Author

وكالة الطاقة الدولية تفقد توازنها!

|
كان قرار وكالة الطاقة الدولية أخيرا بضخ 60 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي للنفط مفاجأة غير مُتوقعة في ظل الظروف الحالية، وإن لم تكن ذات أهمية بالنسبة للسوق العالمية. فهذه الكمية لا تُمثِّل إلا أقل من ثلاثة أرباع الاستهلاك العالمي ليوم واحد فقط، الذي يتجاوز 87 مليون برميل. وكان النزول الفوري لسعر برميل النفط ببضعة دولارات كرد فعل للإعلان عن هذه الحركة أمرا طبيعيا، كما هي العادة عند إطلاق أي تصريح من مسؤول نفطي. فلم تصل الأمور إلى حد الذعر والخوف من ارتفاع حاد في الأسعار يُبرر اتخاذ مثل هذه الخطوة غير الموفقة. وهل اختلط الأمر على أصحاب هذه المؤسسة التي ربما قد أصابها الهرَم وأصبحوا يتصرفون دون رؤية واضحة؟ لقد وصل سعر برميل النفط في عام 2008 إلى ما يقارب 150 دولارا للبرميل ولم تحرك وكالة الطاقة الدولية ساكناً. وقد يظن البعض أن هذا الإجراء من طرف الوكالة هو بمثابة عقاب لبعض أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول، أوبك، لعدم موافقتهم على رفع سقف الإنتاج خلال مؤتمرهم الأخير، على الرغم من أن ذلك كان من حقهم أن يقبلوا أو لا يقبلوا باتخاذ خطوة لا معنى لها على أرض الواقع. فمجموع الإنتاج الحالي الفعلي للمنظمة، الذي يبلغ 29 مليون برميل في اليوم، أعلى بكثير من المستوى الذي يُطلق عليه سقف الإنتاج المُتفق عليه، والذي لا يتجاوز 25 مليون برميل في اليوم. إذ إن العِبرة هي برفع كمية الإنتاج وليس بسقف الإنتاج. ولكن الأهم في الموضوع هو أن تلك الدول التي أبدت معارضة قوية لمسألة رفع سقف إنتاج منظمة الأوبك، لم ترتكب جرماً تُحاسب عليه، فقد تصرفت بما تملي عليها مصالحها الوطنية. وفي أغلب الأحوال، فلربما أنها لم تكن تملك القدرة على زيادة كمية إنتاجها، الذي بلغ أو شارف على وصول الذروة، ولذلك فليس لديها ما تضيفه. ثم أن الخزن الاستراتيجي الذي يُخوفون به المصدرين لا يعدو عن كونه نمرا من ورق. فمجموع المخزون الاستراتيجي العالمي، بما في ذلك الأمريكي، أقل من 1500 مليون برميل، أو ما يُعادل إنتاج 17 يوماً فقط. وفي الظروف الحالية، فسيكون تعويض أي كمية تُضخ من المخزون في المستقبل أكثر تكلفة، بل ربما يستحيل توفيرها، وتكون بالنسبة لهم مخاطرة غير مأمونة العواقب. ولا يُستبعد أن تكون هناك دوافع سياسية داخلية لبعض دول وكالة الطاقة جعلتها تقبل بهذا القرار. والعرف الدولي لمفهوم الخزن الاستراتيجي يعني استخدام الكمية المخزَّنة عند حلول الكوارث، لا قدر الله، وانقطاع جزء كبير من الإمدادات، وليس من أجل التدخل لمنع الارتفاع الطبيعي للأسعار. وهم يعلمون، دون شك، أنهم سيُعوِّضون الكميات المفقودة في المستقبل بسعر أعلى من الأسعار الحالية. وهنا يبرز سؤال جوهري: إذا كان هذا هو رد فعلهم والأسعار لا تزال في محيط 100 إلى 120 دولارا للبرميل، فكيف سيتصرفون إذا تخطي سعر البرميل 150 دولارا، وهو أمر وارد؟ وهناك من المتخصصين منْ لا يتوقع ارتفاعاً كبيراً في الأسعار في المستقبل المنظور، على أساس أن ارتفاع الأسعار سيؤثر سلباً في النمو الاقتصادي، مما سيكون سبباً في خفض الاستهلاك ومن ثم نزول الأسعار كما كان يحدث خلال عقود مضت. ونحن نعتقد أن هذا المنطق غير سليم ويُغفل وجود حقيقة جديدة، وهي أن الإنتاج العالمي من النفط الخام والمشتقات النفطية في طريقه إلى الانحدار ولن يكون هناك فائض كما كانت عليه الحال قبل سنوات، حتى ولو انخفض الطلب لأي أسباب مستقبلية. ومن المُتوقع أن العالم سيُفاجأ بعد فترة قد لا تستمر طويلاً بنقص حاد في إمدادات الطاقة، ليس فقط بسبب ارتفاع الطلب الذي يُصاحب النمو المتواضع الحالي للاقتصاد العالمي، بل نتيجة للارتداد في مستوى الإنتاج في معظم الحقول التقليدية القديمة التي تُغذي الآن الأسواق النفطية. فالتقديرات المعلنة لاحتياطي النفط ''الرخيص'' المتبقي في العالم، والتي تُقدر بتريليون و200 مليار برميل من النفط الخام لم تتغير منذ عقدين، فهي لا تُمثل حقيقة الواقع بسبب عدم الشفافية التي تكتنف تلك التقديرات. ولو تتبعنا تاريخ نشوء أرقام الاحتياطي المذكور لبعض الدول المصدرة لوجدنا أنها ثابتة طوال العشرين سنة الماضية، على الرغم من استمرارية الإنتاج منها بكميات هائلة ودون أن يُعلن عن اكتشاف حقول جديدة ذات احتياطي كبير. ولعل هذا الوضع هو ما أخَّر قوة الدفع للاتجاه نحو بناء منشآت الطاقة المتجددة البديلة، على أمل أن يمتد العصر الذهبي للنفط إلى عشرات السنين القادمة، وهو ما لا نتفق معه. وكنا نتمنى أن تكون هناك آلية تُساعد على التحقق من صحة أرقام الاحتياطي الذي تتبناها كل دولة منتجة من أجل ضمان مستقبل أفضل للبشرية. وما دمنا لا نخشى على مستقبل النفط من أي مصدر من مصادر الطاقة البديلة، فما هو المبرر لأن تكون أرقام الاحتياطي غير شفافة ومسموح لأي جهة الاطلاع عليها والتأكد من صحتها؟ أما استمرار الوضع على ما هو عليه من عدم الشفافية فقد يؤدي ذلك إلى حدوث كوارث اقتصادية مُفاجئة بسبب نقص الإمدادات النفطية التي أصبح العالم رهينة لها، في الوقت الذي لا توجد فيه بدائل لسد العجز المُتوقَّع في مصادر الطاقة. ومن أهم الواجبات التي من المفروض أن تضطلع بها وكالة الطاقة الدولية، هي التأكد بما لا يدع مجالاً للشك من صحة أرقام الاحتياطي المتبقي في المكامن النفطية تحت سطح الأرض، مهما تكلفها ذلك من مجهود، لأن المسألة تتعلق بمستقبل عصب الحياة وهو الاقتصاد العالمي. وإذا لم تستطع عمل ذلك فلا قيمة لهذه المؤسسة الدولية. وهل من المعقول أو من المنطق أن خبراءها لا يدركون خطورة هذه المرحلة ونحن على أبواب حدوث نقص في إمدادات الطاقة؟ فلم نسمع قط عن توصيات جدية صادرة عن وكالة الطاقة للدول التي أنشأتها بضرورة إنشاء مرافق لمصادر الطاقة البديلة قبل أن تتفاقم أزمة مصادر الطاقة ويصاب العالم بالحيرة والارتباك. وعلى فرضية صعوبة الوضع المالي لمعظم دول العالم بسبب الأزمات المالية المتلاحقة، إلا أن الوقت الحاضر، دون أي شك، يُمثل البيئة الأفضل للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بالنسبة لما سيأتي به المستقبل من ظروف اقتصادية خانقة قد لا تُساعد على توفير الاستثمارات اللازمة.
إنشرها