وهذا هو المدخل من وجهة نظري لدعم تأسيس مشاريع الطاقة البديلة على أساس أن دعمها يتركز على تكاليف التأسيس بينما دعم الطاقة التقليدية مستمر في كل برميل يستهلك لإنتاج الطاقة. كما أن هناك حاجة ماسة للأبحاث والاستثمار في مجال استخدام الطاقة الشمسية في التكييف، وذلك باستخدام نظام التبريد بالامتصاص، حيث يمكن استخدام الطاقة الشمسية كمصدر حراري لهذا النظام للانتفاع منها في منازل المناطق النائية والمزارع والبيوت المحمية الزراعية، التي يمكن أن تدمج فيها تقنيات كهروضوئية تمكن مع تزامن شدة الإشعاع الشمسي والارتفاع العالي لدرجة الحرارة من تشغيل نظام تكييف امتصاصي يمكن من تبريد تلك البيوت المحمية عند درجات حرارة مناسبة للنباتات. الجدير بالذكر، أن العالم قد بدأ بشكل فاعل في استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، فهناك مشاريع تقام في اليابان وأمريكا وإسبانيا لاستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، كما أن هناك شراكة مستقبلية بين ألمانيا والجزائر لتصدير الكهرباء من الجزائر إلى ألمانيا عبر الكيابل، حيث ستولد الكهرباء من الطاقة الشمسية في الجزائر بتقنية ألمانية. كما أن المغرب ستقيم أكبر محطة لتوليد الكهرباء معتمدة على الطاقة الشمسية، وستصل طاقتها إلى 500 ميغاوات، وتخطط المغرب لبناء خمس محطات لتوليد نحو 38 في المائة من احتياجات البلاد من الكهرباء بحلول عام 2020. فأين نحن من كل هذا؟! سؤال مهم نطرحه على صناع القرار في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والطاقة المتجددة، وبانتظار إجابة شافية.
إنشرها