Author

51 % من خريجي الثانوية

|
مستشار اقتصادي
ذكر وزير التعليم العالي قبل عدة أشهر أن نسبة 92 في المائة من خريجي الثانوية العامة يتجهون ويقبلون في التعليم الجامعي مقارنة بنحو 41 في المائة في أغلب الدول المتقدمة. الواضح أننا نختلف عن الدول المتقدمة، وفي تميز ليس ظاهريا فقط، ولكن النظرة الأكثر موضوعية تدل على أن هناك إشكالية عميقة، هذا الرقم هو أحد أعراضها فقط. بل لعلنا نقرأ الكثير من خلال هذا الرقم في السياسة التعليمية مرحليا والسياسة التنموية في الدائرة الأوسع. هذه الأرقام التعليمية والأوضاع الاقتصادية لدينا تنبئ عن خلل واضح في المنظومة التنموية. نسبة 51 في المائة (زيادة على المعدل العالمي) نشاز يستحق وقفة تحليلية. لعل نسبة 51 في المائة مهمة دائما في الغالبية المرجحة، وهي بذلك تحمل مدلولا استرشاديا على أن الغالبية ليست في حالة صحية، فالتعليم الجامعي مطلب للجميع ولكل عائلة الحق في الفرح بفلذات أكبادها للحصول على مقعد في الجامعة، ولكن حينما تصبح الجامعة سهلة الدخول فإن الضحية لا محالة سوف تكون الجودة. بل لعل الجامعات والوزارة تكون في حرج، إذ عليها تخريج الغالبية العظمى من هؤلاء، وبالتالي القبول بتخريج من هو غير مؤهل. المتوقع دائما أن يتجه للجامعة من هو قادر ذهنيا ونفسيا ولديه الطموح والاستعداد للتحديات المعرفية والتحليلية لتمكينه من القيادة في المجتمع. تخريج غير المؤهل يدخل الكل في دائرة غير صحية، فهو يرفع سقف التوقعات لدى المتخرج وأهله، بل حتى الحكومة تجد أنها مضطرة لتوظيف من رفعت سقف توقعاته دون استعداده لتحمل المسؤولية المهنية والمعرفية، فبعد أن كان خريج الجامعة جزءا من الحل بدا وكأنه في الغالب جزء من مشكلة أكبر. التوزيع الطبيعي للبشر من ناحية المواهب والاستعداد النفسي والطموح لا يخدم الغالبية في الذهاب للجامعة، ولكننا نضطر بسبب رغبة دفينة لدينا، هذه الرغبة في ظاهرها مثالية وفي جوهرها هروب من استحقاقات الصراحة والتخطيط وحتى الاعتراف بأن الغالبية في المكان الخطأ. ما الحل؟ الحل الإداري في تشديد القبول في الجامعات وعدم الرضوخ لــ "هروب" السعوديين غير المؤهلين لجامعات خارجية أو داخلية ليست ذات كفاءة، واشتراط "قبول" مهني عالٍ لكل تخصص لفرز الكفاءات ومعرفة مَن دخل الجامعة ليكمل نسبة 51 في المائة، ومَن دخل بسبب استعداده ورغبته وجهده. الحل الأمثل هو الابتعاد عن إدارة التنمية وكأننا في جزر منفصلة، فجزيرة التعليم العالي ليست ذات علاقة وثيقة ومباشرة مع جزيرة العمل، وهذه ليست لها علاقة مع جزيرة الاقتصاد، وهذه بدورها ليست لها علاقة مع جزيرة المالية. العمل من خلال هذه الجزر سوف يعمل على استمرار هذه النسبة (51 في المائة) ومد الجسور الوثيقة بينها سوف يقلص هذه النسبة المصطنعة. حل إشكالية التنمية يتطلب درجة من المصارحة والفرز على جميع المستويات. التعامل مع هذه الظاهرة يشكل انعطافا مهما في مدى جدية نهجنا التنموي.
إنشرها