Author

مدخل آخر للتسويق

|
على الرغم من التكلفة المرتفعة لحديد التسليح، وارتفاع أسعاره المستمرة، التي تجعل الشكوى منها لا تتوقف، والكتابة عنها في صحفنا اليومية لا تختفي حتى تعود للظهور من جديد، إلا أننا مستمرون في بناء غالبية مساكننا في مناطق المملكة جميعها بنظام "المسلح" أو البناء في الموقع بالنظام الهيكلي الإنشائي بالخرسانة المسلحة، ومصرون عليه منذ قرابة ستة عقود، مع أنه يتطلب مدة زمنية طويلة نسبياً للتنفيذ، وأعداداً كبيرة من العمالة الماهرة ذات الأجور المرتفعة، وينتج عنه أيضاً هدر في مواد البناء! وانتشار تقنية الخرسانة المسلَّحة في التنفيذ عائد لعدة أسباب، منها: توفر مواد البناء الأولية اللازمة للبناء، وظهور أعداد كبيرة من المقاولين المتمكنين منها، وتوفر العمالة المدرَّبة على إنجازها؛ حتى أصبح "المسلَّح" نظام البناء السائد لدينا لتنفيذ المساكن مع ارتفاع تكلفته، واستمرار شعبيته حتى مع الإعلان بين الوقت والآخر في صحفنا عن تقنيات بناء جديدة تتميز بانخفاض تكلفتها وسرعة تنفيذ المساكن بها. ولكن السؤال الأهم هو: لماذا لم تلقَ هذه التقنيات أو غيرها من تقنيات البناء الجديدة، التي تهدف إلى خفض التكلفة وسرعة التنفيذ والحفاظ على الجودة، القبول لدى السعوديين؟ ولماذا لم يتمكن موردوها من تحقيق الانتشار اللازم لها؟ أو لماذا لم تجد طريقها أساساً إلى سوق المساكن المنفذة بالأسلوب الفردي في السعودية؟ في رأيي المتواضع أن رفضها وعدم انتشارها وعدم اقتناع الناس باستخدامها في مساكنهم عائد إلى عدة أسباب، ولكن أهمها يعود إلى عدم اختيار الطريقة المناسبة لتسويقها. فيتعيَّن من أجل تسويق تقنيات تنفيذ مساكن جديدة تعريف صغار مقاولي بناء الهيكل الإنشائي (المسمى بالعظم) بها، وتوفير برامج التدريب المبسطة عليها منذ البداية، مع ضمان توفير المواد الأولية بشكل دائم في الأسواق. وسأحدثكم فيما يلي عن تجربة ناجحة لإدخال منتجات إحدى شركات الأدوات الكهربائية (من: الأسلاك، والقواطع، والمفاتيح، والأفياش) المصنعة محلياً إلى السوق، وإقناع الناس باستخدامها واستبدالها بالمنتجات الإنجليزية والألمانية واليابانية التي سبق أن أخذت سمعة عريضة، وسيطرت على السوق في السنوات الماضية. إن تسويق منتجات هذه الشركة لم يتم فقط عن طريق الإعلانات التجارية الموجهة للناس، بل أيضاً عن طريق تعريف عمال ومقاولي الكهرباء البسطاء بمنتجاتهم، وتمكينهم من التعامل معها، وإقناعهم بجودتها، من خلال تدريبهم على طريقة استخدامها وتركيبها وصيانتها والعناية بها، في عدد من الدورات غير الرسمية، التي تقيمها الشركة عادة مع حفل شاهي أو عشاء أو غداء لمجموعة صغيرة من العمال– في كل مرة- في إحدى الاستراحات وبلغتهم الأم، وإهدائهم في نهاية الدورة الأدوات والمعدات اللازمة لتنفيذ العمل بالشكل المطلوب. ومتابعتهم بعد ذلك وزيارتهم في مواقع بناء المساكن وتنفيذها لتقديم النصيحة والاستشارة المجانية لهم، وإعطائهم المزيد من الهدايا مع كل مشروع يتم استخدام منتجات الشركة في تنفيذه. فأصبحت هذه الشركة علامة تجارية مطلوبة ومرغوبة لدى المواطنين بفضل جهود عمال ومقاولي التمديدات الكهربائية في التعريف بها، والدعاية لها بإظهار محاسنها، والنصح باستخدامها لكل من يوقعون عقوداً معهم لتنفيذ أعمال الكهرباء في مساكنهم. وفي هذه التجربة نموذج يُحتذى به لتسويق تقنيات البناء الجديدة جميعها.
إنشرها