Author

مظاهر تميّز سفيهة!

|
من المعلوم أن كل إنسان يسعى دوماً إلى التميّز المحمود، وبالتّالي تحاول كثير من الصناعات الاستهلاكيّة (بضائع أو خدمات) دوماً جذب المستهلك في إطار التميز، بحيث ترسّخ تلك الفكرة لعملائها. وهذا التميز في الغالب مردُّه إلى ما يسمى بـ "نظرية الإشارة" في العلوم المالية والاقتصادية، بحيث يُفهم عن هذا الشخص أو الشركة إذا كان الأمر خاصا بشركة أنه يعني/ تعني شيئاً يجب أن يُفهم عن حاله أو حالها. فعلى مستوى سلوك الأفراد مثلا يرى الصينيون أن لبس ساعات من نوع "رولكس" مثلاً يعني رجل الأعمال "الواجد" ماديّاً ولديهم ولعٌ بها تحكي قيمتها مقدار الشخص الذي يلبسها، حتى إنه كلما كانت الساعة مذهّبةً أكثر عَني ذلك تعاظُم الثروة لدى الشخص. وقد كتبت مقالاً سابقاً في سياقٍ آخر حول هذا الموضوع بالذات والذي شدّ انتباهي وقتها أن أكثر من 50 في المائة من ساعات رولكس المصدّرة لآسيا تستهلك في الأسواق الصينية. وأيًّا كان الأمر فالتميز في إظهار الذات يبقى أمراً طبيعياً من سمات النفس البشرية وهو شيء متغير تحكمه متغيرات عدة منها العمر والجنس والتعليم والدخل وعوامل البيئة وغيرها. فمثلاً أرقام الهواتف الجوالة حينما بدأ الانفتاح المتسارع في الاتصالات خلق سوقا رائجة للأرقام المتميزة، واشتدت تلك الحمى إلى أن هدأت في تقديري في السنين الأخيرة، فلربما زال سبب الحاجة للتميز بأرقام الهاتف الجوال واستبدل بشيء آخر! وعلى كل حال مرةً أخرى هي طبيعةٌ بشرية، إلا أن ما يؤلم حينما يكون التميز نابعاً لدلالات ضحلة بل ربما سخيفة ولا ترقى إلى مستوى الذوق العام ربما في بعض الأحيان. ولأكون أكثر صراحة فلقد وقع نظري ذات مرة على إعلان في جريدة محلية واسعة الانتشار عن بيع لوحة سيارة حروفها تقريباً تعني كلمة أستحي أن أذكرها وأنزّه هذه الأسطر عن ذكرها. حقيقة أنا لا ألوم البائع أو المشتري فلربما طغى عليهما عنفوان المراهقة بشكل فج لكنني ألوم إدارة المرور مع علمي بحرصهم على مراعاة مثل هذه اللوحات في عدم إصدارها. وللأمانة أيضاً فأنا لم أتحرَ عن مصداقية إصدار اللوحة فلربما وضع صاحبها الإعلان في حين أنه لا توجد لوحة بهذه الأحرف، إنني لا أناقش هنا مسؤولية من أو إن كان مثل هذه اللوحة مصدرةٌ أصلاً أو لا فهذا ليس شأني هنا، لكنني أرى أن في ذلك مفهوما ضمنيا للتميز غير المحمود أبداً، والمعنى المفهوم من هذا التميز ضحل لا يعني أي "إشارة" حقيقية ذات مصداقية سوى أن تكون لشد الانتباه، والتميز الذي لا يجب تشجيعه ونشره في أوساط المجتمع أصلا أن الحديث هنا ليس لماذا وصلنا إلى حال هكذا، لكي ينشد أحد أفراد المجتمع التميز من خلال لوحة سيارة مكتوبة عليها كلمةٌ ما، فهذا لباحثي علم الاجتماع وأنا لست منهم. ولكنني أعني نظرية الإشارة من منظور العلوم المالية بتميز الفرد أو الشركة، حيث يجب أن تكون تلك الإشارة المطلقة ذات دلالات معنوية وذات مصداقية لذات الشخص أو الشركة.
إنشرها