Author

ارتفاع رسوم المدارس الأهلية ودور الوزارة في علاجه

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
كثر الحديث من خلال الصحف اليومية عن عزم المدارس الأهلية على رفع الرسوم الدراسية للطلاب، واختلفت وجهات النظر في أسباب هذا الارتفاع، حيث ذكر البعض أن ذلك حصل، وكان من الأسباب زيادة رواتب المدرسين السعوديين، حيث سيكون الحد الأدنى لها خمسة آلاف ريال، مع تحمل الدولة 50 في المائة منها. وقد تكون هناك مبررات أخرى منها الإقبال على المدارس الأهلية من قبل بعض الأسر، لأسباب منها جودة التعليم والتجهيزات في المدارس، أو بسبب بُعد المدارس الحكومية عن بعض الأحياء في المدن الكبرى، أو لتوافر وسائل النقل للمدارس الأهلية بخلاف الحكومية. ومن المعلوم أن موظفي القطاعات الحكومية والأهلية تنتهي أعمالهم بعد نهاية دوام المدرسة بفترة قد تكون طويلة نوعا ما. فإذا ما نظرنا إلى هذه الأسباب ومع المعادلة الاقتصادية المعروفة وهي كثرة الطلب مع ثبات المعروض تؤدي بشكل تلقائي إلى زيادة الأسعار، سنجد أن الاستمرار في ارتفاع الأسعار قد يستمر إن لم توجد تغيرات في العناصر التي قد تكون سببا في زيادة الأسعار. قبل البدء في مناقشة الأسباب والحلول، لا بد أن نثني على القرار الحكومي بوضع حد أدنى لرواتب المدرسين في المدارس الأهلية بحيث يصل إلى خمسة آلاف ريال، وتحمل الدولة نصف الراتب مبادرة تخدم بالدرجة الأولى المدارس الأهلية، فكيف نتوقع أداء جيدا في التعليم لمدرس يحصل على راتب زهيد أقل من 2500 ريال، فرواتب مهن أقل في الكفاءة العلمية ونوع العمل، تتجاوز ذلك بكثير في القطاع الخاص. وبالتالي جعل هذا أحد الأسباب أمر غير مبرر إطلاقا، وغير مقبول بأي حال من الأحوال، بل يفترض أن يكون سببا لانخفاض التكلفة التشغيلية للمدارس، إذ إن المدارس من المتوقع أنها تعطي رواتب أكثر من 2500 ريال، خصوصا الجيدة منها. المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم قال'' إن الوزارة جهة فنية ترخص للمدارس الأهلية، وتتابع أداءها التربوي والتعليمي وفقاً للائحة تنظيم المدارس الأهلية الصادرة بقرار مجلس الوزراء .. ونصّها: ''تحدد المدرسة التكاليف الدراسية قبل بدء العام الدراسي بما لا يقل عن ثلاثة أشهر، ولا تجوز زيادتها أثناء العام''. والحقيقة أنه فعلا يصعب تماما في النظام الاقتصادي المفتوح تحديد الأسعار، حيث إن المسألة ترتبط بعناصر متعددة قد يكون أحد جوانبها التكلفة التشغيلية، مثل الاستئجار، وبعضها قد يكون بسبب عناصر مرتبطة بجودة التعليم، مثل قلة أعداد الطلاب في الفصل الواحد، وتوفير تجهيزات تعليمية متقدمة، وحيث يوجد كثير من الأسر المقتدرة ماديا، التي ترغب في تقديم أفضل الفرص التعليمية لأبنائها، قد لا يكون من المنطقي الحد من هذه الفرص. ومع تفهم تصريح المتحدث الرسمي للوزارة في هذه المسألة، إلا إن هذا لا يُعفي الإدارات المختصة في الوزارة من بحث مسألة أسباب ارتفاع الأسعار، ومدى إمكانية تقديم الحلول المناسبة لتوفير رغبات أولياء الأمور التي أدت إلى اختيارهم المدارس الأهلية بدلا من الحكومية، خصوصا ممن يرى أن هذه الرسوم الدراسية مكلفة له بدرجة عالية. وبالإمكان أن الإدارة المختصة تبدأ في دراسة هذه الأسباب من خلال الوصول إلى الأسر، وأخذ آرائهم بشكل شخصي، وتوزيع استبانات لعموم أسر المجتمع، ومن ثم تساعد نتائج هذه الدراسة الوزارة على تحديد أولوياتها في علاج مشكلة عدم رغبة بعض الأسر في المدارس الحكومية، مع الأخذ في الاعتبار أن استثمار القطاع الخاص في التعليم الأهلي له أهمية كبيرة، تعود بشكل إيجابي على المجتمع، لكن بشرط أن يضيف التعليم الأهلي إلى جودة العملية التعليمية، ويقدم إضافة لها من خلال برامج علمية وتطبيقية إضافية على ما هو موجود في التعليم العام. كما أن حديثنا هنا يتعلق بشريحة من المجتمع تجد أن هذه الرسوم تثقل كاهلها ماديا، خصوصا أن بعض الأسر لديها عدد كبير من الأبناء. الأمر الآخر فيما يتعلق بالدراسة المتعلقة بأسباب الأسعار لا بد من النظر في مسألة التكلفة التفصيلية للمدارس، التي يمكن أن توجد فيها تكاليف يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي يكون للوزارة رأي وتوجيه للمدارس للنظر في استمرارها، أو أن تكون بآلية تمكن رب الأسرة من الاستغناء عن هذه التكاليف. ففي بعض الأحيان - وهي مع الأسف أصبحت ظاهرة في المدارس الأهلية - تقام حفلات للتخرج، وهذه تمثل تكلفة تشغيلية قد تصل إلى ألف ريال أو أكثر للطالب أو الطالبة، ولن تقدمها المدارس بالمجان دون أن تأخذ هذه التكلفة في الاعتبار، وهذه الحفلات قد لا يكون لها أثر إيجابي مباشر في العملية التعليمية. فلو أنها كانت بشكل منفصل عن الرسوم الدراسية، لأصبح لولي الأمر الرأي والخيار في الالتزام بها. وبإمكان الوزارة أن تمنع منها. من الأمور الأخرى ستجد أن الإدارة التشغيلية للمدارس الأهلية لا تدار بشكل احترافي يضمن الكفاءة في الإدارة المالية، وبالتالي ستجد ذلك سيؤثر في الرسوم الدراسية. من المقترح أيضا أن الوزارة تقوم بمبادرة تخص بها المدارس الجيدة، وذلك بتقديم دعم مادي لها إذا ما حققت مخرجات على مستوى عال من الكفاءة والمعرفة بعد مجموعة من الاختبارات لهذه المخرجات، بحيث تقدم لها مكافأة مالية مجزية، شريطة أن تبقى رسومها الدراسية عند حدود مقبولة دون تغيير. الخلاصة أن وزارة التربية والتعليم قد تكون غير مسؤولة عن تحديد الأسعار، لكن ينبغي أن تكون لديها دراسة عن أسباب هذه الزيادة والمساهمة في علاج ذلك. مع التأكيد على أن التعليم الأهلي الجيد الذي يضيف إلى العملية التعليمية في المملكة مهم ويستحق الدعم، لكن تبقى أهمية توفير التعليم للمجتمع بأقل تكلفة، مهمة حكومية سامية ينبغي الحفاظ عليها قدر الإمكان.
إنشرها